حديث: أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللّهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ؟ فَقَالَ: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى، وَلاَ تُمْهِلَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلاَنٍ كَذَا، وَلِفُلاَنٍ كَذَا، أَلاَ وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ».
شرح ألفاظ الحديث:
(( شَحِيحٌ )): أي شحيح النفس، فالشح يكون في النفس؛ قال تعالى: ﴿ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ﴾ [النساء: 128]، والشح أعمُّ من البخل، وقيل: هو البخل مع حرص، وجاء في رواية عند البخاري ((وأنت صحيح حريص))، والمعنى أن في نفسك رغبة كبيرة للمال، وأما قوله: (صَحِيحٌ)؛ أي: صحيح الجسم من غير مرض مخوف؛ لأن المرض المخوف هو الذي ينقطع به أمل الإنسان من الطمع في الدنيا وما فيها، بخلاف بعض الأمراض التي لا تقطع الطمع ولا تؤثر به، ويشهد لهذا المعنى آخر الحديث.
(( تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى)): تأمُل؛ أي: تطمع، وتأمل الغنى؛ أي تطمع بالزيادة، والرواية الأخرى عند مسلم أبلغ وأشد: ((تخشى الفقر وتأمل البقاء))؛ أي تخشى الفقر مع طول في العمر؛ لأن من كان كذلك يكون أشد شحًّا بالمال، بخلاف من يخشى ويأمل الغنى، لكنه لا يأمل بطول بقائه فهو أخف حالًا.
(( حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ))؛ أي: إذا بلغت الروح الحلقوم، والحلقوم هو مجرى النفس، والمقصود إذا قاربت الروح بلوغ ذلك؛ لأنها لو بلغت حقيقة لم يصح حينئذ شيء من تصرفات المحتضر باتفاق الفقهاء؛ كما نقله النووي؛ [انظر شرح مسلم حديث (1032) ].
(( قُلْتَ: لِفُلاَنٍ كَذَا. وَلِفُلاَنٍ كَذَا )): أي بدأت توصي وتقول: أعطوا فلاناً كذا من المال وأعطوا فلاناً كذا من المال.
((وَقَدْ كَانَ لِفُلاَن )): أي قد صار أمر مالك لوارثك.
من فوائد الحديث:
الحديث دليلٌ على أن الصدقة في حال الحياة والصحة أفضل من التصدق بعد الموت، (كأن يوصي أنه إذا مات يتصدقوا بشيء من المال)، وكذلك أفضل من الصدقة في المرض؛ لأن الإنسان حال الصحة تصعب عليه الصدقة غالبًا لما يخوفه به الشيطان من الفقر، قال تعالى: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء ﴾ البقرة: 268، ولما يزيِّن له الشيطان من إمكان طول البقاء، والحاجة إلى المال.
قال ابن بطال - رحمه الله -: "لَما كان الشح غالبًا في الصحة، فالسماح فيه بالصدقة أصدق في النية وأعظم للأجر بخلاف مَنْ يئس من الحياة، ورأى مصير المال لغيره؛ [انظر الفتح حديث (1419) ].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|