حديث: قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك
عن أبي عَمْرو، وَقِيلَ: أبي عَمْرَةَ، سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِاللهِ الثّقَفيِّ رضي الله عنه قَال: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله، قُلْ لي في الإِسْلاَمِ قَوْلًا لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غَيْرَكَ، قَال: "قُلْ: آمَنْتُ باللهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ"؛ رواه مسلم.
ترجمة الراوي:
أبو عمرو سفيان بن عبدالله بن أبي ربيعة بن الحارث بن مالك بن حطيط بن جشم الثقفي رضي الله عنه، نسبة لثقيف، ويُقال له الطائفي؛ لأنه معدود من أهل الطائف، استعمله عمر رضي الله عنه على صدقات الطائف، ومروياته (5) أحاديث.
أهمية الحديث:
هذا الحديث موقعه عظيم وهو من بديع جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، فإنه جمع لهذا السائل في هاتين الخصلتين جميعَ معاني الإسلام والإيمان والطاعة.
مفردات الحديث:
• في الإسلام: أي في عقيدته وشريعته.
• قولًا: جامعًا لمعاني الدين، واضحًا لا يحتاج إلى تفسير.
• قل آمنت بالله: جدد إيمانك بالله متذكرًا بقلبك ذاكرًا بلسانك لتستحضرَ جميع تفاصيل أركان الإيمان.
• ثم استقم: أي داومْ واثبت على عمل الطاعات، والانتهاء عن جميع المخالفات.
ما يستفاد من الحديث:
1- يرشد الحديث إلى الأمر بالاستقامة على التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده.
2- حرص الصحابة على تعلُّم دينهم والمحافظة على أيمانهم.
3- الإيمان بالله تعالى يسبق الطاعات.
4- الأعمال الصالحة تحافظ على الإيمان.
5- لا بدَّ من الإيمان والعمل الصالح.
6- لا يلزم من الاستقامة عدم الوقوع بشيء من المعاصي، فقد قال تعالى: ﴿ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ﴾ [فصلت: 6].
قال ابن رجب رحمه الله: وفي قوله عز وجل: ﴿ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ﴾: إشارة إلى أنه لا بد من تقصير في الاستقامة المأمور بها، فيجبر ذلك الاستغفار المقتضي للتوبـــة والرجوع إلى الاستقامة، فهو كقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: (اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تَمحها)، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس لن يطيقوا الاستقامة حقَّ الاستقامة، كما خرجه الإمام أحمد وابن ماجه من حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (استقيموا ولن تُحصوا، واعلموا أنَّ خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)، وفي رواية للإمام أحمد: (سدِّدوا وقاربوا، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سددوا وقاربـوا).
فالسداد: هو حقيقة الاستقامة، وهو الإصابة في جميع الأقوال والأعمال والمقاصـد.
والمقاربة: أن يصيب ما قَرُبَ من الغرض إذا لم يُصبِ الغرض نفسه، ولكن بشرط أن يكون مصممًا على قصد السداد وإصابة الغرض، فتكون مقاربته عن غير عمد.
7- أن من استقام في هذه الدار على الهداية، وفَّقه الله تعالى للهداية يوم القيامة؛ قال ابن القيم رحمه الله: فمن هُدي في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم الذي أرسَل به رسله، وأنزل به كتبه، هُدي هناك إلى الصراط المستقيم، الموصل إلى جنته ودار ثوابه، وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار، يكون ثبوت قَدَمــه على الصراط المنصوب على متن جهنم، وعلى قدر سيره على هذه الصراط يكون سيره على ذاك الصراط.
8- وجوب المداومة على العمل الصالح، وأن ذلك من أسباب الاستقامــة، وأفضل العمل ما داوم عليه صاحبه؛ قال صلى الله عليه وسلم: (أحبُّ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قل)، وهذا كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملًا أثبتــه، قالت عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملًا أثبتــه)؛ رواه مسلم.
قال النووي: وإنما كان القليل الدائم خيرًا من الكثير المنقطع؛ لأن بدوام القليل تدوم الطاعة والذكر والمراقبــة والنية والإخلاص، والإقبال على الخالق سبحانه وتعالى، ويثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرة.
وللمداومــة على العمل الصالــح آثار:
أولًا: دوام اتصال القلب بخالقــه؛ مما يعطيه قوة وثباتًا واستقامــة.
ثانيًا: تعهد النفس عن الغفلة وترويضها على لزوم الخيرات؛ حتى تسهل عليها.
ثالثًا: أن المداومة على العمل الصالح سبب للنجاة من الشدائد، قال صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد، فليكثر الدعاء في الرخاء)؛ رواه الترمذي.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|