12-21-2022, 10:35 AM
|
|
SMS ~
[
+
]
|
|
|
|
تفسير قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ
قال الله تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177].
قال ابن كثير[1]: «فإن الله تعالى لما أمر المؤمنين أولاً بالتوجه إلى بيت المقدس، ثم حولهم إلى الكعبة شق ذلك على نفوس طائفة من أهل الكتاب وبعض المسلمين، فأنزل الله تعالى بيان حكمته في ذلك، وهو أن المراد إنما هو طاعة الله عز وجل، وامتثال أوامره، والتوجه حيثما وجه، واتباع ما شرع لهم، فهذا هو البر والتقوى، والإيمان الكامل، وليس في لزوم التوجه إلى جهة من المشرق إلى المغرب بر ولا طاعة، إن لم يكن عن أمر الله وشرعه، ولهذا قال: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾؛ كما قال في الأضاحي والهدايا: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾[الحج: 37]، وكما قال تعالى: ﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [التوبة: 19]، وكقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»[2].
قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ﴾، قرأ حمزة وحفص عن عاصم بنصب ﴿ البر ﴾ على أنه خبر «ليس» مقدم، والمصدر المؤوّل ﴿ أَنْ تُوَلُّوا ﴾ في محل رفع اسمها مؤخر؛ أي: ليس البرَّ توليتُكم، كما في قول الشاعر:
سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم
فليس سواءً عالمٌ وجهولُ [3]
وقرأ الباقون برفع «البرُّ» على أنه اسم «ليس»، و﴿ أَنْ تُوَلُّوا ﴾: خبرها، أي: ليس البرُّ توليتكم.
و﴿ البر ﴾ كلمة جامعة لكل خصال الخير، الظاهرة والباطنة، وهو الذي تسكن إليه النفس، ويطمئن إليه القلب، كما قال صلى الله عليه وسلم: «البر ما سكنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب»[4]، وهو حسن الخلق، كما قال صلى الله عليه وسلم: «البر حسن الخلق»[5].
وهو ضد الإثم، كما قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2]، وهو ضد الفجور؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾ [الانفطار: 13، 14].
أي: ليس البر وكثرة الخير ﴿ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ﴾ أي: أن توجهوا وجوهكم ﴿ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ﴾، أي: جهة المشرق والمغرب، أي: أن توجهوا في صلاتكم إلى جهة المشرق أو المغرب، والخطاب للمؤمنين ولغيرهم من أهل الكتاب ونحوهم.
واقتصر على ذكر المشرق والمغرب؛ لأنهما أشهر الجهات، أو للإشارة إلى قبلة اليهود وقبلة النصارى، ولإبطال تهويل الفريقين على المسلمين حين استقبلوا الكعبة، ففيه تعريض بأهل الكتاب في لمزهم المسلمين وتلقين المسلمين الحجة عليهم.
﴿ ولكن البر ﴾ قرأ نافع وابن عامر: «البرُّ» بالرفع وتخفيف «لكِن»، وقرأ الباقون: ﴿ ولكن البر ﴾، أي: ولكن البر حقًّا، أو حقيقة البر.
﴿ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ﴾: خبر لمبتدأ ﴿ البر ﴾، ولكن على تقدير مضاف، أي: ولكن البر بر من آمن بالله.
والإيمان في اللغة: التصديق، وإذا عُدي بالباء تضمن مع التصديق الطُمأنينة والثبات والاستقرار.
والإيمان بالله هو الإيمان بوجوده وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.
والإيمان بالله هو أصل أركان الإيمان الستة وأولها وأعظمها، كما قال صلى الله عليه وسلم: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره»[6].
﴿ واليوم الآخر ﴾ هذا وما بعده مجرور عطفًا على لفظ الجلالة (الله)؛ أي: وآمن باليوم الآخر، وهو يوم القيامة وما فيه من البعث والمعاد والحساب والجزاء على الأعمال، وما فيه من المواقف والأهوال والجنة والنار، كما جاء في الكتاب والسنة، وهو أحد أركان الإيمان.
وسُمي يوم القيامة بـ«اليوم الآخر»؛ لأنه ليس بعده يوم، فآخر ليلة من الدنيا صبيحتها يوم القيامة.
