حديث: قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها
عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: بلغ عمر أن فلانًا باع خمرًا فقال: قاتل الله فلانًا، ألم يعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجمَّلوها فباعوها".
قوله: (قاتل الله فلانًا)، ولمسلم: أن سمرة باع خمرًا، فقال: قاتل الله سمرة، اختُلف في كيفية بيع سمرة للخمر على ثلاثة أقوال، أحدها: أنه أخذها من أهل الكتاب عن قيمة الجزية، فباعها منهم معتقدًا جواز ذلك، والثاني: قال الخطابي: يجوز أن يكون باع العصير ممن يتخذه خمرًا، والعصير يسمى خمرًا كما قد يسمى العنب به؛ لأنه يؤول إليه، قال: ولا يظن بسمرة أنه باع عين الخمر بعد أن شاع تحريمها، وإنما باع العصير، والثالث: أن يكون خلَّل الخمر وباعها، وكان عمر يعتقد أن ذلك لا يُحلها كما هو قول أكثر العلماء، واعتقد سمرة الجواز كما تأوله غيرُه أنه يحل التخليل، قال القرطبي: والأشبه الأول.
قال الحافظ: ولا يتعيَّن على الوجه الأول أخذُها عن الجزية، بل يحتمل أن تكون حصلت له عن غنيمة أو غيرها، وقد أبدى الإسماعيلي في المدخل فيه احتمالًا آخر وهو أن سمرة علم تحريم الخمر، ولم يعلم تحريم بيعها، ولذلك اقتصر عمر على ذمِّه دون عقوبته، وهذا هو الظن به.
قال: وفي الحديث لعن العاصي المعين، ولكن يحتمل أن يقال: إن قول عمر: قاتل الله سمرة، لم يرد به ظاهره، بل هي كلمة تقولها العرب عند إرادة الزجر، فقالها في حقه تغليظًا عليه، وفيه إقالة ذوي الهيئات زلاتهم؛ لأن عمر اكتفى بتلك الكلمة عن مزيد عقوبة ونحوها، وفيه إبطال الحِيل والوسائل إلى المحرم، وفيه تحريم بيع الخمر، وقد نقل ابن المنذر وغيره في ذلك الإجماع، وشذَّ من قال: يجوز بيعها، قال: وفيه أن الشيء إذا حرُم بيعه حرم ثمنُه، وفيه دليل على أن بيع المسلم الخمر من الذمي لا يجوز، وكذا توكيل المسلم الذمي في بيع الخمر، قال: وفيه استعمال القياس في الأشباه والنظائر؛ انتهى، وقد تقدم الكلام على تحريم بيع الميتة وشحومها في البيوع[1]، وبالله التوفيق.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|