التآخي بين المهاجرين والأنصار
قام نظام المؤاخاة في ربط المجتمع بعضه ببعض، والسبب الذي أدى إلى تقوية هذه الأخوة داخل المجتمع هو وجود أهداف محددة واضحة وهي الالتقاء على دين الله وحده، نشأهم دينهم الذي اعتنقوه على أن يقولوا ويفعلوا، وعلمهم الإيمان والعمل جميعاً، ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 51].
وفي بداية الأمر كان المهاجرون يواجهون مشكلة الوحشة والإحساس بالغربة، فمجتمع مكة يختلف عن المجتمع المحلي في المدينة المنورة مما جعل البعض منهم يتعرض للمرض، وهنا كان تقدير الواقع المحلي هو نقطة البداية في المشروعات الموضوعية لتنمية مجتمع المدينة فبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بتقدير ذلك الموقف وتوجه بالدعاء إلى ربه أن يحبب المدينة في قلوب المهاجرين.
واستجاب الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وحبب إلى المهاجرين العيش في المجتمع المدني وصاروا يتحركون فيه ويعملون بأسواقه بكل حماس (فهنا تفاعل اجتماعي وعمل مشترك يساهم فيه الأفراد المهاجرين والأنصار في أنشطته المختلفة)، قال تعالى: ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 64].
وفي الأحداث أيضاً أن الأنصار عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتولى قسمة أموالهم بينهم وبين إخوانهم المهاجرين وقد كانت أموالهم في النخيل فأبى عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأراد أمراً تكون فيه المواساة من غير إجحاف بالأنصار بزوال ملكية أموالهم منهم فقال الأنصار للمهاجرين: تكفوننا المئونة – أي العمل في النخيل من سقيها وإصلاحها ونشرككم في الثمرة فلما قالوا ذلك رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذا الرأي ضمن حاجة المهاجرين مع الرفق بالأنصار، فأقرهم على ذلك فقالوا جميعاً سمعنا وأطعنا، ويتضح من ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم طبق مفهوم التخطيط لتنمية المجتمع المحلي حيث حدد كيفية استغلال هذه الموارد والإمكانيات والارتقاء بها عن طريق المشاركة الشعبية لكي يقوموا بالإنتاج وإيجاد فرص عمل للمهاجرين وضمان التوازن بين المشروعات المختلفة مع عمليات تنمية المجتمع المحلي المدني وفقاً لتلك الإمكانيات الموجودة، فكانت الهجرة من أعظم أحداث التاريخ الإسلامي على الإطلاق، لأنها هيأت الأرض ووفرت المناخ المناسب لإقامة مجتمع إسلامي مستقل ومتميز، فبدأت معالم هذا المجتمع تبرز للعيان، وتتابعت التشريعات في شتى المجالات بخاصة تلك التي تنظم العلاقات والمعاملات بين أفراد المجتمع الواحد.
لقد تضمن القرآن الكريم ربطاً بين إقامة الأحكام الشرعية وبين التمكين في المجتمع حيث قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 41]. فقد سيقت الآية الكريمة في مقام الشكر لبيان أن التمكين في الأرض يقتضي شكر الله تعالى بإقامة أحكامه التي أمر بها بسبب زوال كثير من عوائق التنمية. إذا فهم هذا، تبينت العلة التي من أجلها شنع القرآن الكريم على أولئك الذين آثروا البقاء والسلبية واستسلموا للمعوقات، ولم يهاجروا إلى أرض الإسلام للانضمام إلى المجتمع المسلم لتنميته وذلك في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 97] (هيفاء الشلهوب وأخريات، 1430هـ، ص: 250).
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|