كان النبي صلى الله عليه وسلم أبيض مليحا مقصدا
كان صلى الله عليه وسلم أزهر اللون صافيه، مع إشراق واضح فيه، ليس بالآدم أي: شديد السمرة. الشديد الأدمة، ولا بالأبيض الأمهق أي: شدة البياض والبرص. الشديد البياض، وإنما يخالط بياضه حمرة، فعن أنس رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم أزهر اللون، ليس بأبيض أمهق ولا آدم. والأزهر: هو الأبيض المستنير المشرق، وهو أحسن الألوان. متفق عليه. وعن عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أبيض مشربًا بياضه حمرة. رواه أحمد والترمذي والبزار وابن سعد وأبو يعلى، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي.
وعن أبي الطفيل رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم أبيض مليحًا مقصدًا. رواه مسلم.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض تعلوه حمرة. رواه الطبراني في المعجم الكبير، وقال الهيثمي في المجمع: وفيه اثنان: أحدهما يحيى بن حاتم ولم أعرفه، والآخر بشر بن مهران، وثَّقه ابن حبان، وضعَّفه أبو حاتم. وبقية رجاله ثقات. وقد تقدم هذا من حديث عفيف الكندي. رواه أحمد وغيره، ورجاله ثقات.
قال الكلاباذي: قال ابن حجر في حديث أنس المتقدم: قوله: أزهر اللون. أي: أبيض مشرب بحمرة، وقد ورد ذلك صريحًا في روايات أُخر صريحة، عند الترمذي والحاكم وغيرهما: كان أبيض مشربًا بياضه بحمرة. فيض القدير، 5/ 94.
قال الكلاباذي: قال في الروض: الزهرة لغة إشراق في اللون؛ أيّ لون كان من بياض أو غيره، وقول بعضهم: إن الأزهر الأبيض خاصة، والزهر اسم للأبيض من النوار فقط. خطَّأه أبو حنيفة فيه، وقال: إنما الزهرة إشراق في الألوان كلها. وفي حديث يوم أُحد، نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تزهران تحت المغفر. انتهى. المرجع السابق.
وهذا اللون المشرق تحبه العرب وتتمادح به، يقول القلقشندي في صبح الأعشى: والألوان في البشر ترجع إلى ثلاثة أصول: وهي البياض والسمرة والسواد. ويعبر عن السواد بشدة الأدمة، وربما عبر عن البياض برقة السمرة. ويستحسن من هذه الألوان البياض، وأحسن البياض ما كان مشربًا بحمرة. وقد جاء في حديث ضمام بن ثعلبة أنه حين سأل عن النبي صلى الله عليه وسلم عند وفوده عليه بقوله: أيكم ابن عبد المطلب؟ قيل: هو ذاك الأمغر المتكئ. والأمغر هو المشرب بحمرة، أخذًا من المغرة؛ وهي الصبغ المعروف.
وقد تطلق العرب على هذا اللون أنه أسمر؛ ولهذا – كما يقول ابن حجر في فتح الباري: جاء في حديث أنس عند أحمد والبزار وابن منده بإسناد صحيح، وصححه ابن حبان: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أسمر. وقد رد المحب الطبري هذه الرواية بقوله: في حديث الباب من طريق مالك عن ربيعة: ولا بالأبيض الأمهق، وليس بالآدم. والجمع بينهما ممكن، وأخرجه البيهقي في "الدلائل" من وجه آخر عن أنس، فذكر الصفة النبوية، قال: كان رسول صلى الله عليه وسلم أبيض بياضه إلى السمرة. وفي حديث يزيد الرقاشي عن ابن عباس في صفة النبي صلى الله عليه وسلم: رجل بين رجلين، جسمه ولحمه أحمر. وفي لفظ: أسمر إلى البياض. أخرجه أحمد، وسنده حسن. وتبين من مجموع الروايات أن المراد بالسمرة الحمرة التي تخالط البياض، وأن المراد بالبياض المثبت ما يخالطه الحمرة، والمنفي ما لا يخالطه، وهو الذي تكره العرب لونه وتسميه أمهق". فتح الباري، ابن حجر 10/ 356.
ولهذا اللون أيضًا إشراق وصفاء يبهج الناظرين من غير فتنة، كأنما صيغ من فضة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض؛ كأنما صيغ من فضة رجل الشعر. أخرجه الترمذي في الشمائل، وهو صحيح بشواهده.
ومعنى قوله: كان أبيض كأنما صيغ. أي: خلق، من الصوغ، يعني الإيجاد؛ أي الخلق.
قال الزمخشري: من المجاز: فلان حسن الصيغة؛ وهي الخلقة، وصاغه الله صيغة حسنة، وفلان بين صيغة كريمة؛ من أصل كريم.
وقوله: من فضة. باعتبار ما كان يعلو بياضه من الإضاءة، ولمعان الأنوار، والبريق الساطع، فلا تدافع بينه وبين ما يأتي عقبه، من أنه كان مشربًا بحمرة، وآثره لتضمنه نعته بتناسب التركيب، وتماسك الأجزاء، فلا اتجاه لجعله من الصوغ بمعنى سبك الفضة. وقد نعته عمه أبو طالب بقوله:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ♦♦♦ ثمال اليتامى عصمة للأرامل
وفي رواية لأحمد: فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة. وفي أخرى للبزار ويعقوب بن أبي سفيان بإسناد قال ابن حجر: قوي عن سعيد بن المسيب، أنه سمع أبا هريرة يصفه فقال: كان شديد البياض. وفي رواية لأبي الطفيل عن الطبراني: ما أنسى شدة بياض وجهه، مع شدة سواد شعره. فيض القدير 5/ 88.
يقول الحافظ العراقي في صفة لونه:
أَبْيَض قَدْ أُشربَ حُمْرةً عَلَتْ ♦♦♦ وفي الصحيحِ أزهرُ اللونِ ثَبَتْ
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|