التحام الفريقين في غزوة بدر الكبرى
قال ابن إسحاق: ثم تزاحف الناس، ودنا بعضهم من بعض، وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه ألا يحملوا حتى يأمرهم، وقال: "إن اكتنفكم القوم فانضحوهم عنكم بالنبل"[1]، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العريش، معه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - [2].
الرسول - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن قتل أناس من المشركين:
إن معركة بدر لم تقم من أجل مصالح دنيوية، أو عداوات قبلية، وإنما قامت لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه بعدم التعرض لبعض كفار قريش لأمرين اثنين:
الأول: علم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنهم إنما خرجوا مكرهين، كما ثبت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
الثاني: ما لهم من يد عند المسلمين، لما قدموه من نصرة للإسلام في أول الدعوة، ولو غير مؤمنين بها. والنبي - صلى الله عليه وسلم - حفظ لهم هذا، ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشمل عفوه ذلك بني عبد المطلب فحسب، وإنما شمل أيضاً أناساً آخرين، منهم أبو البختري بن هشام[3].
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث علي- رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم يوم بدر: "من استطعتم أن تأسروا من بني عبد المطلب، فإنهم خرجوا كرهاً"[4].
وروى ابن إسحاق بسنده إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه يومئذ: "إني قد عرفت رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث بن الأسد فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يقتله، فإنه إنما خرج مستكرهاً"، قال: فقال أبو حذيفة: أنقتل آباءنا، وأبناءنا، وإخواننا، وعشيرتنا، ونترك العباس؟ والله لئن لقيته لأُلحِمنه السيف، قال ابن هشام: "ويقال لألجِمنة"[5] قال: فبلغت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: لعمر بن الخطاب: "يا أبا حفص"، قال عمر: والله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبي حفص: "أيُضرب وجه عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسيف؟" فقال عمر: يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه بالسيف، فوالله لقد نافق، فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفاً إلا أن تكفرها عني الشهادة، فقتل يوم اليمامة شهيداً[6].
قال ابن هشام: وإنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل أبي البختري، لأنه كان أكفَّ القوم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة، وكان لا يؤذيه، ولا يبلغه عنه شيء يكرهه، وكان ممن قام في نقض الصحيفة التي كتبت قريش على بني هاشم وبني المطلب، فلقيه المجذر بن ذياد البلوي حليف الأنصار، ثم من بني سالم بن عوف، فقال المجذر لأبي البختري: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد نهانا عن قتلك، ومع أبي البختري زميل له قد خرج معه من مكة، وهو جنادة بن مليحة بنت زهير بن الحارث بن أسد، وجنادة رجل من بني ليث، واسم أبي البختري: العاص، قال: وزميلي؟ فقال له المجذر: لا والله ما نحن بتاركي زميلك، ما أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بك وحدك، فقال: لا والله إذا لأموتن أنا وهو جميعاً، لا تحدث عني نساء مكة أني تركت زميلي حرصاً على الحياة، فقال أبو البختري حين نازله المجذر وأبى إلا القتال يرتجز [من الرجز]:
لن يُسلم ابن حُرّة زميلَهُ[7]
حتى يموت أو يرى سبيلَهُ
فاقتتلا، فقتله المجذر بن ذياد.
وقال المجذر بن ذياد في قتله أبا البختري [من الرجز]:
إما جهلتَ أو نسيتَ نسبي
فأثبِت النِّسبـة إنـي من بَلـي
الطاعنـين برماح اليَزَنـِي
والضاربين الكبش حتى يَنْحَني[8]
بَشِّر بِيُتْم من أبيه البَختري
أو بشرن بمثلها منّي بني
أنا الذي يقال: أصلي من بَلي
أطعن بالصَّعْدة حتى تنثني[9]
وأعبِطُ القِرْنَ بعضب مشرفي[10]
أُرْزِمُ للموت كإِرْزام المَرِي[11]
فلا ترى مُجَذَّراً يفري فَرِي[12] [13]
قال ابن إسحاق: "ثم إن المجذَّر أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: والذي بعثك بالحق، لقد جهدت عليه أن يستأسر فآتيك به، فأبى إلا أن يقاتلني فقاتلته، فقتلته"[14] قال ابن هشام: أبو البختري العاص بن هشام ابن الحرث بن أسد.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|