السيرة ووجوب معرفة أحوال الجاهلية (7) - منتديات احساس ناي

 ننتظر تسجيلك هـنـا

{ فَعِاليَآت احساس ناي ) ~
                             


عدد مرات النقر : 350
عدد  مرات الظهور : 9,926,570
عدد مرات النقر : 332
عدد  مرات الظهور : 9,926,567
عدد مرات النقر : 226
عدد  مرات الظهور : 9,926,606
عدد مرات النقر : 177
عدد  مرات الظهور : 9,926,606
عدد مرات النقر : 328
عدد  مرات الظهور : 9,926,606

عدد مرات النقر : 26
عدد  مرات الظهور : 3,444,725

عدد مرات النقر : 55
عدد  مرات الظهور : 3,439,314

عدد مرات النقر : 22
عدد  مرات الظهور : 3,439,838

العودة   منتديات احساس ناي > ๑۩۞۩๑{ القسم الاسلامي }๑۩۞۩๑ > › ~•₪• نبـي الرحمه وصحابته~•₪•

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 01-22-2024, 04:10 PM
حكاية ناي ♔ متواجد حالياً
Saudi Arabia     Female
SMS ~ [ + ]
لولا سعة الأمل لضاقت بنا الحياة
اللهم أيام كما نُحب و نتمنى ..♥️
Awards Showcase
 
 عضويتي » 16
 جيت فيذا » Sep 2022
 آخر حضور » اليوم (05:55 PM)
آبدآعاتي » 3,720,567
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »
 التقييم » حكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond repute
الاعجابات المتلقاة : 2265
الاعجابات المُرسلة » 799
مَزآجِي   :  08
?? ??? ~
لولا سعة الأمل لضاقت بنا الحياة
اللهم أيام كما نُحب و نتمنى ..♥️
 آوسِمتي »
 
افتراضي السيرة ووجوب معرفة أحوال الجاهلية (7)

Facebook Twitter


أما أسباب عودة مظاهر الجاهلية وانتشارها فهي:

1- الحُكم بغيرِ ما أنْزلَ الله وتَعطيل العمَل بالشريعة وعدَم تطبيقها على مستوَى الأُمَّةِ:

فأمَّا جاهلية المجتمَع فمردُّها إلى أنَّ هناك (مظلَّة جاهليَّة) تُظلِّل المجتمَع، هي الحُكمُ بغير ما أنْزَلَ الله، وهي مَظلَّة تُظلِّل كلَّ الناس الواقفين تحتَها، بما في ذلك الدُّعاة إلى الله! أمَّا الناس الواقِفون تحتَ المظلَّةِ فالحُكم عليهم - كما بيَّن رسول الله - مستمَدٌّ مِن موقفِهم هم مِن المظلَّة! فمَن رضِي بها فهو منها، ومَن أنكرها فله حُكمه الخاص: ((.. فمَن جاهَدَهم بيدِه فهو مؤمِن، ومَن جاهَدَهم بلسانِه فهو مؤمِن، ومَن جاهَدَهم بقلْبِه فهو مؤمِن، وليس وراءَ ذلك مِن الإيمانِ حَبَّةُ خَرْدَل))، ((فمَن كَرِه فقد بَرِئ، ومَن أنْكَر فقد سَلِم، ولكن مَن رضِي وتابع))[1].



2- محارَبة التديُّن على مستوَى الأفراد والأُسَر: لأنَّ موقِفَ الجاهليَّة مِن دعوة لا إله إلا الله لم يكُنْ مسألةً شخصيَّةً ولا فرديَّةً، إنَّما هي ظاهِرةٌ بَشريَّةٌ متكرِّرة حيثما وُجدتْ جاهلية ووُجدتْ دعوة للا إله إلا الله في أيِّ مكان في الأرض، وفي أيِّ زمان في التاريخ، فلا تدَعُ الجاهلية دعوةَ الله تتمكَّن في الأرض وهي قادرةٌ على خنقها وإبادتها! لم يحدُثْ ذلك في التاريخ كله، ولا يُمكن أن يحدُث إلا أن يشاءَ الله ذلك؛ ﴿ فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾ [يونس: 98][2].

