وصف عيشة النبي صلى الله عليه وسلم
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزهد الناس في الدنيا، اكتفى من الدنيا بالقليل فكانت عيشته كفافًا، ولقد كان يمر على أهل بيته الهلال ثم الهلال ثم الهلال، ثلاثة أهلة متتابعات ولا يوقد في بيته نار! فكان يجوع يومًا ويشبع يومًا على التمر والماء! وقد انتقل إلى الرفيق الأعلى ودرعه مرهونة عند يهودي في نفقة عياله، وكان يقول: "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا".[1]
وليس ذلك من تخلي ربه عنه، تعالى الله عن ذلك، فما ينبغي له عز وجل أن يترك عبدًا له صالحًا يحاصره الجوع وقلة ذات اليد، فضلاً عن أن يكون هذا العبد نبيًّا مرسلاً من عنده تعالى، ولو شاء الله عز وجل لجعل لنبيه أمثال الجبال ذهبًا وفضة، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم رضي بعيشته زاهدًا في الدنيا وزخارفها، فهو ليس من الملوك الذين يرفلون في الثياب المزخرفة، وينامون على الحرير والديباج، ويأكلون ما تشتهي أنفسهم، لا... ليس هو من هؤلاء، وإنما هو نبي من أنبياء الله، الذين رضوا من الدنيا بما يقربهم من ربهم سبحانه وتعالى، وغضوا طرفهم عما يشغلهم عن طاعة ربهم وعبادته.
ولله در من قال:
ينام كسرى على الديباج ممتلئا
كِبرًا وطوِّق بالقينات والخدمِ
لا همَّ يحمله لا دين يحكمهُ
على كؤوس الخنا في ليل منسجمِ
بيت من الطين بالقرآن تعمره
تبًّا لقصر منيفٍ بات في نغمِ
طعامك التمر والخبز الشعير وما
عيناك تعدو إلى اللذات والنعمِ
تبيت والجوع يلقي فيك بغيته
إن بات غيرك عبد الشحم والتخمِ
ولكي نقف على وصف دقيق لعيشة النبي صلى الله عليه وسلم، فلنترك السيدة عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأعلم الناس بمعيشته ومعيشة أهله تحدثنا عن عيشته صلى الله عليه وسلم، تقول عائشة: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارًا ولا درهمًا ولا شاة ولا بعيرًا، ولقد مات وما في بيتي يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي، وقال لي: "إني عُرض عليَّ أن يُجعل لي بطحاء مكة ذهبًا، فقلت: لا يا رب، بل أجوع يومًا وأشبع يومًا، فأما اليوم الذي أجوع فيه، فأتضرع إليك وأدعوك، وأما اليوم الذي أشبع فيه، فأحمدك وأثني عليك".
وقالت أيضًا: كنا يمر بنا الهلال والهلال والهلال ما نوقد بنار لطعام، إلا أنه التمر والماء، إلا أنه حولنا أهل دور من الأنصار فيبعثون بغزيرة الشاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فكان للنبي صلى الله عليه وسلم من ذلك اللبن.[2]
وقالت أيضًا: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز البر ثلاثًا، حتى مضى لسبيله[3] أي: مات صلى الله عليه وسلم.
وقالت أيضًا: كنا نخرج الكراع بعد خمس عشرة فنأكله. فسُئِلت: ولم تفعلون؟ فضحكت وقالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز مأدوم حتى لحق بالله.[4]
وقالت أيضًا: دخلت عليَّ امرأة من الأنصار فرأت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم عباءة مثنية، فانطلقت فبعثت إليَّ بفراش حشوه الصوف، فدخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذا يا عائشة؟". قلت: فلانة رأت فراشك فبعثت إلي بهذا. فقال: "ردِّيه يا عائشة". قالت: فلم أرده وأعجبني أن يكون في بيتي، حتى قال ذلك ثلاث مرات. فقال: رديه، فوالله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة.[5]
وهذا عبد الله بن عباس ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، ومن المقربين إليه، يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاويًا وأهله لا يجدون عشاء.[6]
وهذا أنس خادم النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما أمسى عند آل محمد صاع تمر، ولا صاع حب، وإن عنده يومئذٍ لتسع نسوة.[7]
وقال قتادة قال: كنا نأتي أنس بن مالك وخبازه قائم، فقال: كلوا فما أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رغيفًا مرققًا حتى لحق بالله، ولا رأى شاة سميطًا بعينه قط.[8]
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|