مختصر تفسير القرآن تدبر وعمل لسورة البقرة (164-169)
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ * يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 164 - 169].
الوقفات التدبرية:
١- ﴿ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ ﴾ [البقرة: 164].
وجه الآية في الفلك: تسخير الله إياها حتى تجريَ على وجه الماء، ووقوفها فوقه مع ثقلها. [القرطبي].
٢- ﴿ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 164].
﴿ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ﴾: إرسالها من جهات مختلفة -وهي الجهات الأربع وما بينها- وبصفات مختلفة؛ فمنها ملقحة للشجر، وعقيم، وصِرٌّ، وللنصر، وللهلاك. [ابن جزي].
٣- ﴿ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 164].
﴿ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ﴾: قيل: تصريفها أنها تارة تكون لينًا، وتارة تكون عاصفًا، وتارة تكون حارة، وتارة تكون باردة. [البغوي].
٤- ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165].
اعلم أنَّ محبة الله إذا تمكَّنت من القلب ظهَرتْ آثارُها على الجوارح من الجدِّ في طاعته، والنشاط لخدمته، والحرص على مرضاته، والتلذُّذ بمناجاته، والرضا بقضائه، والشوق إلى لقائه، والأنس بذكره، والاستيحاش من غيره، والفرار من الناس، والانفراد في الخلوات، وخروج الدنيا من القلب، ومحبة كل من يحبه الله، وإيثاره على كل من سواه. [ابن جزي].
٥- ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ﴾ [البقرة: 166].
ظنُّوا أن لها من الأمر شيئًا، وأنها تقرِّبهم إليه، وتوصلهم إليه؛ فخاب ظنُّهم، وبطل سعيهم، وحقَّ عليهم شدة العذاب، ولم تدفع عنهم أندادُهم شيئًا، ولم تغنِ عنهم مثقال ذرة من النفع، بل يحصل لهم الضرر منها من حيث ظنوا نفعها، وتبرَّأ المتبوعون من التابعين، وتقطَّعت بينهم الوصل التي كانت في الدنيا؛ لأنها كانت لغير الله، وعلى غير أمر الله. [السعدي].
٦- ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 167].
يتمنى التابعون أن يُرَدُّوا إلى الدنيا فيتبرَّأوا من متبوعيهم، بأن يتركوا الشرك بالله، ويقبلوا على إخلاص العمل لله، وهيهات، فات الأمر، وليس الوقت وقتَ إمهال وإنظار، ومع هذا، فهم كَذَبَةٌ، [كما قال تعالى: ﴿ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [الأنعام: 28]] [السعدي].
٧- ﴿ كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 167].
يريهم سبحانه أعمالَهم السيئة يوم القيامة فتكون حسرات تترَّدد في صدورهم كأنها شرر الجحيم. [طنطاوي].
التوجيهات:
١- محبة المخلوقين إن زادت عن حدِّها قد تصل إلى شرك المحبة؛ فلا تتجاوز الحدَّ في محبتهم مهما كانت منزلتهم، ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 165].
٢- كثرة ذكر المحبوب دليلٌ على شدة حبِّه؛ فذكر العبد لربه كثيرًا يدل على أن حبَّه لربه عظيمٌ، ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165].
٣- من خطوات الشيطان: الوسوسة بأكل ما نُهي عنه؛ كما وسوس لأبينا آدمَ عليه السلام أن يأكل من الشجرة التي نُهي عنها، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 168].
العمل بالآيات:
١- اختر واحدة من المخلوقات المذكورة في الآية، ثم استخرج ثلاثَ فوائدَ تدل على قدرة الله تعالى وحكمته في خلقها، ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 164].
٢- استخرج من القرآن ثلاثة أعمال يحبُّها الله سبحانه وتعالى، واعمل بها اليوم، ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165].
٣- اكتب نوعًا من الأكل أفتى العلماء بتحريمه، وتساهَلَ الناس فيه، مع فتوى لأحد العلماء، وأرسلها في رسالة لمن تعرف، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 168].
معاني الكلمات:
﴿ وَالْفُلْكِ ﴾: السُّفُنِ.
﴿ وَبَثَّ ﴾: نَشَرَ.
﴿ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ﴾: تَقْلِيبِهَا، وَتَوْجِيهِهَا.
﴿ الأَسْبَابُ ﴾: الصِّلَاتُ.
﴿ حَسَرَاتٍ ﴾: نَدَامَاتٍ.
﴿ وَالْفَحْشَاءِ ﴾: الْمَعْصِيَةِ بَالِغَةِ القُبْحِ.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|