3- عدَم السَّعي للنخبة الفاعلة (رُؤساء وحكَّام الأمَّة - إلاَّ مَن رحِم ربك) لانتشارِ دِين الله في الأرض.

4- عدَم فَهْم أحداثِ السِّيرة النَّبويَّة فَهمًا صحيحًا والتأسِّي بالنبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعدَم تنزيلِ كلِّ حدَثٍ من أحداثها في فِقه الواقع - مهَّدَ لانتشارِ تلك المظاهِر الجاهليَّة.



5- تَعطيل الجهادِ وتغييب الغاية الشرعيَّة له:

وهو عنصرٌ غايةٌ في الأهمية؛ لأنَّ الذلَّ الذي تعيشه الأمَّة إنما حدَث بسببِ تغييب الجهاد، والأحاديث في ذلك كثيرة.

يقول الشيخ محمد قطب: لم يكُنِ الجهاد من أجلِ فَرْض العقيدة على الناس، إنَّما كان الجهادُ مِن أجْل أمرٍ آخَر، هو إزالةُ العَقَبات التي تحول بيْن الناس وبيْن الاستماعِ إلى الحقِّ كما هو حقيقته، ومتمثِّلة تلك العقبات في نُظُمٍ جاهليَّةٍ تَحميها جيوشٌ جاهليَّة وحكوماتٌ جاهليَّة، فإذا أُزيلت هذه العقبات فالناس أحرارٌ يختارون لأنفسِهم ما يَقتنعون به بغيرِ إكراه؛ ولأنَّه جرَى تشويه متعمَّد لحقيقة الجهاد مِن قِبل أعداء هذا الدِّين، فلا بدَّ مِن شرْح هذه القضية، وما يترتَّب عليها.



إنَّ الحقَّ لا يصِل للناس مجردًا بمجرَّد أن يُلقَى به إليهم في بيانٍ أو كتابٍ، أو درسٍ أو محاضرةٍ أو إعلان، فإنَّما تنكسِر الأفكار كما ينكسِر الضوءُ حين يخرُج من وسطٍ ذي كثافة معيَّنة إلى وسطٍ آخَرَ ذي كثافة مختلفة، فلا يصِل شعاعُ الحق مستقيمًا إلى الناس حين يكونون محاطين بغِلافٍ معيَّن من الأفكار والنُّظُم، التي تَحميها قوَّةٌ ذات ثِقل، فأمَّا إذا زالتِ القوة التي تَحمي تلك الأفكارَ والنُّظم، فالناس أحْرى يومئذٍ أن يروا ما في واقعِهم من زيف، وما في الدعوةِ التي يُدعَوْن إليها من حق؛ ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 1 - 3]، فإنْ دخَلوا في الحقِّ فبِها ونِعمت، وإنِ اختاروا الباطلَ وأصرُّوا عليه فلهُم ذلك، على مسؤوليتهم! تلك هي حقيقةُ الجهاد في الإسلام[3].

إنَّ الرِّضا بهذا الذلِّ الذي تستشعره الأمَّة ويَسرِي في أعماقِها يجعلها تَرضَى بقوانين الجاهليَّة، فما الذي تستطيع أن تفعلَه الأمَّة وهي تشعُر بالخنوع والذلِّ من تغيُّر؟ فإذا فُرِض قانونٌ جاهلي عالَمي، فإنَّنا كأذلاء مقهورين نَرضَى ولا نستطيع أن نغيِّر فنمشي في رِكاب القوم مختارين لقِيَمهم ومفاهيمهم!



