مختصر تفسير القرآن تدبر وعمل لسورة البقرة (49-57)
قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ * وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ * ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 49 - 57]
الوقفات التدبرية:
١- ﴿ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾ [البقرة: 50] أغرقناهم وأنتم تنظرون؛ ليكون ذلك أشفى لصدوركم، وأبلَغَ في إهانة عدوِّكم. [ابن كثير].
٢- ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [البقرة: 54] الفعل الذي فعلوه فظلموا به أنفسَهم هو ما أخبر الله عنهم من ارتدادهم باتخاذهم العجلَ ربًّا بعد فراق موسى إياهم. [الطبري].
٤- ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ ﴾ [البقرة: 54] جعلتم أنفسكم متذللة لمن لا يَملِكُ لها شيئًا ولمن هي أشرف منه، فهذا هو أسوأ الظلم؛ فإن المرء لا يصلح أن يتذلل ويتعبَّد لمثله، فكيف لمن دونه من حيوان؟ فكيف بما يشبه بالحيوان من جماد الذهب الذي هو من المعادن؟! [البقاعي].
٥- ﴿ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ﴾ [البقرة: 57] لما ذكر تعالى ما دفعه عنهم من النِّقَم، شرَع يُذَكِّرُهم أيضًا بما أسبغ عليهم من النِّعم، فقال: ﴿ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ ﴾. [ابن كثير].
٦- ﴿ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 57]، فكان ينزل عليهم من المنِّ والسَّلوى ما يَكفيهم ويُقِيتُهم. ﴿ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾؛ أي: رزقًا لا يحصل نظيره لأهل المدن المترفهين؛ فلم يشكروا هذه النعمةَ، واستمَروا على قساوة القلوب وكثرة الذنوب. [السعدي].
٧- ﴿ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 57]، والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل؛ للدلالة على تماديهم في الظلم واستمرارهم عليه. [الألوسي].
التوجيهات:
١- كلما اشتدَّ ظلم طاغية، اقترَب زوالُ ملكه، ﴿ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾ [البقرة: 50].
٢- لا تيئس من كثرة معاصيك؛ فإن كان الله سبحانه يغفر الشِّركَ - وهو أكبر المعاصي - إذا تاب العبد منه، فما عليك إلا أن تُقبِل على الله سبحانه بالتوبة الصادقة، ﴿ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ * ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 51، 52].
٣- من رحمة الله بالعباد أنه يمهلهم ولا يعاجلهم العقوبة؛ لعلهم يتوبون إليه ويستغفرونه فيغفر لهم، ﴿ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 52].
العمل بالآيات:
١- اكتب قائمة بالنوازل والمخاطر التي حفظ الله منها المجتمعَ وكفاهم إياها، ثم أرسِلْها برسالة تذكير بالشكر؛ فإن الله يحبُّ الشاكرين، ﴿ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 52].
٢- ذكِّر غافلًا بأن شرط توبةِ عصاة بني إسرائيل كان أن يقتُلوا أنفسَهم، وأما عصاة أمَّةِ محمد صلى الله عليه وسلم فخفَّف اللهُ عنهم بالاقتصار على طلب الاستغفار والتوبة الصادقة، ﴿ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ ﴾ [البقرة: 54].
٣- راجع قائمة طعامك، وابتعد عن المشتبه به؛ فإن البدائل الحلال كثيرةٌ، واقتصر على الطيب من الرزق، ﴿ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 57].
معاني الكلمات:
﴿ يَسُومُونَكُمْ ﴾: يُذِيقُونَكُمْ.
﴿ بَلَاءٌ ﴾: اخْتِبَارٌ وَنِعْمَةٌ.
﴿ فَرَقْنَا ﴾ فَصَلْنَا.
﴿ وَالْفُرْقَانَ ﴾: الَّذِي يَفْصِلُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.
﴿ بَارِئِكُمْ ﴾: خَالِقِكُمْ ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ [السجدة: 7].
﴿ الصَّاعِقَةُ ﴾: نَارٌ مِنَ الْسَّحَابِ. ﴿ وَظَلَّلْنَا ﴾: جَعَلْنَا السَّحَابَ ظِلًّا مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ.
﴿ الْغَمَامَ ﴾: السَّحَابَ.
﴿ الْمَنَّ ﴾: شَيْئًا يُشْبِهُ الصَّمْغَ كَالْعَسَلِ.
﴿ وَالسَّلْوَى ﴾: طَيْرًا يُشْبِهُ السُّمَانَى.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|