معاني أسماء الله تعالى: الواحد، الأحد، الوتر، الخلاق، الخالق، البارئ، المصور، الصمد،
اسم الله الواحد قد جاء في عدة مواضع؛ قال الله تعالى: ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [إبراهيم: 48]، ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [يوسف: 39].
والأحد جاء في موضع واحد؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1].
وهذان الاسمان العظيمان يدلَّان على كمال ذاته سبحانه، وكمال أسمائه وصفاته، وكمال حياته وقيوميته، وكمال أفعاله، وكمال غِناه عن خلقه.
و"أحد" بمعنى واحد، إلا أن الفرق بينهما أن الأحد شيء بُنِيَ لنفي ما يُذكَر معه من العدد، و"الواحد" اسم لمفتتح العدد، تقول: واحد، اثنان، وهكذا.
و"أحد" يصلح في الكلام في موضع الجحود، و"واحد" في موضع الإثبات.
قال السعدي رحمه الله: "الواحد الأحد: هو المتفرد بصفات المجد والجلال، المتوحد بنعوت العظمة والكبرياء والجمال، فهو واحد في ذاته لا شبيه له، وواحد في صفاته لا مثيل له، وواحد في أفعاله لا شريك له ولا نظير، وواحد في ألوهيته فليس له نِدٌّ في المحبة والتعظيم، والذل والخضوع، وهو الواحد الذي عظُمت صفاته، حتى تفرد بكل كمال، وتعذر على جميع الخلق أن يحيطوا بشيء من صفاته، أو يدركوا شيئًا من نعوته، فضلًا عن أن يماثله أحد في شيء منهما"[1].
ومن أعظم ثمرات الإيمان بهذين الاسمين العظيمين إثبات ما لله تعالى من الكمال المطلق؛ كمال الذات، وكمال الأسماء والصفات، وكمال الأفعال، فيُورِث ذلك عبادته وحده لا شريك له، وإفراده بالحب والخوف والرجاء؛ وأنه كما قال تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].
وأما اسمه "الوِتْرُ"؛ فقد جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: ((لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدة، لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وِتْرٌ يحب الوتر...))، وفي راوية: ((مَن أحصاها دخل الجنة))[2].
وأما معنى اسم الله "الوتر": فهو الواحد الأحد الذي لا انقسام له، ولا مثيل له، ولا شبيه له، ولا نظير له، ولا عديل له؛ لكماله تبارك وتقدس.
قال الخطابي: "ومعنى الوتر في صفة الله جل وعلا: الواحد الذي لا شريك له، ولا نظير له، المتفرد عن خلقه، البائن منهم بصفاته؛ فهو سبحانه وتر، وجميع خلقه شفع، خُلقوا أزواجًا"[3].
وقد ورد الله سبحانه الصمد في موضع واحد؛ قال الله تعالى: ﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ [الإخلاص: 2].
واسم السيد قد جاء في السُّنَّة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((السيدُ اللهُ تبارك وتعالى))[4].
واسمه سبحانه "الصمد" و"السيد" يدلَّان على الكمال المطلق لله تعالى؛ قال ابن تيمية: "فالصمد السيدُ المستوجب لصفات الكمال"[5].
قال أبو جعفر: "الصمد عند العرب هو السيد الذي يُصمَد إليه الذي لا أحد فوقه"[6].
ومن أتمِّ الكلام وأجمله وأحسنه في اسمه سبحانه الصمد ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما: "السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد عظم في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغني الذي قد كمل في غِناه، والجبار الذي قد كمل في جبروته، والعالِم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه هذه صفته، لا تنبغي إلا له"[7].
وهو سبحانه الصمد، الذي لم يلد ولم يُولَد؛ فالخلائق جميعًا محتاجة إلى مغفرته، وهو الغني بذاته سبحانه.
ومن عظيم ثمرات الإيمان بهذين الاسمين العظيمين أن يصمد العبد إلى ربه، وأن يفزَع إليه في حاجاته كلها.
قال الله تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الحشر: 24]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴾ [الحجر: 86]، وقال تعالى: ﴿ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴾ [يس: 81].
والله سبحانه هو الخالق الخلَّاق، الذي أوجد الخلق، وأبدع في خلقهم، وأوجدهم بعد أن كانوا عدمًا.
قال الخطابي رحمه الله: "المبدع للخلق والمخترع له على غير مثال سبق"[8].
قال الله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ [فاطر: 3].
والخلَّاق صيغة مبالغة من اسم الفاعل من "خلق" الثلاثي، ووزنه فعَّال، وأما البارئ فهو الذي بَرَأ الخلق فأوجدهم بقدرته.
والفرق بين الخالق والبارئ: أن الخلق هو التقدير، والبَرْءُ هو التنفيذ والإبراز لِما قدره الله عز وجل؛ قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 11].
وإن اسم الله عز وجل الخالق عامٌّ في جميع ما خلقه الله تعالى من الأعيان والأوصاف وغيرها، على اختلاف أحوالها وأجناسها وتفاوتها.
أما البارئ، فهو متعلق بما فيه حياة، كما يُقال: خلق الله السماء، وبرأ الإنسان.
كما حلف علي رضي الله عنه: "لا والذي فلق الحبة، وبرأ النَّسَمة"[9].
وأما اسم الله تعالى "المصور"؛ فقد ورد مرة واحدة في آية الحشر؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الحشر: 24].
قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 6]، وقال تعالى: ﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [غافر: 64].
فالله عز وجل خلق خَلْقَه على صور مختلفة؛ ليتعارفوا بها، ويتميز بعضهم عن بعض تدل على عظيم خلق الله، وعظيم إبداعه سبحانه.
وأصل التصوير التخطيط والتشكيل.
ومن ثمرات الإيمان بهذه الأسماء العظيمة: اليقين بتفرد الله عز وجل بالخلق والإيجاد، وأن له الحكمة البالغة؛ قال تعالى: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ﴾ [القصص: 68]، وأن لا أحد يضاهي الله عز وجل في خلقه وتصويره؛ ولهذا جاء في الوعيد لمن ضاهى الله عز وجل في خلقه؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة المصورون))[10].
وكذلك خلقه سبحانه وتصويره للخلائق على هذه الصفات والصور دليلٌ من عظيم الأدلة المتكاثرة على ربوبيته، وعلى ألوهيته، وأنه المستحق بأن يُعبَد وحده لا شريك له.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|