عبدالرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبدالحارث بن زهرة بن كلاب بن مرَّة، وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو، وقيل: عبدالكعبة، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلم: عبدالرحمن، ويكنى أبا محمد، وأمه الشفاء بنت عوف بن عبدالحارث.
وُلد عبدالرحمن بعد الفيل بعشر سنين، وكان طويلًا، حسن الوجه، رقيق البشرة، مشربًا حمرة، وأسلم قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجَرَ إلى الحبشة الهجرتين[1].
وقال الذهبي: ابن عبدعوف بن عبدالحارث بن زهرة بن كلاب، أبو محمد القرشي الزهري، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى.
روى عنه بنوه: إبراهيم، وحميد، وعمرو، ومصعب، وأبو سلمة، ومالك بن أوس بن الحدثان، وأنس بن مالك، ومحمد بن جبير بن مطعم، وغيلان بن شرحبيل، وآخرون.
وكان اسمه في الجاهلية عبدعمرو، وقيل: عبدالكعبة، مولده بعد الفيل بعشر سنين، وقد أسقط البخاري وغيره (عبدًا) من نسبه.
وقال الهيثم بن كليب وغيره: (عبدالحارث) في (عبد بن الحارث).
وعن عبدالرحمن قال: كان اسمي عبدعمرو، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم: عبدالرحمن، وعن سهلة بنت عاصم قالت: كان عبدالرحمن أبيض، أعيَن، أهدب الأشفار، أقنى، طويل النابين الأعليين، ربما أدمى نابُه شفتَه، له جمة أسفل أذنيه، أعنق، ضخم الكفَّين[2].
يقول البخاري: حدثنا عبدالعزيز بن عبدالله، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده، قال: قال عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه: لما قدمنا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع، فقال سعد بن الربيع: إني أكثر الأنصار مالًا، فأَقسِم لك نصف مالي، وانظر أي زوجتيَّ هويتَ نزلتُ لك عنها، فإذا حلَّتْ، تزوجتَها، قال: فقال له عبدالرحمن: لا حاجة لي في ذلك، هل من سوق فيه تجارة؟ قال: سوق قينقاع، قال: فغدا إليه عبدالرحمن، فأتى بأقط وسمن، قال: ثم تابع الغدو، فما لبث أن جاء عبدالرحمن عليه أثر صفرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تزوجتَ؟))، قال: نعم، قال: ((ومَن؟))، قال: امرأةً من الأنصار، قال: ((كم سُقْتَ؟)) قال: زنة نواة من ذهب - أو نواةً من ذهب - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((أَوْلِمْ ولو بشاة))[3].
يلاحظ أن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه بعد أيام من وصوله إلى المدينة المنورة مهاجرًا بدينه إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، تاركًا بلده مكة وفيها كل شيء بالنسبة له، عُرض عليه عرضٌ مغرٍ من قِبَل أخيه في الله الصحابي سعد بن الربيع رضي الله عنه، ولكنه أبى إلا أن يكون مستقلًّا بقراره، وبعفة نفس، وبثقة عالية برزق الله سبحانه، طلب منه أن يدلَّه على السوق، وبعد أيام من دخوله السوق تزوَّج وأَمهرَ نواة من ذهب، وأولَم بشاةٍ بناءً على توجيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذًا هذا هو السوق، يستطيع من دخله واشتغل فيه أن يتزوَّج بعد أيام، وأن يقدِّم مهرًا نواة من ذهب.
وفي مسند عبد بن حميد: أنا أبو إسحاق أحمد بن إسحاق الحضرمي، ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت وحميد الطويل، عن أنس بن مالك: أن عبدالرحمن بن عوف لما قَدِم المدينة، آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع، فقال له سعد: يا أخي، إني من أكثر أهل المدينة مالًا، فانظر شطر مالي فخذْه، وتحتي امرأتان، فانظر أيتهما شئتَ حتى أنزل لك عنها، قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق، فدلُّوه على السوق، فاشترى وباع فربح، فجاء بشيء من سمن وأقط، ثم لبث ما شاء الله فجاء وعليه "ردغ" زعفران، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مهيم؟))، قال: تزوجتُ امرأةً، قال: ((ما أصدقتَها؟))، قال: وزن نواة من ذهب، قال: ((أولم ولو بشاة))، قال عبدالرحمن: لقد رأيتُني بعد ذلك ولو رفعت حجرًا لظننت أني سأصيب تحته ذهبًا أو فضةً[4].
ولنتأمل في قول الصحابي عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه: "لقد رأيتُني بعد ذلك ولو رفعت حجرًا لظننتُ أني سأُصيب تحته ذهبًا أو فضةً"، إذًا هذا هو السوق، وهذه إمكانات العامِلين فيه بذكاء.
ذكر الذهبي ناقلًا عن الإمام أحمد في "مسنده" من حديث أنس، أن عبدالرحمن أثرى وكثر ماله حتى قدمت له مرة سبعمائة راحِلة تَحمل البُرَّ والدقيق، فلما قدمت سمعَ لها أهل المدينة رجَّةً، فبلغ ذلك عائشة فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((عبدالرحمن بن عوف لا يدخل الجنة إلا حبوًا))، فلما بلغه قال: يا أُمَّهْ، أشهدك أنها بأحمالها وأحلاسها في سبيل الله[5].