عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن ابن ابني مات، فما لي من ميراثه؟ فقال: ((لك السدس))، فلما ولَّى دعاه، فقال: ((لك سدس آخر))، فلما ولى دعاه، فقال: إن السدس الآخِر طعمة؛ رواه أحمد، والأربعة، وصححه الترمذي، وهو من رواية الحسن البصري عن عمران، وفي سماعه خلافٌ.
المفردات:
فمالي من ميراثه؛ أي: فما نصيبِي مِن تركته.
فلما ولى؛ أي: فلما انصرف وأدبر.
دعاه؛ أي: ناداه.
سدس آخر؛ أي: مع السدس الأول.
فلما ولى؛ أي: فلما انصرف للمرة الثانية.
الآخِر: بكسر الخاء؛ أي الثاني.
طعمة؛ أي: زيادة على الفريضة.
وهو؛ أي: هذا الحديث.
الحسن البصري: هو أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار، وقد اختلف في أصله، فقيل: كان من سَبْي ميسان، اشترته الرُّبيِّع بنت النضر، فأعتقَتْه، قال ابن سعد: وذكر عن الحسن أنه قال: كان أبواي لرجل من بني النجار، وتزوج امرأة من بني سلمة من الأنصار، فساقهما إليها من مهرها فأعتقَتْهما، ويقال: بل كانت أم الحسن مولاةً لأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وولد الحسن بالمدينة لسنتين بقِيَتا من خلافة عمر بن الخطاب، فيذكرون أن أمَّه كانت ربما غابت فيبكي الصبي فتعطيه أم سلمة ثَدْيَها تُعلِّله به إلى أن تجيء أمُّه، فدر عليها ثديُها فشربه، فيرون أن تلك الحكمة والفصاحة مِن بركة ذلك، ونشأ الحسن بوادي القرى، وكان فصيحًا؛ اهـ.
وقد نقل عن أبي قتادة العدوي أنه كان يقول: عليكم بهذا الشيخ - يعني الحسن بن أبي الحسن - فإني والله ما رأيت رجلًا قط أشبه رأيًا بعمر بن الخطاب منه، ونُقل عن الشعبي أنه قال: أدركتُ سبعين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلم أرَ أحدًا قط أشبهَ بهم من هذا الشيخ؛ يعني الحسن البصري.
قال ابن سعد: أخبرنا الحسن بن موسى قال: حدثنا أبو هلال قال: حدثنا خالد بن رباح أن أنس بن مالك سئل عن مسألة، فقال: عليكم مولانا الحسن فسَلُوه، فقالوا: يا أبا حمزة، نسألك وتقول: سلوا مولانا الحسن؟ فقال: إنا سمعنا وسمع فحفِظ ونسِينا، وتوفي الحسن البصري سنة عشر ومائة في شهر رجب رحمه الله.
هذا، وقد وصفه الحافظ في التقريب بأنه ثقةٌ فقيه، فاضل مشهور قال: وكان يرسل كثيرًا ويدلِّس، قال البزار: كان يروي عن جماعة لم يسمع منهم، فيتجوز ويقول: حدثنا وخطبنا؛ يعني قومه الذين حدَّثوا وخطبوا بالبصرة، هو رأس أهل الطبقة الثانية؛ اهـ.
وفي سماعه خلافٌ؛ أي: وفي سماع الحسن البصري من عمران بن حصين رضي الله عنهما خلاف، فبعض أهل العلم يثبت سماع الحسن من عمران، وبعضهم ينفيه.
البحث:
قال أبو داود: باب في ميراث الجد، حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا همام، عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين أن رجلًا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: إن ابن ابني مات فما لي من ميراثِه؟ فقال: ((لك السدس))، فلما أدبر دعاه، فقال: ((لك سدس آخر))، فلما أدبر دعاه، فقال: إن السدس الآخر طعمةٌ، قال قتادة: فلا يدري مع أي شيء ورثه؟ قال قتادة: أقل شيء ورث الجد السدس.
وقول المصنف في هذا الحديث: رواه أحمد والأربعة، فيه نظر؛ فإن ابن ماجه لم يخرجه من حديث عمران بن حصين، وإنما أخرج نحوه من طريق مَعقِل بن يَسَار رضي الله عنه.
قال ابن ماجه: باب فرائض الجد، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا شبابة، ثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن مَعقِل بن يَسَار المُزنِي، قال: سمِعتُ النبي صلى الله عليه وسلم أُتِي بفريضةٍ فيها جد، فأعطاه ثلثًا أو سدسًا، حدثنا أبو حاتم، ثنا ابن الطباع، ثنا هشيم عن يونس، عن الحسن، عن مَعقِل بن يسار، قال: قضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في جَدٍّ كان فينا بالسدس؛ اهـ.
وقد أخرج الدارقطني بنحو حديث الباب، وقال أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي في التعليق المغني على الدارقطني: الحديث رواه أحمد، والترمذي، وأبو داود، عن عمران بن حصين نحوه، ورواه ابن ماجه عن معقل بن يسار المزني، قال: قضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في جَدٍّ كان فينا بالسُّدس، قالوا: في صورةِ المسألة بأن مات رجل وخلَّف بنتينِ، وهذا السائل الذي هو الجد، فللبنتين الثلثان، فبقي الثلث فدفع السدس إليه بالفرض، ثم دفع سدسًا آخر للتعصيب، ولم يدفع الثلث مرةً؛ لئلا يتوهم أن فرضه الثلث، وإنما سمَّاه طعمة؛ لكونه زائدًا على أصل الفرض الذي لا يتغير، كذا في اللمعات؛ اهـ.