وكثيرًا ما يُقرن بين الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر في القرآن والسنة؛ لأن الإيمان باليوم الآخر من أعظم أركان الإيمان؛ لأنه هو الذي يحمل على العمل؛ لأن فيه الحساب والجزاء على الأعمال، وقد رُويَ أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: «لولا الإيمان باليوم الآخر لرأيت من الناس غير ما ترى».
أي: لتنكر الناس بعضهم لبعض, واقتحموا الموبقات.
ويدخل في اليوم الآخر كل ما يكون بعد الموت؛ لأن الإنسان إذا مات قامت قيامته.
﴿ والملائكة ﴾ أي: وآمن وصدق بـ«الملائكة»، والملائكة: جمع «مَلك» وهم عالم غيبي خلقهم الله عز وجل من نور، كما قال صلى الله عليه وسلم: «خلق الله الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما ذكر لكم»[7].
والإيمان بالملائكة على وجه الإجمال واجب، بل ركن من أركان الإيمان، كما يجب الإيمان بما ذكر في الكتاب والسنة من أسمائهم وأوصافهم وأعمالهم، وغير ذلك على وجه التفصيل[8].
﴿ والكتاب ﴾ «أل» في «الكتاب» للجنس، فـ«الكتاب» اسم جنس يشمل جميع كتب الله عز وجل؛ أي: وآمن وصدق بجميع الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء على وجه الإجمال والتفصيل، من أولها إلى خاتمها وأشرفها القرآن الكريم المهيمن عليها كلها.
﴿ والنبيين ﴾، النبيين جمع «نبي»، ويدخل فيهم الرسول؛ لأن كل رسول نبي، ولا عكس، قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴾ [النساء: 163].
أي: وآمن بجميع النبيين والرسل من لدن آدم عليه السلام إلى نبينا محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، كما جاء ذكرهم في الكتاب والسنة على وجه الإجمال والتفصيل.
﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى ﴾ معطوف على ﴿ آمَن ﴾، و«آتى» بمعنى «أعطى» تنصب مفعولين، الأول هنا: «المال»، والثاني: «ذوي القربى»، ويحتمل كون المفعول الثاني «المال»، والمفعول الأول «ذوي القربى».
﴿ وَآتَى الْمَالَ ﴾، أي: وأعطى المال حال كونه محبًّا له، راغبًا فيه؛ لحاجته إليه، أو تعلق نفسه به، لجودته أو نفاسته، أو حسنه وجماله، ونحو ذلك، وهذا أفضل الإنفاق، وأدل على الإخلاص، كما قال تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ [الإنسان: 8، 9]، وقال تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 92].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر»[9].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ﴾ أن تعطيه وأنت صحيح شحيح، تأمُل الغنى، وتخشى الفقر»[10].
﴿ ذوي القربى ﴾ أصحاب القرابة، وقدمهم؛ لأن حقهم آكدُ، فهم أولى من غيرهم بالصدقة والهدية إحسانًا إليهم، وتأليفًا بينهم؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذوي الرحم اثنتان: صدقة وصلة»[11].
وعن زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنها وامرأة أخرى سألتا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما، وعلى أيتام في حجورهما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لهما أجران، أجر القرابة وأجر الصدقة»[12].
ولما نزَل قوله تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 92]، قال أبو طلحة رضي الله عنه: يا رسول الله إن الله أنزل هذه الآية: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾، وإن أحب مالي إليَّ (بيرحاء) وإني أضعها صدقة لله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم: «بخٍ بخٍ ذاك مال رابح، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين»، ففعل ذلك أبو طلحة[13].
والأولى من القرابة بالإحسان والنفقة والصدقة الأقرب فالأقرب، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن الصحبة؟ قال: أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك، ثم أدناك أدناك»[14].
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك»[15].
وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول»[16].
﴿ واليتامى ﴾؛ أي: وآتى المال اليتامى، و«اليتامى»: جمع يتيم، ويتيمة؛ مأخوذ من اليتم وهو الانفراد، وهو من مات أبوه قبل بلوغه ذكرًا كان أو أنثى، فإذا بلغ زال عنه اليتم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يتم بعد احتلام»[17].
﴿ المساكين ﴾ جمع «مسكين» وهو الفقير الذي لا يجد شيئًا أو لا يجد كفايته في قوته ومسكنه وملبسه، ونحو ذلك، سُمي بذلك أخذًا من السكون واللصوق في الأرض وعدم الحركة؛ لأن الفقر أسكنه وأذله، كما قال تعالى: ﴿ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ﴾ [البلد: 16].
