الثروة
الثورة
-
مجرد أستآذ قرر التضحية لأجل قضية طلابه ،مدركآ العوآقب ، لكنهآ قضية لأجل العدآلة !
جلست الجدة مارغريت على درج البيت ، يرقد عكازها الخشبي على يمينهآ و تجلس في حضنهآ حفيدتها الطفلة آن .
نسآئم الخريف اللطيفة تجوب المكان ، جعلت الجدة تسحب شآلها حول كتفيهآ علها تزيد دفئها و الحفاظ على ما تبقى لهآ من قوة و هشاشة عظامهآ.
كان شارع القرية خاليآ ، تمر عربة أو أحد أفراد القرية حينآ و آخر ، جماعة من الأطفال الصغار يترآكضون في طرف الشارع ،
داعب النعاس جفون آن و أوشكت على النوم ، لكن ندآء أمها أعاد لهآ انتباهها.
نادت الأم آن من داخل المنزل : آن تعالي و خذي الشآي لجدتك!
و بروح حيوية تقافزة الصغيرة بخطوات متسابقة للمنزل ، ثم عادت بعد لحظات تحمل معهآ صينية كوب الشآي الساخن و صحن الكعك المحلى .
جلست ووضعت الصينية في الوسط بينها و بين الجدة ، حملت الكوب مقدمة إياه لجدتهآ .
قالت آن بنبرة يشوبها الحزن: جدتي ألن نعود للمدرسة ؟ ألن يرجع الأستاذ؟
أخذت الجدة رشفة من الكوب و تنهدت ، نظرت للأمام بشرود .
أجآبت: لا علم لي يا صغيرتي ، لن يعيدوه إلا إذا ثآر سكان القرية متضامنين .
آن متسائلة: متضامنين ؟ كيف ذلك يا جدتي؟
رشفت الجدة رشفة أخرى و وضعت الكوب في الصينية ، شدت الشآل بإحكام مجددآ ، و تذكرت!
كان المعلم توماس الاستاذ الوحيد الذي يعلم اطفال هذه القرية الصغيرة النآئية ،فبعد أن تقاعد الأستاذ أندريه لكبره في السن ،
اضطر توماس لإكمال التدريس بمفرده ، في مدرسة صغيرة للغاية ، تضم قاعة للطلاب و غرفة مكتب صغيرة و ساحة و مغسلة ، كآنت صغيرة حقآ ، لكن جميلة و هادئة.
لم تمر بضعة شهور ليكتشف توماس مدى فطنة طلابه ، فرغم فقرهم و ظروف العيش الصعبة و الحرجة التي تمر بها البلآد ككل و ليس القرية فقط ،
إذ أن أي إصلاحآت حآول الرؤساء القيام بهآ باءت بالفشل!
كان طلاب توماس و بعد كل درس أثنآء الفسحة القصيرة ، يراهم مجتمعين كلهم تقريبآ،
يتحدثون و يتهآمسون و ما إن يقترب منهم حتى يراهم يتوترون مغيرين الموضوع، مما جعل فضوله لمعرفة ما يدور حولهم يزدآد .
تسارعت الأسابيع دون أن يكتشف الأستاذ شيئا، و في أحد أيام الأحد في الحصة المسائية حيث يدرس الطلاب الأكبر سنا، الذين تبلغ أعمارهم 10سنوات فأكثر ،
لاحظ الهدوء الغير اعتيادي في القاعة، و أثار دهشته نظرة الطلاب المتحمسة المشتعلة التي لم يراها من قبل ، و كان التوتر بآديا عليهم .
انهمك الاستاذ بكتابة الدرس في اللوحة حين رفع أحد التلاميذ يده مبتسمآ.
توماس: نعم مالأمر ؟
استدار الفتى نحو زملاءه فأومأ له الجميع بالاستمرار مبتسمين، هذه المرة تسآرعت دقات قلب الاستاذ!
الطالب بصوت: واثق أستاذ نريد أن نقوم بثورة!
