تفسير سور (الشرح والتين والعلق والقدر) كاملة
تفسير سورة الشرح من الآية 1 إلى الآية 8: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾؟ يعني ألم نُوَسِّع لك صدرك - أيها النبي - ليَتحمل شرائع الدين، والدعوة إلى الله تعالى، والاتصاف بمكارم الأخلاق، كالصبر والحِلم ورَدّ السيئة بالحسنة؟ ﴿ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ﴾؟ يعني وحططنا عنك بذلك حِمْلك (إذ الوِزر هو الحِمل الثقيل، كما قال تعالى - حكايةً عن بني إسرائيل -: (وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا) أي أثقالاً (مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ)، (ولَعَلّ المقصود بذلك الحِمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يَحمل هَمّ الدعوة وأعباء الرسالة، وما يَنتج عن ذلك من تكذيبٍ وإيذاء)، وهذا الحِمل هو ﴿ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ﴾ أي أثقل ظهرك ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾؟ يعني أعلَينا ذِكرك (فأصبحتَ تُذكَر مع ربك في الأذان والإقامة والتشهد)، إذاً فلا يُضعِفك أذى أعدائك وتكذيبهم عن تبليغ رسالة ربك؛ ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾: يعني فإنّ مع الضيق فرجًا، ﴿ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ يعني إنّ مع الشدة والكَرب: تيسيرٌ وتخفيف، ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴾ يعني: فإذا فرغتَ من أمور الدنيا وأشغالها فاجتهِد في العبادة، وإذا فرغتَ من عبادةٍ فاجتهد في أخرى، ﴿ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ يعني: وإلى ربك وحده فارغب فيما عنده، مُخلِصاً له الدعاء.
تفسير سورة التين من الآية 1 إلى الآية 8: ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ﴾ (يُقسِم اللهُ تعالى بالتين والزيتون، وهما من الثمار المشهورة)، وقد قيل إن المقصود هنا: أرض الشام التي تكثر فيها زراعة هذه الثمار (لأن السِياق الآتي يدل على أن هذا القَسَم بالأماكن المُقدَّسة)، ﴿ وَطُورِ سِينِينَ ﴾(يعني: ويُقسم سبحانه بجبل "طور سيناء" الذي كَلَّمَ اللهُ عليه موسى)، ﴿ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ﴾ يعني: وبهذا البلد الآمِن مِن كل خوف، وهي "مكة"، التي نزل فيها الوحي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
♦ ثم أخبَرَ سبحانه عن الشيء الذي يُقسِم عليه، فقال: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ أي خلقناه في أحسن صورة، ﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴾ أي: ثم رددناه إلى النار (إن لم يُطِع اللهَ ويَتَّبع الرُسُل) ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ - بإخلاصٍ لله تعالى وعلى النحو الذي شَرَعه - ﴿ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾ أي لهم أجرٌ عظيم غير مقطوع ولا منقوص، ﴿ فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ﴾؟! يعني فأيُّ شيء يدفعك أيها الإنسان إلى أن تُكَذّب بالبعث والجزاء، بعد وضوح الأدلة على قدرة الله تعالى على ذلك؟ (إذ الدين هنا هو الجزاء، كما قال تعالى: (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ) أي جزاءهم الحق)، ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ﴾؟! يعني أليس الله الذي جعل هذا اليوم للفصل بين الناس هو أحكم الحاكمين وأعدلهم؟! بلى، فليس هناك أعدل من الله تعالى، وليس هناك أحسَنُ منه حُكماً، وإنّ حِكمته سبحانه تقتضي أنه لا يَترك خَلْقه بغير ثوابٍ وعقاب، ولا يُساوي المُتَّقي بالفاجر، (واعلم أنّ لفظ "أَحْكَمِ" يشمل الحُكم ويشمل أيضاً الحكمة).
