شيب النبي ولون شعره صلى الله عليه وسلم
لم يضرب الشيب شعر الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان قليل الشيب، لم يُرَ في شعره بياضٌ سوى شعيرات معدودات في مقدم لحيته، وفي الرأس نبذ يسير. ولقلة هذه الشعرات؛ عدها الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، فقد سُئِل أنس بن مالك رضي الله عنه: أخضب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إنه لم يرَ من الشيب إلا نحو سبعة عشر أو عشرين شعرة في مقدم لحيته[1].
كما أخبر ابن سعيد أنه ما كان في لحية النبي صلى الله عليه وسلم ورأسه إلا سبع عشرة شعرة بيضاء. وفي بعض الأحاديث ما يفيد أن شيبه لا يزيد على عشرة شعرات، يواريهن الدهن ويخفيهن إذا ادهن صلى الله عليه وسلم، وكان دهنه صلى الله عليه وسلم الطيب والحناء.
وهذه الشعرات شابت من كثرة تدبر القرآن، والخوف والخشية من الله سبحانه وتعالى، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال أبو بكر: يا رسول الله، قد شبت. قال: "شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت"[2].وفي رواية: "شيبتني هود وأخواتها"[3].
وقد استقرت هذه الشعرات البيض في مفرق رأسه، وفي لحيته أسفل الشفة، أو بينها وبين الذَّقَن، وهي العنفقة الواردة في رواية البخاري من حديث حريز بن عثمان: أنه سأل عبد الله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم قال: أرأيت النبي صلى الله عليه وسلم كان شيخًا؟ قال: كان في عنفقته[4] شعرات بيض.
أما ما رواه قتادة قال: سألت أنسًا: هل خضب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: إنما كان شيء في صُدْغيه[5]. فمغاير للحديث السابق أن الشعر الأبيض كان في عنفقته، ووجه الجمع ما وقع عند مسلم من طريق سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه، قال: لم يخضب رسول الله، وإنما كان البياض في عنفقته وفي الصدغين، وفي الرأس نَبْذ. أي: متفرق. وعرف من مجموع ذلك أن الذي شاب من عنفقته أكثر مما شاب من غيرها. ومراد أنس رضي الله عنه أنه لم يكن في شعره ما يحتاج إلى الخضاب، وقد صرح بذلك في رواية محمد بن سيرين، قال: سألت أنس بن مالك: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خضب؟ قال: لم يبلغ الخضاب. ولمسلم من طريق حماد عن ثابت عن أنس: لو شئت أن أعد شمطات كن في رأسه لفعلت. زاد ابن سعد والحاكم: ما شانه بالشيب. ولمسلم من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: فقد شَمِط مقدمُ رأسه ولحيته، وكان إذا ادَّهن لم يتبين، فإذا لم يدهن تبين. وأما ما رواه الحاكم وأصحاب السنن من حديث أبي رمثة، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه بردان أخضران، وله شعر قد علاه الشيب، وشيبه أحمر مخضوب بالحناء. فهو موافق لقول ابن عمر: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب بالصفرة. وقد تقدم في الحج وغيره، والجمع بينه وبين حديث أنس أن يحمل نفي أنس على غلبة الشيب حتى يحتاج إلى خضابه، ولم يتفق أنه رآه وهو مخضب، ويحمل حديث من أثبت الخضب على أنه فعله لإرادة بيان الجواز ولم يواظب عليه.
وأما ما تقدم عن أنس وأخرجه الحاكم من حديث عائشة، قالت: ما شانه الله ببيضاء. فمحمول على أن تلك الشعرات البيض لم يتغير بها شيء من حسنه صلى الله عليه وسلم، وقد أنكر أحمد إنكار أنس أنه خضب، وذكر حديث ابن عمر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يخضب بالصفرة وهو في الصحيح، ووافق مالك أنسًا في إنكار الخضاب وتأول ما ورد في ذلك.[6]
وأما قول ربيعة: رأيت شعره أحمر. فقد قال ابن الجوزي عنه: أحمر من الطيب في هذا القول بعد. والظاهر أنه أحمر من الخضاب؛ لأنه قد روي عنه أنه كان يخضب شيبته بالحناء.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|