أبو عبد الله سيدي محمد بن محمد بن عبد الواحد بن يحيى بن عمر الحسني العلمي الموسوي
شاعر صوفي من فقهاء المغرب. له (ديوان العلمي) في طريقة ابن الفارض، وفيه تواشيح وأزجال، و (ديوان رسائل ومنظومات) في خزانة الرباط و (شرح الصلاة المشيشية) رسالة.
حياته
ولد سيدي محمد الحراق سنة 1186ھ (حوالي 1772 ميلادية) ونشأ بمدينة شفشاون، حيث عاش في كنف أسرة صالحة متدينة، ربّته على مكارم الأخلاق، وطلب العلم، والمحافظة على روابط الشريعة، فكان وعاءا مهيئا لجميع مشارب العلوم، وقد تنبه أبوه لحماسته، وشغفه بالعلم، وكذا فطنته وسرعة بداهته في التعلم منذ صغره، فقرر مرافقته إلى جامع القرويين بفاس، قصد استكمال تعليمه والارتشاف من بحر العلوم هناك، إلى أن أتمّ دراسته، فأصبح بعد ذلك عالما جليلا، ذو شهرة ومكانة كبيرتين، يحضر مجالسه العلمية كبار العلماء وأعيان البلاد، وطلاب العلم، والفقراء، مما جعل السلطان مولاي سليمان العلوي، يعينه خطيبا ومدرسا بالمسجد الأعظم بتطوان، خاصة حين سمع برِفعة شأنه، وعلو همته، وغزارة علمه.
«كان فقيها مدرسا له معرفة بالفقه وأحكامه، والحديث والسير والأصول، تصدر لنشر العلوم بمدينة تطوان مدة طويلة، وانتفع بعلومه خلق كبير... وله أنظام في الحقيقة، ومذكرات بالطريقة، شهيرة شهرة شمس الظهيرة... وكانت همته رضي الله عنه في جميع الأمور عالية.. متواضعا في لباسه.. ويأكل ما تيسر من الطعام، مع ما كان عليه من الكرم والمواساة…»
تولى إمامه المسجد الأعظم في تطوان الذي بناه السلطان سليمان له وفي السنين الأخيرة سار الجامع الكبير معهدا للتعليم الديني الإسلامي وكان يبلغ طلابه أحيانا إلى المئات وقد شاهد هذا المسجد عددا من العلماء من أئمة ومدرسين منهم الحراق والزواق والرهوني وغيرهم.
لقد سلك سيدي محمد الحراق طريق القوم على يد الشيخ مولاي العربي الدرقاوي، الذي طابت به نفسه، وتلاشت بصحبته أسقامُه، حيث «...لقَّنَهُ الأوراد، وبيّن له المُراد، ولم يأمره بخرق العادة، ولا كشف رأس ولا لبس مرقعة، وإنما حضّه على كثرة ذِكر الله، وجمع القلب على الله، وإخلاص العبودية إلى الله، وأذِن له في إعطاء الأوراد والتربية».
وبذلك أخذ الشيخ محمد الحراق العبرة، وفهِم الحكمة، فتجرد من علمه الذي كان يفتخر به، وتغلغل في قلب الطريق، جاعلا علمه الغزير، مَطِيَّةً لخدمة النفس والفرد، خاصة وأن العلم هو باب معرفة الله ومفتاحها، يقول الشيخ سيدي محمد الحراق: «... فما فائدة هذا العلم والجاه، الذي لا يوصل صاحبه إلى الله، ولا يُعَرِّفُهُ مَولاه».
من ديوانه الشعري
عرفان
تـقـدَّم لي عـنـد المهـيـمن سـابق.......................من الفضل واستدعاه حكم المشيئة
فلي عـزة الملك القـديــم لأنـنــي............. بـعــزة ربــي في العوالــم عــزتي
ولي مقعد التـنزيه عن كل حادث.........................ولي حضرة التجـريد عن كل شـركة
جلست بكرسي التـفـرد فاستـوى..........................من الله عرش لي على ماء قــدرتي
تراني ببطـن الغـيب إذ أنا ظـاهر.................. وما ثَـمَّ غـيري ظاهر حـين غـيبـتـي
تجليت من لوح البطون ولم يكن....................... تجـلى مـنـه غـيـر تحـقـيـق حكــمتي
تَقَرَّبَ حتّى صـارَ مُتَّحِدَا بـِهِ...........................فأصبحَ في كُلِّ المَلامِعِ يُشْــرِقُ
تَقَدَّمَ حتّى صارَ للكُلِّ آخِـرَا.........................تأَخَّرَ حتّى صار لِلْكُلِ يَسْبِقُ
بهِ ولَهُ مِنـْـهُ المَظاهِرُ أُفْرِدَتْ.......................فَـمِنْهُ لَهُ عَنْـهُ إِذََ َا تَتَفَرَّقُ
من أقوال وحكم سيدي محمد الحراق
"إني ربحت من باب الفضل، فلا أدل إلا عليه، وما من شيخ إلا يدل على السبيل الذي مر عليه ولا يوصل إلا إلى المقام الذي انتهى إليه.
لو كنت أعلم أحدا بقُنَّةِ جبل يريد الوصول إلى الله، لأتيت إليه، وأخذت بيده ابتغاء مرضاة الله وترغيبا للإقبال على الله.
ما رأيت أنفع لقلب المتوجه الصادق من ذكر الله.
إن الهمة العالية هي التي لا ترضى بدون الله، إذ ليس وراء الله وراء."
وفاته
توفي سيدي محمد الحراق عام 1261ھ (1845م) ودفن بتطوان بزاويته المشهورة، الزاوية الحراقية، وهي لا زالت لحد الآن، مزارا لمريديه، وكافة الزوار الذين عرفوا قدره، وسمعوا بسيرته الطيبة.