6- سيطرة القُوى الكافِرة على العالَم وتحكُّمها في مصيرِه وفي قراراتِه ما دقَّ منها وما عظُم.

7- انتشار الفواحِش بصورةٍ لم يسبقْ لها مثيلٌ في التاريخ، وحدِّثْ عن ذلك دون حرَج، فالأمثلة أكثرُ مِن أن تُحصَى في الميادين كافَّة.

ولكن ما السرُّ في انتشارِ تلك الفواحش؟ لعلَّ السرَّ الأكثر خُطورةً هو ضمانُ الجاهلية لعدَم المعارضة، فالذي يَعشق الانحرافَ أَنَّى له أن يَستعلي بآرائه، وقِيمه ومُثُله العُليا؟! فعملتِ الجاهلية على أن تغمسَ هذا الانحراف في النفوس.



8- أنَّ الجاهلية محبَّبة إلى نفوس أهلِ الكفر وأهلِ الأهواء والبغي والظُّلم؛ إذ لا فروضَ تُقيِّدهم ولا واجبات تُكبِّلهم، إنَّما الأمر كله مُباح، فعمِلوا على انتشار ما تهواه نفوسُهم، بل وحطَّموا جميعَ القيود لوصولِ ما تهواه نفوسُهم من الرذيلة إلى الفِئة المؤمنة؛ لضمانِ نجاح المسيرةِ الجاهلية في طريقِها الحالِمِ الذي تَبغِي نشرَه وانتشاره، ولك في أنظمةِ العالَمِ خيرُ مثال كالشيوعيَّة مثلاً، فالجاهليُّ يفرُّ فرارَه مِن الأسد ويتضرَّر إذا سمِع مَن يقول: إنَّ الزنا والخمر والرِّبا حرام، فيستكبر على تلك القواعدِ ويأباها؛ لأنَّ نفسَه مُقيمةٌ على المعصية، ولا يُقيمُ العبدُ على معصيةٍ إلا وجميع أعماله مقترِنة بالهوى.



9- عُكوف أهلِ التقاليد والعادات الباطِلة عليها:

إنَّ سلطانَ الأعراف والتقاليد والعادات على الحياةِ الاجتماعيَّة كبير؛ ولذا كان على الرسولِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يُلغِيَ منها ما يَتعارَضُ مع الإسلام إلغاءً عمليًّا؛ حتى يثبتَ المعنى الإسلاميّ الجديد مكانَ العُرفِ الجاهلي المُلغَي[4].

فالعُرْف في الجاهليَّة بلَغ مبلغَ العبادة في المهابَة والرِّعايةِ وتسخيرِ النُّفوس لحِكمهِ بما يفرِضه عليها مِن العادات، وما هي في الواقعِ إلا ضَرْبٌ من العبادات يملك الإنسانَ في جميعِ أوقاته وعلاقاته، حيث تتراخَى عنه أحيانًا سطوةُ العبادات الدِّينيَّة، ولعلَّ العباداتِ الدِّينيةَ لم يكُن لها مِن سطوةٍ في عصور الجاهليَّة وما شابَهها؛ إلا لأنَّها تستمدُّ تلك السطوةَ مِن العادات[5].



10- محاولة أهلِ العقلانيَّة البشريَّة التصدِّي لطريقِ التلقِّي:

فحيثُما حاولَ العقلُ البشري أن يسلكَ طريقًا غير (طريق التلقِّي من المصدرِ الربَّاني بدونِ مقرَّراتٍ سابقةٍ له فيما يتلقَّى)، جاء بالخبْطِ والتخليط الذي لم يسبقْ قطُّ في تاريخ الفِكر البشري، يَستوي في الخبطِ والتخليط تلك الجاهلياتُ الوثنيةُ التي انحرَفتْ عمَّا جاء به الرسلُ - صلوات الله وسلامه عليهم - والجاهليات اللاهوتية التي أدخلتْ على الأصلِ الربَّاني الإضافاتِ والتأويلاتِ التي اصطنعَها العقلُ البشري وَفقَ مقولاته الذاتيَّة، أو اقتبسها مِن الفلسفة وهي مِن مقولاتِ هذا العقل أصلاً، والجاهليات الفلسفيَّة التي استقلَّ الفكرُ البشريُّ بصُنعِها، أو أضافَ إليها تأثيراتٍ مِن الدياناتِ السماويَّة[6].