اتسعت أعين الاستاذ بصدمة،هل يدرك هؤلاء الساذجون ما يقولونه، يريدون وضع حياتهم على المحك!
قال توماس محاولا الحفآظ على هدووء صوته: نعم نعم؟ ماذا قلت مجددا؟
أجابه طآلب آخر: تجدنا أصغر من أن نخوض في هذه الأمور يا أستاذنا المحترم بالتأكيد،
لكننا ندري أن حياة الجميع و ليس في قريتنا فقط، ندري أن الموت على وشك الفتك بهم و حرث المزيد من أرواح جيراننا في القرى و المداشر الأخرى،على غرار الأمراض و سطو المجرمين، شبح الجوع و المجاعة سيقيم بيننآ يا أستاذ.
عجيب! اومأ بقية الطلاب موافقين ما قاله، أما الأستاذ انتآبه الإعجاب من حديثه و رغبة في مشاركتهم النقاش.
و دون الإحساس بمرور الوقت، مرت ساعات متواصلة، قام فيها الطلاب بالبوح بسرهم الذي لطالما رغب الاستاذ في اكتشافه،
أخبروه كيف أنهم يخططون للقيام بثورة على النظام مطالبين بحقوقهم، و كيف أنهم تواصلوا مع شباب من قرى أخرى،
و أنهم تقبلوا الفكرة ووجدوا انها من المفترض أن تحدث منذ زمن طويل.
و هدفهم الأساس من كل هذا، أن يساعدهم المعلم، أن يشارك الفكرة مع البالغين و كبار السن في هذه القرية.
قرار صعب،طريق مليء بالاشواک، التضحية بالارواح لبلوغ الهدف!
قرار وجده الاستاذ مثيرا للخوف إذا وصل إلى السلطات العليا، غير أنه بعد رؤية عزم و رجاء هؤلاء الشباب اليافعين و تصميمهم،
أعطاهم عهدا بأن يسيروا معآ بأيدي متشابكة.
جرت الأمور في سرية تامة.لكن ذات صباح،و مع شروق الشمس و صياح
الديوك ، تفاجأ سكان القرية و الطلاب على حد سواء ، بالعديد من قوآت الأمن يقتحمون منزل الأستاذ توماس مكبلا حيث لا يدرون إلى أين!
خياانة هي؟ و لولا الثقة التي يكنهآ الطلاب لبعضهم ، لوجه كل شخص أصابع الاتهام ، بأنه هو الذي أفشى السر و خان الأمانة، و لكن رغم ذلك فالشكوك قائمة .
انتشرت القوات الأمنية في حراسة مشددة على القرية في الأيام الموالية ، اعتداءات ، عنف و ترهيب تلك التي قاساها السكآن من هؤلاء الجنود .
فأين هم الطلاب من المظاهرات المزعومة و ثورتهم !!
أغلقت المدرسة الصغيرة و منع التجمع ، و بات القرويون يغآدرون بيوتهم للعمل و اقتناء الضروريات فقط ،
أما الأستاذ فلم يره أحد بعد ذلك، و قد قيل إنه في سجن البلدة رهن الاعتقال!
تنهدت الجدة
مارغريت بأسى ، لا شك و أن التلاميذ و أستاذهم كانوا متسرعين للغاية!
هزت آن جدتهآ بعد أن لاحظت صمتهآ الطويل: جدتي؟ جدتي .
مسحت الجدة على رأس حفيدتهآ بحنان : قريبآ يا آن ستعودين لمدرستك و يحضرون لكم معلما جديدا ، هناك الكثير من الوقت .
صمتت آن حتى تفهم جيدآ ، أمسكت قطعة الكعك و قضمت منها جزءا صغيرا متلذذة بطعم الشوكولا : آه ،إذا لن يعود المعلم توماس.
نظرت آن و الجدة نحو الاوراق المصغرة تلآعبها الريآح ، دون شعور ، هربت دمعة من عين آن ، ثم ارتمت في حضن الجدة تبكي! نعم ! آن كانت أحد تلميذات الاستا
آخر تعديل همسات الحب يوم
10-13-2022 في 09:48 AM.
|