الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (3)
ذكر بعض الفتوحات في عهد الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه وبعد أن تولى أمير المؤمنين عمر الخلافة أراد أن يتابع الفتوحات الإسلامية بالعراق والشام، والتي مبدؤها من عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة مؤتة وغيرها من الغزوات، وآخرها في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينما وجه أسامة بن زيد، ثم تابع ذلك خليفته الصديق، حيث فتح في عهده أقاليمَ كثيرة من بلاد العراق والشام؛ غير أنه بقي مدن كثيرة لم تخضع تحت ولاية الإسلام في العراق والشام من الفرس والروم، فأراد الفاروق - رضي الله عنه- أن يقتلع جذور هذه الدولتين؛ فتم بحمد الله اكتساح ممالكهما، ودخلت تحت ولاية الإسلام والمسلمين في عهد عمر - رضي الله عنه -بعد أن أبلى المسلمون بلاءً حسنًا.
ذكر شيء من قصص بعض الفتوحات في عهد عمر رضي الله عنه:
قال ابن كثير: "لما فتح سعد بن أبي وقاص نهرشير واستقر بها ومعه الجيوش الإسلامية المجاهدة في سبيل الله، تناول سعد خبراً بأن كسرى يزدجرد عازم على أخذ الأموال وجميع الأمتعة من المدائن ونقلها إلى حلوان لما رأى المسلمين ألحفوا به؛ فرأى سعد أن يتدارك فتح المدائن قبل أن يتم ما أراده يزدجرد، فقام سعد رضي الله عنه في الجيش خطيبًا قائلًا:
إن عدوكم اعتصم منكم بهذا البحر، فلن نخلص إليهم إلا معه، وحيث تعذرت علينا السفن وليس وراءكم شيء تخافون أن تؤتوا منه، وقد رأيت أن تبادروا جهاد عدوكم بنياتكم، وإني قد عزمت إن شاء الله على قطع هذا البحر إليهم.
فقال المسلمون جميعهم: عزم الله لنا ولك على الرشد؛ فافعل. فعند ذلك ندب سعد الناس إلى العبور وقطع البحر على مراكبهم البرية على ظهور الخيل، وقد قال لهم عند البحر: نستعين بالله ونتوكل عليه، حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ثم اقتحم سعد بفرسه دجلة، واقتحم الناس معه، ولم يتخلف عنه أحد، فساروا على ظاهر البحر كأنهم يسيرون على ظاهر الأرض، واثقين بربهم وبنصره لهم تبارك وتعالى، كيف لا؟ والأمير سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، ومستجاب الدعوة، وهم في سبيل الله وفي جهاد عدوهم؟! فرضي الله عنهم، فخرجوا من البحر إلى الضفة المقابلة لهم سالمين، لم يفقدوا شيئًا؛ لا من أنفس ولا من أمتعة، فجعلت الخيول تنفض أعرافها صاهلة، وكان الذي يساير سعد سلمان الفارسي وهم في البحر؛ فجعل سعد يقول: والله، لينصرن الله وليه، وليظهرن الله دينه، وليهزمن الله عدوه؛ إن لم يكن في الجيش بغي أو فسق أو فساد.
فدخلوا المدائن، فحصل النصر والفتح والغنائم الوافرة، ونزل سعد القصر الأبيض وهو يتلو هذه الآية الكريمة: ﴿ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ﴾ [الدخان: 25 - 27].
ذكر بعض من المدن والأقاليم التي فتحت في عهد عمر رضي الله عنه:
منها دمشق، فتحت صلحًا، أو البعض صلحًا، والجانب الآخر عنوة كما قيل.
ومن بلاد الروم: طبرية، وقيسارية، وفلسطين، وعسقلان، وبيت المقدس فتحه عمر بنفسه صلحاً، وبعلبك، وحمص، وحلب، وقنسرين، وأنطاكية، وجلولاء، والرقة، وحران.
ومن بلاد العراق: الموصل، والجزيرة، ونصيبين، وآمد، والرها، والقادسية، والمدائن، حتى ذل ملك الفرس بالكلية وانهزم يزدجرد.
وفتحت كور الأهواز، والجابية، ونهاوند، وأذربيجان، وبعض أقاليم خراسان.
وفُتحت مصر على يد عمرو بن العاص، وفتح عمرو بن العاص أيضاً الإسكندرية، وطرابلس الغرب وما يليها من الساحل، وعد مما فتح رأس العين، والخابور، وبيسان، واليرموك.
