بنان علي الطنطاوي «أم أيمن» (1362- 1401 هـ/ 1943- 1981 م) داعية إسلامية سورية مؤثرة، وكاتبة أديبة، من رائدات العمل الإسلامي المعاصر في الشام وأوربا. كانت مُتقنةً للألمانية، وعلى معرفة جيدة بالفرنسية والإنكليزية. اغتالتها المخابرات السورية في ألمانيا. وهي ابنة الشيخ علي الطنطاوي، وزوجة الداعية الإسلامي عصام العطار، وأعمامها: القاضي الشاعر ناجي الطنطاوي، والدكتور في الرياضيات عبد الغني الطنطاوي، والفيزيائي الأديب محمد سعيد الطنطاوي. وابنتها الداعية هادية العطار، وحفيدتها الناشطة القانونية هدى عابدين، وخال أبيها محب الدين الخطيب.
ولادتها وسيرتها
وُلدت بنان بنت علي بن مصطفى الطنطاوي في دمشقَ في بيت دين وصلاح وعلم وأدب، يوم الأحد 19 جُمادى الأُولى 1362هـ الموافق 23 مايو 1943م، وتتلمذت على والدها علي الطنطاوي، وعلى زوجها الداعية والمراقب العام الأسبق للإخوان المسلمين في سورية عصام بن رضا العطَّار، الذي تزوَّجها سنة 1377هـ/ 1958م، فشاركته العملَ الدَّعويَّ والكتابة والمحاضرة، وكانت نعمَ المعينُ له في السرَّاء والضرَّاء.مُنعَت معه من دخول بلدها عام 1964م، واستقرَّا معًا في مدينة (آخن) بألمانيا، ونشِطا هناك في الدعوة والعمل الثقافي، إلى أن اغتِيلَت، وقضَت نحبَها.مواقفها
كتبت لزوجها عام 1381هـ/ 1961م تقول له: «عندما رفضتَ في سبيل الله المناصبَ والوِزارات، أصبحتَ في نفسي أكبرَ من المناصبِ والوِزارات، ومن كلِّ بهارج الدنيا، فسِر في طريقك الإسلامي الحرِّ المستقلِّ كما تحبُّ، فسأكون معك على الدَّوام، ولن يكونَ هناك من شيء أجلَّ في عيني، ولا أحبَّ إلى قلبي، ولا أثلجَ لصدري من أن أعيشَ معكَ (أبسطَ) حياة وأصعبَها وأخطرَها في أيِّ مكان من الأمكنة، أو وقت من الأوقات، أو ظرف من الظروف، ما دامَ هذا كلُّه في سبيل الله عزَّ وجلَّ، ومن أجل مصلحة الإسلام والمسلمين».
وكتبت له حينما أصابه الشللُ في بروكسل، وهو مشرَّدٌ في ديار الغرب: «لا تحزن يا عصام، إنك إن عَجَزتَ عن السَّير سِرتَ بأقدامنا، وإن عَجَزتَ عن الكتابة كتبتَ بأيدينا، تابع طريقَك الإسلاميَّ المستقلَّ المتميِّزَ الذي سلكتَه وآمنتَ به، فنحن معكَ على الدَّوام، نأكلُ معك إن اضطُررنا الخبزَ اليابس، وننام معك تحتَ خيمة من الخيام. ولا أحبُّك وأُعجَبُ بك يا عصامُ لأنني أرى مِن ورائك الناس، ولكن أحبُّك وأُعجَبُ بك لأنك تستطيع أن تقفَ مع الحقِّ على الدَّوام، ولو تخلَّى عنك من أجل ذلك أقربُ الناس».