قال صلى الله عليه وسلم: «ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه»[18].
وقال صلى الله عليه وسلم: «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وكالقائم الذي لا يفتر، وكالصائم الذي لا يفطر»[19].
﴿ وابن السبيل ﴾ «السبيل»: الطريق، و﴿ وابنالسبيل ﴾ المسافر، وسمي المسافر بابن السبيل لملازمته الطريق، كما يقال لطير الماء: «ابن الماء» لملازمته إياه.
فابن السبيل وهو المسافر المجتاز من بلد إلى بلد المنقطع في سفره، الذي نفذت نفقته، يُعطى ما يحتاجه من المال في سفره، وما يوصله إلى بلده، ولو كان غنيًا في بلده.
إن الغريب له حق لغربته
على المقيمين في الأوطان والسكن
لا تنهرن غريبًا حال غربته
الدهر ينهره بالذل والمحن [20]
وهؤلاء الأصناف الأربعة من أهم ما ينبغي الإحسان إليهم، كما قال تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 215].
﴿ والسائلين ﴾: جمع سائل، وهو المستجدي الذي يتعرض لسؤال الناس من المال بلسان المقال، وقد يكون بلسان الحال والتعريض دون التصريح، كأن يظهر ذلك على هيئته وملبسه ونحو ذلك، كما قيل:
حال المقل ناطق
عما خفى من عيبه
فإن رأيت عاريًا
فلا تسأل عن ثوبه [21]
﴿ وفي الرقاب ﴾، أي: وفي إعتاق الرقاب من الرق، والإعانة على ذلك وعون المكاتبين لوفاء ما كوتبوا عليه، وفداء الرقاب من الأسر والقتل.
ورتَّب من يعطون المال على هذا النحو، فبدأ بذي القربى؛ لأنهم أولى بالمعروف، ثم اليتامى لشدة حاجتهم، ثم المساكين الذين لا مال لهم حاضرًا ولا غائبًا، ثم ابن السبيل الذي قد يكون له مال غائب، ثم السائلين الذين منهم صادق وكاذب، ثم في الرقاب الذين لهم أرباب يعولونهم، فكل صنف أشد مما بعده.
﴿ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ ﴾، معطوف على ﴿ آمن ﴾؛ أي: ومن ﴿ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ ﴾؛ أي: ﴿ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ ﴾ فرضها ونفلها إقامة تامة بشروطها وأركانها، وواجباتها وسننها.
﴿ وَآتَى الزَّكَاةَ ﴾؛ أي: وأعطى الزكاة المفروضة لمستحقيها[22].
﴿ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ﴾ معطوف على «من» الموصولة في قوله: ﴿ من آمَن ﴾.
و«إذا»: ظرف للزمن المستقبل مجرد من الشرط، وفي قوله: ﴿ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ ﴾ دلالة على استمرارهم على الوفاء بعدهم، أي: الموفون بعهدهم وقت العهد، أي: في الحال التي يعاهدون فيها، فإذا عاهدوا وفوا، كما قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ ﴾ [الرعد: 20].
و«العهد» يشمل العهد فيما بينهم وبين الله عز وجل، والعهد بينهم وبين الخلق من المسلمين وغيرهم.
﴿ وَالصَّابِرِينَفِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ «الصابرين»: منصوب على المدح بفعل مقدر، أي: وأخص الصابرين.
﴿ وَالصَّابِرِينَ﴾ معطوف من حيث المعنى على قوله: ﴿ من آمَن ﴾، ولكن لما تكررت الصفات خولِف بين وجوه الإعراب، وهو أبلغ؛ لأن الكلام يصير على جمل متعددة، بخلاف اتفاق الإعراب، فإنه يكون جملة واحدة.
وتغير أسلوب الكلام وسياقه أدعى للانتباه، بخلاف ما إذا كان الكلام على نسق واحد ووتيرة واحدة.
ومثل هذا قوله تعالى: ﴿ والمقيمين الصلاة ﴾ في الآية: ﴿ لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 162]، فقوله: ﴿ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ﴾ منصوب على الاختصاص، أي: وأخص «المقيمين الصلاة».
ومثل هذا قول الشاعرة:
لا يبعدن قومي محمد الذين همو
سُم العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك
والطيبون معاقد الأزر [23]
بنصب «النازلين» على الاختصاص.
