مختصر تفسير القرآن تدبر وعمل لسورة البقرة (17-24)
قال الله تعالى: ﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ * أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 17 - 24].
الوقفات التدبرية:
1- ﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [البقرة: 17]، فإن قيل: ما وجه تشبيه المنافقين بصاحب النار التي أضاءت ثم أظلَمتْ؟ فالجواب من ثلاثة أوجه: أحدها: أن منفعتهم في الدنيا بدعوى الإيمان شبيهٌ بالنور، وعذابهم في الآخرة شبيهٌ بالظُّلمة بعده، والثاني: أن استخفاء كفرهم كالنور، وفضيحتهم كالظُّلمة، والثالث: أنَّ ذلك فيمن آمَنَ منهم ثم كفَر، فإيمانُه نور، وكفرُه بعده ظلمةٌ، ويرجح هذا قولُه: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ﴾ [المنافقون: 3]. [ابن جزي].
2- ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾ [البقرة: 18]، قال تعالى [عنهم]: ﴿ صُمٌّ ﴾؛ أي: عن سماع الخير، ﴿ بُكْمٌ ﴾ [أي]: عن النطق به، ﴿ عُمْيٌ ﴾: عن رؤية الحق، ﴿ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾: لأنهم ترَكوا الحقَّ بعد أن عرَفوه، فلا يرجعون إليه، بخلاف من ترك الحقَّ عن جهل وضلال؛ فإنه لا يعقل، وهو أقرب رجوعًا منهم. [السعدي].
3- ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 20]، إنما وصف الله تعالى نفسَه بالقدرة على كل شيء في هذا الموضع؛ لأنه حذَّر المنافقين بأسه وسطوته، وأخبرهم أنه بهم محيط، وعلى إذهاب أسماعهم وأبصارهم قدير. [ابن كثير].
4- ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21]؛ ﴿ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾: يدخل فيه الإيمانُ به سبحانه، وتوحيده، وطاعته؛ فالأمر بالإيمان به لمن كان جاحدًا، والأمر بالتوحيد لمن كان مشركًا، والأمر بالطاعة لمن كان مؤمنًا. [ابن جزي].
5- ﴿ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 22] هذه الآية من المحكم الذي اتفقت عليه الشرائعُ، واجتمعت عليه الكتبُ، وهو عمود الخشوع، وعليه مدار الذلِّ والخضوع. [البقاعي].
6- ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا ﴾ [البقرة: 23، 24]؛ أي: ولن تفعلوا ذلك أبدًا، وهذه أيضًا معجزة أخرى، وهو أنه أخبر خبرًا جازمًا قاطعًا مقدمًا غير خائف ولا مشفق: أن هذا القرآن لا يُعارَضُ بمثله أبدَ الآبدين، ودهرَ الداهرين، وكذلك وقع الأمر لم يُعارَضْ من لدنه إلى زماننا هذا، ولا يمكن، وأنَّى يتأتى ذلك لأحد؟ [ابن كثير].
7- ﴿ وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 24] بدأ سبحانه بالناس؛ لأنهم الذين يدركون الآلام، أو لكونهم أكثر إيقادًا من الجماد؛ لما فيهم من الجلود واللحوم والشحوم، ولأن في ذلك مزيدَ التخويف. [الألوسي].
التوجيهات:
1- ﴿ وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 24]، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾ [البقرة: 21].
2- التأمل في مخلوقات الله سبحانه سببٌ لزيادة اليقين والإيمان في قلب العبد، ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ﴾ [البقرة: 22].
3- من الخلل العقليِّ والشرعي أن يكرمك الكريم، ثم تُشرك معه غيره، ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 22].
العمل بالآيات:
1- اقرأ اليوم مثلًا واحدًا من أمثلة القرآن، واجتهد في فهمه، ﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [البقرة: 17].
2- نور القلب بيد الله سبحانه، فادعُ الله بقولك: "اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا"، ﴿ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [البقرة: 17].
3- تأمل هذه الآية، ثم استخرج منها فائدة وأرسِلها في رسالة، ﴿ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [البقرة: 24].
معاني الكلمات:
﴿ بُكْمٌ ﴾: لَا يَنْطِقُونَ بِالْحَقِّ.
﴿ كَصَيِّبٍ ﴾: كَمَطَرٍ شَدِيدٍ.
﴿ أَنْدَادًا ﴾: نُظَرَاءَ وَأَمْثَالًا.
﴿ رَيْبٍ ﴾: شَكٍّ.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|