نبي الله آدم عليه السلام
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:
فلقد قص الله علينا قصص الأنبياء والمرسلين؛ لنأخذ منها الدروس والعبر، قال تعالى: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [هود: 120]، وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111].
ومن الأنبياء الذين أكثر الله من ذكرهم في كتابه، أبو البشر آدم عليه السلام، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 30- 39].
وقال تعالى: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: 59]، وقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
«وقد ذكر الله قصة آدم عليه السلام في مواضع متفرقة من القرآن، فأخبر تعالى في الآيات السابقة أنه خاطب الملائكة قائلًا لهم ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30]. أعلم بما يريد أن يخلق من آدم وذريته الذين يخلف بعضهم بعضًا، كما قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ ﴾ [الأنعام: 165]. فأخبرهم بذلك على سبيل التنويه بخلق آدم وذريته، كما يخبر بالأمر العظيم قبل كونه، فقالت الملائكة سائلين على وجه الاستكشاف والاستعلام عن وجه الحكمة لا على وجه الاعتراض والتنقص لبني آدم، والحسد لهم: ﴿ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ﴾ [البقرة: 30]؟ قيل: علموا أن ذلك كائن بما رأوا ممن كان قبل آدم من الخلائق من الجن - قاله قتادة -.
﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾ [البقرة: 30] أي نعبدك دائمًا، لا يعصيك منا أحد، فإن كان المراد بخلق هؤلاء أن يعبدوك، فها نحن لا نفتر ليلًا ولا نهارًا، قال: ﴿ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30] أي أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هؤلاء ما لا تعلمون، أي سيوجد منهم الأنبياء، والمرسلون، والصديقون، والشهداء، ثم بين لهم شرف آدم عليهم في العلم، فقال: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ﴾ [البقرة: 31]، قال ابن عباس: «هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس: إنسان، دابة، أرض، بحر، جبل، جمل، وأشباه ذلك من الأمم.. وغيرها»[1].
روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَجْتَمِعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُونَ: لَوْ اسْتَشْفَعْنَا عَلَى رَبِّنَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ أَبُو البَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ.. وذكر تمام الحديث»[2].
«فهذه أربع تشريفات، خلقه الله بيده الكريمة، ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة بالسجود له، وعلمه أسماء كل شيء.
قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12]. وقد رأى إبليس نفسه أشرف من آدم، فامتنع من السجود له مع وجود الأمر له ولسائر الملائكة بالسجود، والقياس إذا كان مقابلًا بالنص كان فاسد الاعتبار، ثم هو فاسد في نفسه، فإن الطين أنفع وخير من النار، فإن الطين فيه الرزانة، والحلم والأناة، والنمو، والنار فيها الطيش، والخفة، والسرعة، والإحراق، ثم آدم شرفه الله بخلقه له بيده، ونفخ فيه من روحه، وفي الحديث عند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها: «خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ»[3].
قوله تعالى: ﴿ وَيَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 19].
ونقل بعضهم عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة، أنهم قالوا: أُخرج إبليس من الجنة، وأُسكن آدم الجنة، فكان يمشي فيها مستوحشًا ليس له فيها زوج يسكن إليها، فنام نومة، فاستيقظ وعند رأسه امرأة قاعدة، خلقها الله من ضلعه، فسألها: من أنت؟ قالت: امرأة، قال: ولم خُلقت؟ قالت: لتسكن إليَّ، فقالت له الملائكة - ينظرون ما بلغ من علمه -: ما اسمها يا آدم؟ قال: حواء، قالوا: ولم كانت حواء؟ قال: لأنها خُلقت من شيء حيٍّ، وذكر محمد بن إسحاق عن ابن عباس: أنها خُلقت من ضلعه الأيسر وهو نائم، ولأم مكانه لحمًا، ومصداق هذا في قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 1]، وقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ [الأعراف: 189].
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا؛ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاه، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا»[4].
قال تعالى: ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ﴾ [الأعراف: 20]. يقول: ما نهاكما عن أكل هذه الشجرة، إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين، أي: ولو أكلتما منها لصرتما كذلك، وقاسمهما أي: حلف لهما على ذلك ﴿ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [الأعراف: 21]. كما قال في الآية الأخرى: ﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾ [طه: 120]. أي هل أدلك على شجرة إذا أكلت منها حصل لك الخلد فيما أنت فيه من النعيم، واستمررت في ملك لا يبيد ولا ينقضي؟ وهذا من التغرير والتزوير والإخبار بخلاف الواقع.
قوله: ﴿ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ﴾ [الأعراف: 22]. كما قال تعالى في آية أخرى: ﴿ فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ﴾ [طه: 121]. وكانت حواء قد أكلت من الشجرة قبل آدم، وهي التي حضته على أكلها، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزِ[5] اللَّحْمُ، وَلَوْلاَ حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا»[6].
قال تعالى: ﴿ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ * قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 22-23]. وهذا اعتراف ورجوع إلى الإنابة، وتذلل، وخضوع، واستكانة، وافتقار إليه تعالى في الساعة الراهنة، وهذا السِّرُّ ما سرى في أحد من ذريته إلا كانت عاقبته إلى خير في دنياه وأُخراه.
قال تعالى: ﴿ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 36- 39]. فدل على أنهم أُهبطوا إلى الأرض، وكرره لفظًا وإن كان واحدًا، وناط مع كل مرة حكمًا، فناط بالأول عداوتهم فيما بينهم، وبالثاني الاشتراط عليهم، أن من تبع هداه الذي ينزله عليهم بعد ذلك فهو السعيد، ومن خالفه فهو الشقي.
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا»[7]. وفي رواية: «وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ»[8].
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا، خَيَّبْتَنَا، وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: يَا مُوسَى، اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلَامِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ، أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى.. ثَلَاثًا»[9]. والتحقيق أن هذا الحديث رُوي بألفاظ كثيرة، بعضها مروي بالمعنى وفيه نظر، ومدار معظمها في الصحيحين وغيرهما على أنه لامه على إخراجه نفسه وذريته من الجنة، فقال له آدم: أنا لم أخرجكم، وإنما أخرجكم الذي رتب الإخراج على أكلي من الشجرة، والذي رتب على ذلك وقدره وكتبه عليَّ قبل أن أُخلق هو الله عز وجل، فأنت تلومني على أمر ليس له نسبة إلي أكثر ما أني نهيت عن الأكل من الشجرة فأكلت منها، وكون الإخراج مترتبًا على ذلك ليس من فعلي، فأنا لم أخرجكم ولا نفسي من الجنة، وإنما كان هذا من قدر الله وصنعه وله الحكمة في ذلك، فلهذا حج آدم موسى.
ولهذا قال بعض أهل العلم بأن جواب آدم إنما كان احتجاجًا بالقدر على المصيبة لا على المعصية»[10].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|