يقول فضيلة الشيخ/ محمد قطب: إنَّ الجاهليةَ حالةٌ وُجدت كثيرًا في التاريخ البشريِّ مِن قَبلُ، في الجزيرة العربية وغيرها، وإنَّها قابلةٌ للعودة حيثما وُجِدتْ عناصرها ومقوِّماتها في أيِّ عصرٍ وفي أي قرنٍ من القرون!



ولا بأس - بل ربَّما يَنبغي من أجْلِ توضيح هذا المعنى وتعميقه - أن ندرسَ نماذجَ من الجاهليات البشريَّة الأخرى غير الجاهليَّة العربيَّة؛ كالجاهليَّة الفرعونيَّة، والهنديَّة، واليونانيَّة، والرومانيَّة، والفارسيَّة، وكلها جاهلياتٌ حفِظ التاريخُ وقائعَها، ولدينا بياناتٌ كافية عنها، على أن نُبرزَ نُقطتين هامتين تزيلانِ الغبشَ مِن نفْس الدارس وفكره ومشاعره.

الأولى: أنَّ مظاهرَ الجاهلية تختلِف اختلافًا بيِّنًا من بيئة لبيئةٍ، ومِن عصر لعصر، ولكنَّها تستوي جميعًا في أنَّها كلَّها تجهَل حقيقةَ الألوهيَّة وتتَّبع غيرَ ما أنزل الله.

والثانية: أنَّ أي جاهلية من جاهليات التاريخ لم تخلُ مِن - براعات - بشريَّة في مختلف نواحي الحياة، ولم تخلُ مِن تحقيقِ بعض الخيرِ للناس، ولكن هذا الخير الجُزئي لا يُؤتِي ثمارَه الكاملة في حياةِ الناس، ويَضيع أثرُه في النهاية؛ بسببِ الشرِّ الجوهريِّ الأكبر، وهو رَفْض الهُدى الربَّاني، واتِّباع منهجٍ للحياة غيرِ منهجِ الله، وذلك حتى لا يُفتنَ الدارسُ بمظاهرِ التقدُّمِ العِلمي والعمراني الموجودة في بعضِ الجاهليَّات فيظنَّ مِن أجل ذلك أنَّها ليستْ جاهليَّات! وهذه الفتنة حادثةٌ بالفعل، وبصِفة خاصَّة بالنسبة للجاهليَّة الفِرعونيَّة، والجاهليَّة اليونانيَّة، والجاهليَّة الرومانيَّة، وجاهليَّة القَرن العشرين! بسببِ أنها تُدرَس دائمًا على أنَّها "حضارات"، ولا يُذكَر عنها في أيِّ مرة أنها جاهليَّات! وبسببِ التركيزِ في تلك الدِّراساتِ على جانبٍ واحد مِن حياة الإنسان، هو المتعلِّق بعمارةِ الأرض، دون التنبيهِ إلى المهمَّة الرئيسيَّة للإنسان، وهي عبادة الله؛ ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].

﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162 - 163]، وأنَّ عمارةَ الأرض هي جزءٌ مِن نشاط الإنسان في الأرْض وهدفٌ مِن أهداف حياته؛ ﴿ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61].



