عاقبة القتل
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فقد قال تعالى: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27].
عن عبدالله بن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من نفسٍ تُقتَل ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفلٌ منها؛ ذلك بأنَّه أول من سنَّ القتْلَ))[1].
لا يشك عاقل أن القتل من أعظم الجرائم بعد الشرك بالله رب العالمين؛ ولهذا قرنَه سبحانه بالشرك في قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ﴾ [الفرقان: 68، 69].
وقال تعالى: ﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 32].
وقال سبحانه: ﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾ [التكوير: 8، 9].
وقد أرصد الله تعالى للقاتل خمس عقوبات جزاءَ جُرْمه، ذكرها سبحانه في قوله: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93].
ولقد حذَّرنا النبي صلى الله عليه وسلم مغبة القتل، وسوء عاقبته في أحاديث كثيرة؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات))، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات))[2].
وعن عبدالرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قعدَ على بعيره، وأمسك إنسانٌ بخطامه - أو بزمامه - قال: ((أيُّ يومٍ هذا؟))، فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه، قال: ((أليس يوم النحر؟))، قلنا: بلى، قال: ((فأيُّ شهرٍ هذا؟))، فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: ((أليس بذي الحجة؟))، قلنا: بلى، قال: ((فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرامٌ، كحرمة يومكم هذا، في شهرِكم هذا، في بلدِكم هذا، ليُبلِّغ الشاهدُ الغائبَ؛ فإن الشاهد عسى أن يُبلِّغ مَن هو أوعى له منه))[3]، وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال المؤمن في فُسحةٍ من دِينه، ما لم يُصب دمًا حرامًا))[4].
قال ابن العربي: الفُسحة في الدِّين: سَعة الأعمال الصالحة، حتى إذا جاء القتل ضاقت؛ لأنها لا تفي بوِزره، والفسحة في الذنب: قَبوله الغفران بالتوبة، حتى إذا جاء القتل ارتفع القبول.
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسَه فيها: سفكَ الدم الحرام بغير حِلِّه؛ رواه البخاري والحاكم وقال: صحيح على شرطهما.
الورطات: جمع وَرْطة بسكون الراء، وهي الهلكة، وكل أمر تعسُر النجاة منه.
وقال عليه الصلاة والسلام - وقد سُئل: أيُّ الذنب أعظم؟ -: ((أن تجعل لله ندًّا وهو خلقَك))، قال: ثُمَّ أيُّ؟ قال: ((أن تقتل ولدَك خشية أن يطعَمَ معك))، قال: ثمَّ أيُّ؟ قال: ((أن تُزانيَ حليلةَ جارِك))[5].
وقال عليه الصلاة والسلام: ((أول ما يُقضى بين الناس في الدماء))[6].
قال السندي: وهذا لا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم: ((أول ما يُحاسب به العبد الصلاة))؛ فالصلاة أول ما يحاسب به العبد فيما بينه وبين الله - عزَّ وجلَّ، والحُكم في الدماء أول ما يجري بين الناس؛ فلا منافاة بين الحكمين.
وعن عبدالله بن عمرو قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين ...))[7].
وعن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أصبح إبليس بثَّ جنودَه فيقول: من أخذل اليوم مسلمًا ألبستُه التاجَ، قال: فيجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى طلَّق امرأتَه، فيقول: يوشك أن يتزوَّج، ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى عقَّ والديه، فيقول: يوشِك أن يَبَرَّهما، ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى أشرَكَ، فيقول: أنت أنت، ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى قَتَل، فيقول: أنت أنت ويُلبسه التاجَ))[8]؛ رواه ابن حبان في صحيحه.
وحِفاظًا على النفس المسلمة البريئة أن تُزهَقَ بغير حق، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإشارة إلى مسلم بسلاح، ولو كان مزاحًا؛ سدًّا للذريعة، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يشيرُ أحدُكم على أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري، لعل الشيطان يَنزِع في يدِه، فيقعُ في حفرةٍ من النار))[9].
وقد نهى الله تعالى عن ترويع المسلمين وإيذائهم في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|