خائـنة الأعـين
الحمد لله الملك العظيم العزيز الحكيم، له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء يعلم ما تخفون وما تعلنون {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ *وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (20) سورة غافر. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً.1 أما بعد:
أخي الكريم: إن خائنة الأعين من الأمور التي يجب أن يترفع عنها كل من ينتمي إلى هذا الدين؛ لذا فإن نبينا وقدوتنا محمد عليه الصلاة والسلام نزه نفسه من هذه الخصلة المذمومة فقال: (إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين)2.
وخائنة الأعين كما قال ابن عباس: هو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم، وفيهم المرأة الحسناء، أو تمر به وبهم المرأة الحسناء، فإذا غفلوا لحظ إليها، فإذا فطنوا غَضّ، فإذا غفلوا لحظ، فإذا فطنوا غض بصره عنها، وقد اطلع الله من قلبه أنه وَدّ أن لو اطلع على فرجها.
وقال الضحاك: {خَائِنَةَ الأعْيُنِ} هو الغمز، وقول الرجل: رأيت، ولم ير؛ أو: لم أر، وقد رأى.3
وقال الخطابي : معنى {خائنة الأعين}: أن يضمر بقلبه غير ما يظهره للناس، فإذا كف بلسانه، وأومأ بعينه إلى خلاف ذلك وكان ظهور تلك الخيانة من قبل عينه؛ لذا سميت خائنة الأعين.4
فيا أخي المسلم: اتق الله تعالى أن تكون لك خائنة الأعين، وراقب الله تعالى في جميع حركاتك وسكناتك فهو تعالى {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}.
قال ابن عباس: يعلم الله تعالى من العين في نظرها، هل تريد الخيانة، أم لا؟5 فهو تعالى لا يخفى عليه شيء من أمور خلقه حتى ما يحدث به العبد نفسه، ويضمره قلبه، فإنه يعلم إذا نظر ماذا يريد بنظره، وما ينوي ذلك بقلبه، يسمع كل شيء، ويرى كل شيء، لا يخفى عليه دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث، إن جهرت بقولك سمعه، وإن أسررت به لصاحبك سمعه، وإن أخفيته في نفسك سمعه، وأبلغ من ذلك أنه يعلم ما توسوس به نفسك وإن لم تنطق به. إن فعلت فعلاً ظاهراً رآك، وإن فعلت فعلاً باطناً ولو في جوف بيت مظلم رآك، وإن تحركت بجميع بدنك رآك، وإن حركت عضواً من أعضائك رآك، وأبلغ من ذلك أنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.6
فاتق الله يا عبد الله: واعلم أن الله {يَقْضِي بِالْحَقِّ}، يقضي في الذي خانته الأعين بنظرها، وأخفته الصدور عند نظر العيون بالحق، فيجزي الذين أغمضوا أبصارهم، وصرفوها عن محارمه؛ حذارَ الموقف بين يديه، ومسألته عنه بالحُسنى، والذين ردّدوا النظر، وعزمت قلوبهم على مواقعة الفواحش جزاءها.
فلا تعرض نفسك لسخط الله تعالى، ولا تجعل الله تعالى أحقر الناظرين إليك، ولا تكن من الذين قال الله عنهم: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا} (108) سورة النساء.
وإن مما انتشر في هذا الزمن كثرة المناظر المحرمة من النساء المتكشفات والكاسيات العاريات في كثير من الأماكن: على شاشات التلفاز والكمبيوتر والصحف والمجلات وكذا المشاهدة الحية في الشوارع والأسواق وأماكن الاختلاط، فينبغي للمسلم الحق أن يتقي الله في عينيه، وأن يعلم أنه مسؤول عن نظره وبصره إلى أين صرفه، كما قال تعالى: {..إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (36) سورة الإسراء. وكم من نظرة أورثت حسرة وألماً، ومن صرف نظره عن الحرام أبدله الله حلاوة في قلبه يجد طعمها راحة وطمأنينة..
اللهم احفظ علينا أبصارنا، واصرف عنا الحرام وأبدلنا بخير منه يا رب العالمين، واجعلنا ممن يحفظون أبصارهم، إنك على كل شيء قدير.
الضياء اللامع من الخطب الجوامع لابن عثيمين (3/424).
رواه أبو داود (2683) قال الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم : 2426 في صحيح الجامع.
تفسير ابن كثير (7/137).
عون المعبود (6/ 118).
تفسير ابن كثير (7/137).
الضياء اللامع من الخطب الجوامع (1/ 38).
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|