دروس وعبر من سير الصحابة الكرام (3)
تعريف الصحابي: هو مَن لَقِيَ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- مؤمنًا به ومات على الإسلام.
فيدخُل في هذا التعريفِ مَن لقيه وطالتْ مجالستُه له، ومَن قصُرت مجالستُه له، ومَن روى عنه ومَن لم يروِ عنه، ومَن غَزا معه ومَن لم يغزُ معه، ومَن رآه رؤيةً ولو لم يجالسْه، وكذلك مَن لم يرَهُ لعارضٍ كالعمى.
الصحابة درجات:
أفضَلُهم العشرة المبشَّرون بالجنَّة، وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدون الأربعة: أبو بكرٍ وعمر وعثمان وعلي، وهم في الفضل بهذا الترتيب.
وبقيَّة العشرة معروفون، وهم: أبو عبيدة، وعبدالرحمن بن عوف، وسعد، وسعيد، وطلحة، والزبير - رضي الله عنهم أجمعين.
مكانة الصحابة:
إنَّ مكانتهم - رضي الله عنهم - مكانةٌ كبيرة جدًّا عندنا نحن المسلمين، لقد كُنَّا نعيشُ قبلَ الإسلام على هامش التاريخ، لا يدري بنا العالم، نعيشُ هُمومنا وحُروبنا ومَآسينا التي تحدَّثنا عنها آنفًا، فلمَّا جاء الإسلام وأسلَمْنا دخَلْنا التاريخ من أوسع أبوابه بهؤلاء القوم الكرام بقِيادة سيِّدنا محمد بن عبدالله - صلواتُ الله وسلامُه عليه - فحرَّرْنا الشُّعوب، ونشَرْنا التوحيد، وحقَّقنا العَدالة، وقضَيْنا على الشِّرك والوثنيَّة والخُرافة، وأنصَفْنا المظلوم.
إنهم أبطالنا ومُعلِّمونا وهُداتنا - رضي الله عنهم وأرضاهم.
إنَّ مكانتهم عاليةٌ، يدلُّ على ذلك أمران؛ هما: نصوص دينيَّة، ووقائع التاريخ التي تذكُر جِهادهم وسُلوكهم.
1- فالنُّصوص الدِّينيَّة التي تُثنِي عليهم وتَذكُر فضلَهم في الكتاب والسُّنَّة - كثيرة، فمن ذلك ما أثنى الله - تبارك وتعالى - عليهم في مواضعَ من كتابه الكريم؛ لقد ذكر الله - تبارك وتعالى - أنَّه رضي عنهم، وأنزَل السكينة عليهم؛ قال -تعالى-: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 18].
وأثنى عليهم مَرَّةً أخرى فذكَر - سبحانه - أنَّه رضي عنهم وأنهم رَضُوا عنه؛ فقال -تعالى-: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].
ووصفَهُم - تبارك وتعالى - بأنهم يَنصُرون الله ورسوله، وأنهم هم الصادقون؛ فقال - جلَّ جلاله -: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحشر: 8].
ومن ذلك ما جاء في السُّنَّة المطهَّرة في ذِكر فَضلِهم وعلوِّ منزلتهم - رضي الله عنهم - فقد ذكَر رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أنهم في منزلةٍ عالية لا يستطيع أنْ يَبلُغَها أحدٌ من غيرهم، ونهى عن سبِّهم، فقال: ((لا تسبُّوا أصحابي؛ فوالذي نفسي بيده لو أنفَقَ أحدُكم مِثْلَ أُحدٍ ذهبًا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه))؛ رواه البخاري برقم 3673، ومسلم برقم 2540، وأبو داود برقم 4658، والترمذي 3861، وابن ماجه برقم 161.
2- والأمر الثاني هو جهادهم في سبيل الله باللسان والبيان، وبالسيف والسِّنان، وبذْلهم أموالَهم وأرواحَهم في سبيل الله، وقيامهم بنُصرة دِين الله ونشْره في رُبوع الدُّنيا، وأخلاقهم الكريمة من الصِّدق والإخلاص، والجُرأة والإقدام، والصَّدع بالحق لا يخافون في الله لومةَ لائم، والأمانة والحكمة، والصبر والرحمة، والبر والتعاون، والنصح لإخوانهم، وغير ذلك من مكارم الأخلاق.
وهذا الذي يَحكِيه تاريخُهم الأغرُّ - رضي الله عنهم وأرضاهم.
إنهم جيلٌ فريدٌ لم يظهر بعدَه جيلٌ مثلُه، وهو جيلٌ مميَّز في تاريخ الإسلام كله؛ وذلك - والله أعلم - أنَّ رسالة الإسلام الخاتمة لا بُدَّ لها من رجالٍ يحملونها، فقضتْ حكمةُ الله - تبارك وتعالى - أنْ يكون هذا الجيل على المستوى العالي الذي صاغَه الله - تبارك وتعالى - وهيَّأ الأسباب لتكوينه؛ كان ذلك ليَنشُروا دِينَ الله، وليكونوا لمن بعدهم أسوةً، ويكونوا قُدوةً لمن يدعونهم.
لقد أُتِيحَتْ لهم مُصاحَبة النبيِّ العظيم -صلى الله عليه وسلم- وتلقِّي وحي الله منه -صلى الله عليه وسلم- مباشرةً بلا واسطة، وهذا شرفٌ عظيم، وأُتِيح لهم تعليمُه -صلى الله عليه وسلم- إيَّاهم أركانَ دِينهم وأحكامه قولاً وعملاً، وأُتِيحت لهم مشاركتُهم رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- في غَزواته ونشْر الإسلام - رضي الله عنهم وأرضاهم.
والله وليُّ التوفيق.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|