﴿ فِي الْبَأْسَاءِ ﴾؛ أي: في حال البأساء، وهي البؤس وشدة الفقر، فلا يحملهم ذلك على التسخط والجزع، أو البحث عن المال بطريق الحرام من السرقة والغصب ونحو ذلك.
﴿ والضراء ﴾؛ أي: والصابرين في حال الضراء، وفي حال المرض والسقم والضر، كما قال أيوب عليه السلام: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 83]، فلا يحملهم الضر والمرض على الجزع والتسخط من قضاء الله وقدره.
﴿ وحين البأس ﴾؛ أي: والصابرين حين البأس، أي: وقت القتال لأعداء الله على ما سيصيبهم من القتل والجراح، ومن هذا الصبر على الأذى في سبيل الله مما لا يستطيع الإنسان دفعه، كما في الحديث: «صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة»[24].
وترقى في ذكر هذه الأحوال من الشديد إلى الأشد، فالصبر على المرض فوق الصبر على الفقر، والصبر على القتال فوق الصبر على المرض.
وعدي الصبر على البأساء والضراء بـ«في» لكثرة وطول الابتلاء بهذين الأمرين، وأتى بـ﴿ وحين ﴾ مع «البأس»؛ لأن البأس وهو القتال حالة لا تكاد تطول غالبًا.
وخص بالثناء في الآية الصابرين في هذه الأحوال الثلاث؛ لشدة حاجتهم إلى الصبر فيها؛ لعظم ما فيها من الآلام القلبية والمعنوية، والآلام البدنية والحسية، ولأن الصبر في هذه الأحوال ينتظم أنواع الصبر كلها، الصبر على أقدار الله، وعلى طاعة الله، وعن معصية الله تعالى.
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾، الإشارة في الموضعين تعود إلى المتصفين بالبر والأعمال والصفات المذكورة في الآية، وأشار إليهم بإشارة البعيد «أولئك»، وأكد الجملة بكونها اسمية معرفة الطرفين تنبيهًا على عظم شأنهم ورفعة منزلتهم، وعلو مرتبتهم؛ أي: أولئك المتصفون بهذه الصفات المذكورة الذين صدقوا في اتصافهم بالبر والإيمان باطنًا بالإخلاص بقلوبهم، وظاهرًا بالمتابعة بأقوالهم وأفعالهم، وصدقوا بالوفاء بالعهد مع الله عز وجل، ومع الخلق، مصداق هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا»[25].
وهذه شهادة من الله عز وجل- خير الشاهدين- بصدقهم، فأنعم وأكرم بها من شهادة، فهي أعلى وأعظم شهادة؛ لأنها شهادة العلي العظيم- سبحانه وتعالى.
﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾، الإشارة مرة ثانية تأكيدًا لمدحهم والثناء عليهم، وأكد وصفهم بالتقوى بكون الجملة اسمية معرفة الطرفين، وبضمير الفصل «هم»، أي: وأولئك الذين اتقوا الله تعالى حقًا باجتناب ما ينافي البر.
فجمعوا بين كونهم أهل الصدق، بفعل المأمورات، وأهل التقوى بترك المحظورات المنافية للبر، وبهذا جمعوا بين البر والتقوى، كما قال عز وجل: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 2].
وفي وصفهم بالمتقين دلالة على أن القيام بالبر من التقوى، وأن التقوى من البر، وأن بينهما تداخلًا، وإذا انفرد أحدهما دل على معنى الآخر، وإذا اجتمعا فُسر «البر» بمعنى فعل المأمورات، وفسرت «التقوى» بترك المحظورات.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
12-21-2022, 10:41 AM
|
#2
|
جزاك الله خير الجزاء
دمت برضى الله وحفظه ورعايته
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
12-21-2022, 08:43 PM
|
#3
|
\
جزاك الله خيرا
يعطيك العافيه يارب
اناار الله قلبكك بالايمــــــــان
وجعل ماقدمت في ميزان حسناتكـ
لكـ شكري وتقديري
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
12-28-2022, 08:28 AM
|
#4
|
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-04-2023, 08:09 AM
|
#5
|
جزاكِ الله خيرًا
وجعله في ميزان حسناتكِ
ونفع بك
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
أدوات الموضوع |
|
انواع عرض الموضوع |
العرض العادي
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 01:01 AM
| | | | |