تفسير سورة العلق من الآية 1 إلى الآية 8: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ يعني: اقرأ أيها النبي ما أُنزِل إليك من القرآن، مُفتَتِحًا قراءته باسم ربك المتفرد بالخلق، الذي ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾: أي خَلَقَ كل إنسان مِن قطعة دم غليظ أحمر متعلق بالرحم، ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ يعني: اقرأ أيها النبي ما أُنزِل إليك، وإنّ ربك هو كثير الإحسان، واسع الكرم، وقد أكرمك بإنزال الوحي عليك، وعلَّمك ما لم تكن تعلم، وهو ﴿ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾ أي علَّم خَلْقه الكتابة بالقلم، ﴿ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ (فنَقَله من ظُلمة الجهل إلى نور العلم)، ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى ﴾ يعني: ألاَ إن الإنسان لَيَتجاوز حدود الله تعالى إذا رأى نفسه قد استغنى بماله أو ولده أو سُلطانه، ﴿ إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ﴾ يعني: فليَعلم كل طاغية أن المصير إلى الله تعالى بعد الموت، فيجازي كلَّ إنسان بعمله.
من الآية 9 إلى الآية 19: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى ﴾؟ يعني هل رأيتَ أعجَب مِن طغيان هذا الرجل (وهو أبو جهل) الذي يَنهى عبدًا لنا إذا صلَّى لربه (وهو محمد صلى الله عليه وسلم)؟ ﴿ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى ﴾؟! يعني أرأيتَ إنْ كانَ المَنهي عن الصلاة على الهدى فكيف يَنهاه؟! ﴿ أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى ﴾؟! يعني أو إنْ كانَ آمِرًا غيره بالتقوى، أيَنهاه عن ذلك؟! ﴿ أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾؟ يعني أرأيتَ إنْ كذَّبَ هذا الناهي بما يُدعَى إليه، وأعرَضَ عنه؟ ﴿ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ﴾؟! يعني ألم يعلم أنّ اللهَ سبحانه يرى كل ما يفعله الإنسان؟!، فكيف إذاً لم يَستَحِ من ربه ويَخَفْ عذابه؟!، ﴿ كَلَّا ﴾ أي ليس الأمر كما يزعم أبو جهل مِن أنه قادرٌ على إيذائك أيها الرسول، ﴿ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ ﴾ عن إيذائه لك: ﴿ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ ﴾ أي لنأخذنَّ بناصيته (وهي مُقدَّم رأسه) أخذًا عنيفًا، ونطرحه في النار، ﴿ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴾ يعني: ناصيته ناصية كاذبة في مَقالها، خاطئة في أفعالها، (إذ طالما كَذَّبت بالحق، وتعمدتْ ارتكاب المنكر)، ﴿ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ ﴾ أي: فليُحْضِر حينئذٍ أهل ناديه - أي مَجلس قومه - الذين يَستنصر بهم، فإننا ﴿ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ﴾: أي سندعو ملائكة العذاب، ﴿ كَلَّا ﴾ يعني إنه لن ينالك - أيها الرسول - بسوء، فـ ﴿ لَا تُطِعْهُ ﴾ فيما دعاك إليه مِن تَرْك الصلاة ﴿ وَاسْجُدْ ﴾ لربك ﴿ وَاقْتَرِبْ ﴾ مِن رضاه (بالتحبب إليه بطاعته، وخاصةً الصلاة).
تفسير سورة القدر من الآية 1 إلى الآية 5: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ﴾ أي ابتدأنا إنزال القرآن ﴿ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ أي في ليلة الشَرَف والفضل (وهي إحدى ليالي شهر رمضان)، (ويُحتمَل أن يكون القرآن قد نزل كاملاً في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى بيت العِزّة في السماء الدنيا، ثم نزل إلى الأرض خِلال ثلاث وعشرين سَنة، بحسب الحوادث والأحوال)، ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴾؟ يعني وما أعلمك - أيها النبي - ما ليلة القَدْر والشَرَف؟، ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾: يعني إنها ليلةٌ كثيرة الخيرات، إذ ثواب العمل الصالح فيها خيرٌ من ثوابه في ألف شهر ليس فيها ليلة قدر، ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ﴾ أي: يَكثر نزول الملائكة فيها ومعهم الروح الأمين جبريل عليه السلام ﴿ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ﴾ وأمْره لهم بالنزول، ﴿ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴾ أي ينزلون مصحوبين بكل أمْرٍ قضاه سبحانه في تلك السَنَة (مِن رزقٍ وأجل وغير ذلك)، ﴿ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ يعني: هذه الليلة أمْنٌ كلها، لا شرَّ فيها يصيب المؤمنين إلى أن يَطلع الفجر (إذ هي كلها خيرٌ وسلامٌ من الملائكة على المؤمنينَ العابدين).
[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|