ووصفت صلتَها بزوجها في تعليق لها على أحد مقاطع قصيدته (ثورة الحق) قالت فيه: «وهذه الأبياتُ تعبِّر عمَّا في نفسي أيضًا كما تعبِّر عمَّا في نفس عصام، فنحن والحمدُ لله زوجان، وصديقا قلب وفكر، ورفيقا عقيدة وجهاد».صفاتهاكانت تقيةً صالحة، ذات حماسة للدعوة وخدمة الآخرين، مثقفة وأديبة، وخطيبة بليغة.وصفَتها ابنتُها الأستاذة الداعية هادية العطار بكلمات معبِّرة موجَزة قالت فيها: «كانت أمي رحمها الله تعالى تُكثر من قراءة القرآن، وتُكثر من الدعاء، وكانت تقرأ بفهم وتدبُّر، وخشوع وتأثُّر، وكنَّا نراها أحيانًا وهي مستغرقةٌ في تلاوة القرآن، فنرى الدموعَ تفيض من عينيها على خَدَّيها وصدرها».ووصفها زوجها عصام العطار بقوله: «لم تحمِل في قلبها وفكرها همومَ بلدها وأهلها وأخواتها وإخوتها فحسب، بل حَمَلَت مع ذلك همومَ عالمها العربي والإسلامي، وهمومَ الإنسانية والإنسان أَنَّى كان هذا الإنسان، وفاضت في قلبها الرحمةُ فشَمِلَت سائرَ المخلوقات، وكم رأيتُها تبكي لمآسي ناسٍ لا نعرفهم في بلادٍ لا نعرفها.. كانت تعرفني وتفهمني وتُحِسّ بي إحساسًا عجيبًا كأنها تسكن في داخلي، وتعيش معي مشاعري وخواطري، ولو لم أنبِسْ ببنت شفة. كانت تستطيع بنظرةٍ واحدة خاطفة أن تستشفَّ ما يدور في خَلَدي، وأن تعرفَ إن كنتُ في أعماق نفسي حزينًا أو مسرورًا، مشغولَ البال أو مُطمئنَّ النفس، وكانت وهي شريكةُ حياتي كلها تستطيع أن تُقدِّرَ دون سؤال أسبابَ ما أنطوي عليه من سرور أو حُزن، ومن طُمَأنينة أو قلق، وما كان أقدرَها عند ذلك على أن تُحيطَني من محبَّتها وفهمها ومشاركتها الوِجدانية العميقة الصادقة في ظروفنا المختلفة الصعبة بكلّ ما يُسرِّي عن النفس، ويُجدِّد العزم والنشاط، ويُعين على متابعة الطريق مهما كانت المصاعبُ والظروف. كانت قادرةً على أن تسْتَنْبتَ أزاهيرَ سرورٍ في أراضي الأحزان، وتوفّر لنا لحظات مُتَع بريئة في زَحْمة الواجبات والأعمال، وأن تحوِّلَ غرفًا حقيرة سكنَّاها إلى ما هو أحلى من قصور، وأن تجعلَ سعادةً غريبة تسكُن معنا وتعيش بيننا حيث سكنَّا من البلدان، وكثيرًا ما شعرنا في غُرفنا الحقيرة بهذه السعادة الغامرة، وبنشوة الاستعلاء على الشدائد والمُغرِيات في سبيل الله عزََ وجلَّ. كان القرآنُ حياتها وباعثها، ودليلها وهاديها في مختلِف مشاعرها ومواقفها وخطواتها، وكان حِصْنها الحصين، وملجأها الأمين، عندما كانت تُطْبِقُ علينا في بعض أيامنا الظلمات، وتعصِفُ حولنا العواصف، وتطرُق أبوابنا المخاوفُ والمخاطر، فلا يكون أحدٌ في الدنيا أكثرَ منها -وهي تعتصم بالإيمان والقرآن- طُمَأنينةً وأمنًا، ولا قدرةً على الثبات والصبر، وعلى تحدِّي الطاغوت ولو ملأ بطُغيانه الدنيا».
بنان الطنطاوي مع زوجها عصام العطار، وولديهما هادية وأيمن
كتبها
دور المرأة المسلمة.
قبَسات، ج1، وهي مقالاتها المنشورة في صحيفة الرائد.
كلمات صغيرة