البشارات المحمدية .. وتلألأ من جبال فاران
جاء في سفر التثنية الإصحاح (33) العدد (2):
"جاء الربُّ من سيناء وأشرَقَ لهم مِن سعيرٍ، وتلألأ من جبال فاران، وأتى مِن ربوات القدس، وعن يَمينه نار شريعة لهم".
في هذا النص جاءت الإشارة إلى الأماكن الأساسية للرسالات الثلاث: اليهودية، والنصرانية، والإسلام.
فقد ذكر النص "سيناء" في إشارة إلى رسالة سيدنا موسى - عليه السلام.
أما "سعير"، فهو جبل في فلسطين، ويقع هذا الجبل ضمن مجموعة جبال الخليل، ومن المعلوم أن فلسطين هي مهدُ رسالةِ المسيحِ، وبالتالي فهذه إشارة إلى رسالة المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام.
وأما "جبال فاران"، فهي في مكة، وعلى ذلك تكون هذه إشارة إلى رسالة نبيِّ الرحمة محمَّد - صلى الله عليه وسلم.
جاء في مُعجم البلدان: "فاران: بعد الألف راء وآخِرُهُ نون، كلمة عبرانية مُعربة، وهي من أسماء مكة، ذكرها في التوراة، قيل: هو اسم لجِبال مكة.
قال ابن ماكولا: أبو بكر نصر بن القاسم بن قضاعة القضاعي الفاراني الإسكِندراني: سمعتُ أن ذلكَ نسبته إلى جبالِ فاران، وهي جبالُ الحِجاز.
وفي التوراة: "جاء الله مِن سيناء، وأشرق من ساعير، واستعلنَ من فاران".
مجيئه من سيناء تكليمه لموسى - عليه السلام - وإشراقه من ساعير، وهي جبال فلسطين، هو إنزاله الإنجيل على عيسى - عليه السلام.
واستعلانه من جبال فاران: إنزاله القرآن على محمد - صلى الله عليه وسلم - قالوا: وفاران جبال مكة"[1].
وجاء في كتاب النِّسبة إلى المواضِع والبلدان للحميري: "الفاراني: بعد الفاء ألف ثم راء مُهمَلة ثم ألف ثم نون، نسبة إلى فاران: جبل أو جبال بطريق الحجاز الشريف"[2].
وقد جاء في كتاب اليهود والنصارى أن سيدنا إسماعيل - عليه السلام - جدَّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قد سكَن في برية فاران، ونجد ذلك صريحًا في سفر التكوين، الإصحاح (21)، الأعداد (17 - 22):
"ونادى ملاك الله هاجَر مِن السماء وقال لها: ما لك يا هاجَر؟ لا تَخافي؛ لأنَّ اللهَ قد سمعَ لصوت الغلام حيث هو، قومي احمِلي الغلام وشدِّي يدك به؛ لأنِّي سأجعلُه أمةً عظيمةً، وفتح الله عينَيها فأبصرَت بئر ماء، فذهبتْ وملأت القِربة ماءً، وسقت الغُلام، وكان الله مع الغُلام، فكبر وسكَن في البرية، وكان يَنمو رامي قوس، وسكَن في برية فاران، وأخذَت له أمُّه زوجة من أرض مصر".
ومِن المعلوم تاريخيًّا أن هاجَر وإسماعيل - عليه السلام - قد سكنا في مكة، وقد جاءت قصَّتُهما في "صحيح البخاري" عن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - حيث قال:
((أول ما اتَّخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل اتخذَت منطقًا لتُعفي أثرَها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنِها إسماعيل وهي تُرضِعه حتى وضعَهما عند البيت عند دَوحةٍ فوقَ زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذٍ أحدٌ وليس بها ماء، فوضَعهما هنالك ووضَع عندهما جرابًا فيه تمر، وسِقاءً فيه ماءٌ.
ثم قفى إبراهيم مُنطلقًا، فتَبِعتْه أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيمُ، أين تذهب وتَترُكنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنسٌ ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارًا، وجعَل لا يَلتفِتُ إليها، فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذًا لا يُضيِّعُنا.
ثم رجعَت فانطلقَ إبراهيمُ حتى إذا كان عند الثنيَّة؛ حيث لا يَرونه، استقبَل بوجهِه البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم: 37].
وجعلت أمُّ إسماعيل تُرضِع إسماعيل وتَشربُ مِن ذلك الماء، حتى إذا نفدَ ما في السِّقاء، عطشَت وعطشَ ابنُها، وجعلت تَنظُر إليه يَتلوَّى، فانطلقَت؛ كراهية أن تَنظُر إليه، فوجدَت الصفا أقرب جبل في الأرض يَليها، فقامت عليه ثم استقبَلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا، فلم ترَ أحدًا، فهبَطت مِن الصفا حتى إذا بلغَتِ الوادي رفعَت طرف دِرعِها، ثم سعَت سعيَ الإنسان المجهود حتى جاوَزتِ الوادي، ثم أتَت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدًا، فلم ترَ أحدًا، ففعلَتْ ذلك سبع مرات)).
قال ابنُ عبَّاس: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فذلك سعي الناس بينهما)).
((فلما أشرفَت على المروة سَمِعت صوتًا فقالت: صه، تريد نفسها[3]، ثم تسمَّعت فسمعتْ أيضًا فقالتْ: قد أسمعتَ إن كان عندكَ غَوَاثٌ[4]، فإذا هي بالمَلَكِ عند موضِع زمزم فبحَث بجناحِه حتى ظهَر الماء، فجعلَتْ تحوضه وتقول بيدِها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يَفورُ بعد ما تَغرِف)).
قال ابنُ عبَّاس: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يرحَم اللهُ أمَّ إسماعيل، لو تركَت زمزم، لكانت زمزم عينًا معينًا)).
قال: ((فشربَت وأرضعَت ولدَها فقال لها المَلَك: لا تَخافوا الضَّيعةَ؛ فإنَّ ها هنا بيت الله - أي: الكعبة - يبني هذا الغلام وأبوه، وإنَّ الله لا يُضِيعُ أهلَه))[5].
فهذه البشارة إذًا قد حدَّدت مهد الرسالة المنتظرة في منطقة جِبال فاران، التي ثبَت أنها في مكة محلِّ ولادةِ النبي - صلى الله عليه وسلم - ومهد رسالة الإسلام، فهي بحمدِ الله - تعالى - بشارة واضِحة برسالة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|