ومصرت البصرة والكوفة؛ فصارتا معقلاً لجيوش المسلمين.
والخلاصة أنه قيل: إن عدد ما فُتح في عهد الخليفة عمر - رضي الله عنه - من المدن والمناطق والأقاليم والقرى الصغار والكبار ما يزيد على ألفين، وهدم من الكنائس والبيع عدد كثير، وبني من المساجد ما يزيد على ألفي مسجد.
وربما يقول قائل: ما هي الأسباب التي أدت لهذا النصر المؤزر المطرد؟
فالإجابة واضحة جلية، نتناولها من النصائح والتوجيهات والإرشادات الصادرة من القائد الأعظم والرجل الملهم، أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه.
مقالة هرقل لقواد جيوشه:
يروى أن هرقل عظيم الروم قال لما جمع قواد جيوشه:
"ويحكم! أخبروني عن هؤلاء القوم الذين يقاتلوكم، أليسوا بشرًا مثلكم؟
قالوا: بلى.
قال: فأنتم أكثر أم هم؟ قالوا: بل نحن أكثر منهم أضعافاً في كل موطن من مواطن الحرب.
قال: فما بالكم تنهزمون؟
فقام شيخ من عظمائهم، فقال: من أجل أنهم يقومون الليل، ويصومون النهار، ويوفون بالعهد، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويتناصحون ويتناصفون فيما بينهم، ومن أجل أننا نشرب الخمر، ونزني، ونرتكب الحرام، وننقض العهد، ونظلم، ونأمر بالسخط...(إلى آخر مقالته).
قال هرقل: أنت صدقتني".
ذكر مقتل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه:
كان عمر رضي الله تعالى عنه ملازمًا للحج في سني خلافته، وكان يصدر أمره على عماله عندما يريد الحج ليلتقي بهم في موسم الحج من قريب.
يروي لنا سعيد بن المسيب رحمه الله قال: "لما صدر عمر من منى أناخ راحلته بالأبطح، ثم كوم كومة من البطحاء، ثم طرح عليها رداءه واستلقى، ثم رفع يده إلى السماء، ثم دعا، فقال: اللهم! كبُر سني، وضعُفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مُضيع ولا مفرط، ثم قدم المدينة فخطب".
ذكر أهل السير: "إنه خرج ذات يوم يطوف بالسوق، فعرض له أبو لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة بن شعبة، فقال يا أمير المؤمنين! كلم المغيرة يخفف من خراجي. فسأله عمر رضي الله عنه عن عمله، فأخبره أنه نجار، حداد، نقاش. فقال عمر: ما أرى خراجك الذي ضُرب عليك بكثير - وكان مئة درهم كل شهر - فانصرف عن أمير المؤمنين وهو عليه حاقد، وقال لأمير المؤمنين كلمة جرحت شعور عمر، حتى قال رضي الله عنه: لقد توعدني العلج آنفًا. فلما تمت مدة الأجل؛ نفذ العلج حقده في أمير المؤمنين وهو قائم يصلي صلاة الفجر بالمسلمين، فطعنه وقد أصاب العلج ثلاثة عشر رجلاً، مات منهم سبعة، فلما علم أنه غير منفلت، نحر نفسه.
أما أمير المؤمنين، فقد حُمل إلى بيته وهو تارة يُغمى عليه وتارة يفيق، ثم قال: يا ابن عباس! انظر من قتلني. فجال ابن عباس في الناس، ثم رجع، فقال: يا أمير المؤمنين! هو غلام المغيرة بن شعبة. قال: الصنع! ثم قال: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي عند رجل مسلم. ثم قال لما أفاق: يا عبد الله بن عمر! انظر ما علي من الدين. فوجد ما عليه من الدين ستة وثمانين ألفًا، فأوصى ابنه عبد الله بسدادها من مال آل عمر، ثم أرسل إلى أم المؤمنين عائشة يستأذن عليها؛ أتسمح أن يدفن بجوار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحبيبه أبي بكر؟ فأذنت له بذلك رضي الله عنها، غير أنها قالت: كنت أريده لنفسي، وأنا أوثره اليوم على نفسي، ثم قضى رضي الله عنه لأربع ليالٍ بقين من ذي الحجة سنة ثلاثة وعشرين من الهجرة، وكانت خلافة عشر سنين وستة أشهر وأيامًا، وسنه فيما قيل ثلاث وستين سنة".
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|