لا تشتره ولا تعد في صدقتك
عن عمر رضي الله عنه قال: حملت على فرس في سبيل الله، فأضاعه الذي كان عنده، وأردت أن أشتريه، وظننت أنه يبيعه برخص، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تشتره ولا تعد في صدقتك، وإن أعطاكه بدرهم، فإن العائد في هبته كالعائد في قيئه".
وفي لفظ: "فإن الذي يعود في صدقته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه".
الهبة والصدقة والهدية والعطية معانيها متقاربة، وكلها تمليك في الحياة بغير عوض، واسم العطية شامل لجميعها.
قوله: (حملت على فرس)، زاد القعطبي في الموطأ عتيق، والعتيق الكريم الفائق من كل شيء، وهذا الفرس يقال له: الورد.
قوله: (في سبيل الله).
قال الحافظ: (ظاهره أنه حمله عليه حمل تمليك ليجاهد به؛ إذ لو كان حمل تحبيس لم يجز بيعه، قوله: فأضاعه الذي كان عنده؛ أي: لم يحسن القيام عليه، وقصَّر في مؤونته وخدمته، ولمسلم: فوجده قد أضاعه وكان قليل المال).
قوله: (لا تشتره).
قال الحافظ: سمي الثراء عودًا في الصدقة؛ لأن العادة جرت بالمسامحة من البائع في مثل ذلك للمشتري، فأطلق على القدر الذي يسامح به رجوعًا، وأشار إلى الرخص بقوله: وإن أعطاكه بدرهم، ويستفاد من قوله: وإن أعطاكه بدرهم أن البائع كان قد ملكه)[1].
قوله: (العائد في هبته كالعائد في قيئه)، قال قتادة: ولا أعلم القيء إلا حرامًا.
قال الحافظ: (أي لا ينبغي لنا معشر المؤمنين أن نتصف بصفة ذميمة يجابهنا فيها أخس الحيوانات في أخس أحوالها؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ﴾ [النحل: 60]، ولعل هذا أبلغ في الزجر عن ذلك، وأدل على التحريم مما لو قال مثلًا: لا تعودوا في الهبة، وإلى القول بتحريم الرجوع في الهبة بعد أن تقبض ذهب جمهور العلماء إلا هبة الوالد لولده جمعًا بين هذا الحديث وحديث النعمان.
قوله: (فإن الذي يعود في صدقته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه)، وعند مسلم من حديث ابن عباس: كمثل الذي يرجع في صدقته كمثل الكلب يقيء، ثم يرجع في قيئه فيأكله".
قال الحافظ: حمل الجمهور هذا النهي في صورة الشراء على التنزيه، وحمله قوم على التحريم؛ قال القرطبي وغيره: وهو الظاهر، ثم الزجر المذكور مخصوص بالصورة المذكورة، وما أشبهها لا ما إذا رده إليه الميراث مثلًا؛ قال الطبري يخص من عموم هذا الحديث من وهب بشرط الثواب ومن كان والدًا والموهوب ولده، والهبة التي لم تقبض، والتي ردها الميراث إلى الواهب لثبوت الأخبار باستثناء كل ذلك، وأما ما عدا ذلك كالغني يثيب الفقير ونحو من يصل رحمه، فلا رجوع لهؤلاء؛ قال: ومما لا رجوع فيه مطلقًا الصدقة يراد بها ثواب الآخرة)[2].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|