حديث: رد رسول الله على عثمان بن مظعون التبتل
عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا.
قال الحافظ: (المراد بالتبتل هنا الانقطاع عن النكاح، وما يَتبعه من الملاذ إلى العبادة، وأما المأمور به في قوله تعالى: ﴿ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا ﴾ [المزمل: 8]، فقد فسره مجاهد فقال: أخلص له إخلاصًا، وهو تفسير معنى، وإلا فأصل التبتل الانقطاع، والمعنى انقطع إليه انقطاعًا لكن لما كانت حقيقة الانقطاع إلى الله، إنما تقع بإخلاص العبادة له، فسرها بذلك، قال والذي يكره من التبتل هو الذي يفضي إلى التنطع، وتحريم ما أحل الله، وليس التبتل من أصله مكروهًا)[1].
قال ابن كثير رحمه الله: وقوله: ﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا ﴾ [المزمل: 8]؛ أي: أكثر من ذكره وانقطع إليه، وتفرَّغ لعبادته إذا فرغت من أشغالك، وما تحتاج إليه من أمور دنياك، كما قال: ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴾ [الشرح: 7]، أي: إذا فرغت من مهامك فانصب في طاعته وعبادته؛ لتكون فارغ البال[2].
قوله: (رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عثمان بن مظعون التبتل)، ولمسلم: أراد عثمان بن مظعون أن يتبتل، فنهاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الطبري: التبتل الذي أراده عثمان بن مظعون تحريم النساء والطيب، وكل ما يلتذ به، فلهذا أنزل في حقهم ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ [المائدة: 87].
قوله: (ولو أذن له لاختصينا)، كان ذلك قبل النهي عن الاختصاء.
قال الحافظ: (ويؤيده تواردُ استئذان جماعة من الصحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك؛ كأبي هريرة وابن مسعود وغيرهما، وإنما كان التعبير بالخصاء أبلغ من التعبير بالتبتل؛ لأن وجود الآلة يقتضي استمرار وجود الشهوة، ووجود الشهوة ينافي المراد من التبتل، فيتعين الخصاء طريقًا إلى تحصيل المطلوب، وغايته أن فيه ألمًا عظيمًا في العاجل يغتفر في جنب ما يندفع به في الأجل، فهو كقطع الأصبع إذا وقعت في اليد الأكلة صيانة لبقية اليد، وليس الهلاك بالخصاء محققًا، بل هو نادر، ويشهد له كثرة وجوده في البهائم مع بقائها، وعلى هذا فلعل الراوي عبر بالخصاء عن الجب؛ لأنه هو الذي يحصل المقصود، والحكمة في منعهم من الاختصاء إرادة تكثير النسل؛ ليستمر جهاد الكفار، وإلا لو أذن في ذلك لأوشك تواردهم عليه فينقطع النسل، فيقل المسلمون بانقطاعه ويكثر الكفار، فهو خلاف المقصود من البعثة المحمدية، قال: وفيه أيضًا من المفاسد تعذيب النفس والتشويه، مع إدخال الضرر الذي قد يفضي إلى الهلاك، وفيه إبطال معنى الرجولية، وتغيير خلق الله وكفر النعمة؛ لأن خلق الشخص رجلًا من النعم العظيمة، فإذا أزال ذلك فقد تشبه بالمرأة، واختار النقص على الكمال، قال القرطبي: الخصاء في غير بني آدم ممنوع في الحيوان إلا لمنفعة حاصلة في ذلك؛ كتطييب اللحم أو قطع ضرر عنه، قال الحافظ: والنهي عن الخصاء نهي تحريم في بني آدم بلا خلاف[3].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|