«حلقة الهلاك» تهدد اقتصاد الصين وسط توقعات بزيادة مخاطر الكساد
شير البيانات الاقتصادية الصادرة أخيرا إلى أن الصين تتجه نحو معضلة اقتصادية صعبة، مع تراجع أسعار المستهلك خلال خمسة أشهر من الأشهر السبعة الأخيرة، في حين تراجع معدل التضخم السنوي خلال يناير الماضي إلى سالب 0.8 %.
ويعني هذا تزايد خطر أن يؤدي الكساد وضعف النشاط الاقتصادي إلى أن يفاقم كل منهما الآخر ـ وإيجاد ما يسمى بـ "حلقة الهلاك"، حيث تتراجع الأسعار بسبب ضعف الطلب، في حين يظل الطلب ضعيفا، لأن المستهلكين الصينيين ينتظرون تراجعا جديدا في الأسعار، وهكذا.
وفي تحليل اقتصادي نشره موقع معهد تشاتام هاوس البريطاني "المعروف رسميا باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية"، قال المحلل الاقتصادي ديفيد لوبين: إن كل ذلك يجب أن تكون له تأثيرات في سياسة سعر الصرف الصيني، حيث يمكن أن يؤدي انخفاض سعر اليوان الصيني أمام الدولار إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة بدرجة كافية لاقتلاع جذور سيكولوجيا الكساد لدى المستهلكين في الصين قبل تثبيت جذورها في تربة الاقتصاد الصيني.
والدليل على دور انخفاض قيمة العملة المحلية في التصدي للكساد ما حدث في اليابان، عندما انخفضت قيمة الين الياباني من 100 ين لكل دولار إلى 150 ين لكل دولار خلال السنوات الثلاث الماضية، فارتفع معدل التضخم في اليابان من سالب 1 % إلى نحو 3 % سنويا.
وحتى صندوق النقد الدولي يحاول دفع الصين نحو إضعاف عملتها المحلية. ففي تقريره الصادر في وقت سابق من الشهر الحالي عن الاقتصاد الصيني، قال الصندوق: إن "زيادة مرونة سعر الصرف ستساعد على مواجهة ضغوط الكساد الاقتصادي".
ويقول ديفيد لوبين، الباحث الزميل في برنامج الاقتصاد والمالية العالمي بمركز ميشيل كلاين للأبحاث: إن فرص خفض قيمة اليوان الصيني ضعيفة للغاية.
فالصين تبدو عالقة فيما يمكن تسميته بـ "فخ اليوان": فعملتها ستظل أقوى مما يحتاجه الاقتصاد الصيني وسيحوم خطر حلقة الهلاك فوق الصين في المستقبل القريب.
لذلك يصبح السؤال الأهم، هو كيف يمكن خفض قيمة اليوان الصيني. وقد تراجعت العملة الصينية بالفعل في الماضي القريب. فمنذ عامين كان سعر الدولار 6.3 يوان فقط، لكنه الآن قريب من 7.2 يوان. لكن هذا الانخفاض ليس كافيا لزيادة الأسعار المحلية، لأن التراجع أمام الدولار عوضه ارتفاع اليوان أمام العملات الأخرى. وبموازين التجارة فإن اليوان تراجع، لكن ليس بالقدر المطلوب.
وبحسب ديفيد لوبين، فإن البنك المركزي لديه مبرر قوي لخفض الفائدة، لأن أسعار الفائدة الحقيقية في الصين مرتفعة بصورة تدعو للسخرية بالنسبة لاقتصادٍ الثقة فيه منخفضة للغاية.
لكن هناك ثلاثة أسباب تجعل من الصعب على الصين التحرك نحو خفض قيمة عملتها المحلية.
أول هذه الأسباب هو أن أي انخفاض في قيمة اليوان سيثير ردود فعل عدائية من جانب الشركاء التجاريين الرئيسين للصين. فانخفاض قيمة العملة يعزز القدرة التنافسية للمنتجات الصينية في الأسواق الخارجية على حساب منتجات الدول الأخرى. والفائض التجاري للصين ضخم ووصل في العام الماضي إلى 600 مليار دولار أغلبه على حساب الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي يحمل صناع السياسة هناك كثيرا من الشكوك بشأن نزاهة السياسات التجارية للصين. ولذلك فأي خفض في قيمة اليوان سيجعل المنتجات الصينية أرخص في الولايات المتحدة وأوروبا، ما يهدد بردود انتقامية من جانب واشنطن وبروكسل.
ثاني الأسباب، هو أن الصين لها تجارب سيئة مع العملة الضعيفة، حيث إن انخفاض قيمة اليوان يؤدي إلى تراجع الثقة في الاقتصاد الصيني، وخروج الاستثمارات من الصين بوتيرة متسارعة. واليوم تواجه الصين خروج للأموال بوتيرة مثيرة للقلق بالفعل.
وبحسب البيانات المنشورة في الأسبوع الماضي، زادت قيمة رؤوس الأموال الخارجة من الصين عن الداخلة إليها خلال العام الماضي إلى 150 مليار دولار.
وبالتالي، لا يمكن للسلطات الصينية المغامرة بتبني سياسات نقدية أو سعر صرف يزيد خطر خروج الأموال.
أما السبب الأخير، فهو أن الرئيس الصيني شين جين بينج ضد خفض قيمة العملة المحلية. ففي خطاب له الشهر الماضي، قال شي: إن "العملة القوية" عاملا حيويا لكي تصبح الصين قوة مالية.
وبالطبع، فإن انخفاض قيمة اليوان يهدد طموحات الصين نحو زيادة حصتها من التعاملات المالية والتجارية الدولية. كما أنه سيجعل الشركاء التجاريين لبكين أقل رغبة في قبول المدفوعات باليوان إذا اعتقدوا أنه سيظل يتراجع.