هن قدوتي (6): أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها
هي هند بنت أبي أمية بن المغيرة أم سلمة، صحابية جليلة من المهاجرات الأول وهي بنت عم خالد بن الوليد وبنت عم أبي جهل بن هشام.
أبوها سهيل بن المغيرة بن مخزوم، سيد قومة وأغناهم عرف بالكرم الشديد والسخاء العظيم، ولقب زاد الراكب "إذا سافر وخرج معه الناس لم يأخذوا زادًا معهم ولم يوقدوا يكفونهم ويغنونهم".
أمها عاتكة بنت عامر، نشأت هند "أم سلمة" في بيت عريق الأصل يجمع المجد من طرفين الجود والشجاعة.
(الجود من أبوها) و(الشجاعة من جدها لأمها)، وكانت منذ صباها ذات شخصية قوية تفرض احترامها، وكانت من أجمل النساء.
زوجها قبل النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله بن عبد الأسد بن مخزوم "أبو سلمة" أمه برة بنت عبدالمطلب "عمة النبي صلى الله عليه وسلم"، وكان أبو سلمة أخًا للنبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة.
وكان أبو سلمة وأم سلمة من السابقين للإسلام وهاجرا إلى الحبشة وهي أول ظعينة دخلت المدينة مهاجرة "الظعينة هي الراحلة أو الهودج الذي فيه المرأة المسافرة".
ذكر مهاجر أم سلمة رضي الله عنها إلى المدينة:
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: لما أجمع أبو سلمة للخروج من المدينة حملني معه وأبني سلمة في حجري ثم خرج بي، فلما رأته رجال بني المغيرة "قومها" قاموا فنزعوا خطام البعير من يده فأخذوني منه، وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد رهط أبي سلمة، فقالوا: والله لا نترك ابننا عندها فأخذوا ابني سلمة، فكنت أخرج كل غداة فأجلس في الأبطح "المكان المتسع يمر به السيل فيترك فيه الرمل والحصى الصغار" فأجلس أبكي حتى أمسي حتى مر بي أحد بني المغيرة فرأى ما في وجهي فقال لبني المغيرة ألا تخرجون هذه المسكينة فرقتم بينها وبين ولدها وزوجها؟ قالت فقالوا لي: الحقي زوجك إن شئت. قالت: فارتحلت بعيري وأخذت ابني في حجري ثم خرجت أريد زوجي في المدينة وما معي أحد من خلق الله. قالت: حتى إذا كنت في التنعيم لقيت عثمان بن أبي طلحة فقال لي: أين يا بنت أبي أمية ؟ فقلت: أريد زوجي في المدينة. قال: وما معك أحد؟ قالت: لا والله إلا الله، وابني هذا. قال: والله مالك من مترك، فأخذ بخطام البعير فانطلق يسرع بي فوالله ما صحبت رجلًا من العرب قط أكرم منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ثم يستأخر عني حتى إذا نزلت استأخر بعيري فحط عنه ثم قيده في الشجرة ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع، فإذا أردنا الرواح قام إلى بعيري فرحّله ثم استأخر عني وقال اركبي فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقاد بي حتى نزل بي فلم يزل يصنع ذلك حتى أقدمني المدينة. قال: زوجك في هذه القرية فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعًا إلى مكة "وكان كافرًا وقتها".
ذكر تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بها:
كان أبو سلمة رضي الله عنه أصيب في أحد بجرح وانتقض عليه فمات منه. فلما مات قالت أم سلمة: ما كانت سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم: « ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، اللهم آجرني في مصيبتي و اخلف لي خيرًا منها، إلا أخلف الله له خيرًا منها ». وكانت تقول في نفسها: من خير من أبي سلمة؟ أليس، أليس؟ ثم قالت ذلك.
فلما انقضت عدتها خطبها أبو بكر وعمر فأبت ثم خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت مرحبًا برسول الله صلى الله عليه وسلم. إن فيّ خلالًا (خصالًا) ثلاثًا: امرأة شديدة الغيرة، وأنا امرأة مُصبية، وليس لي من أوليائي من يزوجني. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما ما ذكرتي من غيرتكِ فإني ادعو الله أن يذهبها عنكِ وأما ما ذكرتي من صبيتك فإن الله سيكفيهم وفي رواية على الله وعلى رسوله، وأما أولياؤك فليس منهم من يكرهني، فقالت لابنها: زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إني لم أنقصك مما أعطيت فلانة (جرتين تضع فيهما حاجتها، ورحى، ووسادة من أدم (جلد حشوه ليف) ثم كلما أقبل النبي صلى الله عليه وسلم إليها يجد ابنتها زينب في حجرها ترضعها فينصرف وكان حييًّا كريمًا عليه الصلاة والسلام، ثم أقبل عمار فانتزعها من حجرها، وقال هاتي هذه المقبوحة التي منعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته. فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرها في حجرها فقال: أين زُناب قالت: أخذها عمار فدخل على أهله.
• قال المطلب دخلت أيم العرب على سيد المرسلين أول العشاء عروسًا، وقامت آخر الليل تطحن، وذكرت أم سلمة: قمت وأخرجت حبات من شعير كانت عندي في جرة وطحنته في الرحى ثم أخرجت شحمًا فعصدته له عليه الصلاة والسلام.
ذكر أن أم سلمة رضي الله عنها من أهل البيت:
ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها فجعل حسن في شق وحسين في شق وفاطمة في حجره رضي الله عنهم وقال: (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد)، وكانت أم سلمة وزينب ابنتها جالستان، فبكت فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ما يبكيك؟ قالت: يا رسول الله خصصتهم وتركتني وابنتي قال: (إنك وابنتك من أهل البيت).
عنها رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله هل لي أجر في بني أبي سلمة أنفق عليهم؟ ولست بتاركتهم هكذا وهكذا إنما هم بني. فقال: (نعم، لك أجر ما أنفقت عليهم)؛ أخرجاه.
وكان لأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها دور وموقف يذكرنا بمناقبها الفذة يوم صلح الحديبية، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صالح أهل مكة وكتب كتاب الصلح بينه وبينهم قال لأصحابه: (قوموا فانحروا ثم احلقوا). فما قام منهم رجل، حتى قالها ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة رضي الله عنها فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت: يا نبي الله أتحب ذلك؟ أخرج ولا تكلم أحدًا حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلق لك، ففعل ذلك فلما رأوا ذلك قاموا ونحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمّا.
ذكر وفاتها رضي الله عنها:
توفيت سنة 59 هـ وقيل 61 هـ وهي بنت 84 سنة، وهي آخر أمهات المؤمنين وفاة.
ولها ثلاث من الولد:
• سلمة: "ليس له رواية" وزوجه النبي صلى الله عليه وسلم من أمامة بنت حمزة بن عبدالمطلب.
• عمر: له رواية؛ حديث: (يا غلام سم الله...).
• زينب: يروى أنها دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل فنضح في وجهها الماء فلم يزل ماء الشباب في وجهها حتى كبرت وعجّزت، وكانت من أفقه نساء أهل زمانها، لقبت بالعالمة الحافظة لها رواية ويروى عنها.
رضي الله عن أم المؤمنين أم سلمة المرأة الكريمة المؤمنة الوفيّة الصادقة.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|