ويجب أن نوضِّح: أنَّ الجاهليَّةَ ليستْ محصورةً في عبادة الأصنام ووأدِ البنات، وشُرب الخمر، ولعب الميسِر، وغارات السَّلْبِ والنَّهْب... إنما هذه كلها كانتْ (مظاهر) الجاهليَّة في الجزيرةِ العربيَّة قبلَ الإسلام، أمَّا الجاهليَّة ذاتها فهي الجوهرُ الذي تصدُر عنه هذه المظاهِر، وقد تصدر عنه مظاهرُ مختلفةٌ تمامًا في مكانٍ آخَرَ أو زمان آخَر كما حدَث بالفعلِ خلالَ التاريخ، ولكن الجوهر هو الجوهرُ في جميع الحالات: الجهل بحقيقةِ الأُلوهية، واتِّباع غير ما أنزل الله.

هذا الجوهر هو:

أولاً: حالة عقلية تجهل وتتمسَّك بالخرافة.

ثانيًا: وحالة نفسيَّة ترفُض الاهتداءَ بهُدى الله.

ثالثًا: ووضْع تَنظيميّ سلوكيّ يرفُض اتباعَ منهجِ الله، وهو ظاهرةٌ بشريةٌ تحدُث للبشَرِ في أيِّ مكانٍ أو زمانٍ لا يكون الإسلامُ هو الحَكم في تصوُّرات الناسِ ومشاعرهم وواقِع حياتهم، وليس منحصرًا في زمانٍ ولا مكانٍ ولا بيئةٍ، ولا وضْعٍ اقتصاديٍّ أو اجتماعيٍّ أو سياسيٍّ أو حضاريٍّ معيَّن، فكما أنَّ الإسلامَ يمكِن أن يوجدَ في أي زمان ومكان وبيئة حين يَعبُد الناسُ اللهَ حقَّ عبادته ويتَّبعوا شريعتَه - كما حدَث في واقعِ الأرض على يدِ آدمَ ونوح والنبيِّين من بعده - فكذلك الجاهلية يُمكِن أن توجدَ في أيِّ زمنٍ أو مكان أو بيئة أو وضْع، حين يرفُض الناس الاهتداءَ بهُدى الله ويتَّبعون غيرَ منهج الله[7].

11- كثرة الباطِل وتفشِّيه.

12- الرُّكون إلى الظالمين.

13- مَيل السلطة الدِّينيَّة - إنْ صحَّ التعبير - في كثيرٍ من بلدانِ المسلمين لأهواءِ الحكَّام.

14- التخلُّص منِ ربقة الأوامرِ؛ إذ لا نواهي للجاهليَّة مطلقًا تُنافي هوَى العبد.

15- الضَّرْب على وترِ الحريَّة وما ترغبه النفسُ وتتمنَّاه وتشتهيه.



16- قلب الحقائق:

مثال: في تونس أصْدَر أبو رقيبة الهالك سنة 1421هـ قانونًا بمنْعِ الحجاب وتجريمِ تعدُّد الزوجات، ومَن فعَل فيُعاقب بالسجن سنةً وغرامة مالية! كما أصدر قراراتٍ عدوانيةً على الشريعة، منها: إطلاق الحريَّة للمرأة إذا تخطَّتِ العشرين مِن عُمرها أن تتزوَّجَ بدون موافقةِ والديها، ومعاقبة مَن يتزوَّج ثانيةً بالحلالِ وتَبرئة مَن يُخادن عشرةً بالحرام! وفي مجلَّة العربي نُشِر استطلاع عن تونس وفيه صورةٌ للوحات الدِّعاية المنصوبة في الشوارع في كلِّ ميدان لوحتان، إحداهما تمثِّل أسرة تَرتدي الزيَّ المحتشِم مشطوبةً بإشارة (x)، والأُخرى تمثِّل أسرةً متفرنجةً متبرِّجة ومكتوب عليها (كوني مِثل هؤلاء)؛ ولذا قال الشاعر العراقيُّ محمد بهجت الأثري المتوفَّى سنة 1416هـ - رحمه الله -:

أَبُو رُقِيبَةَ لاَ امَتَدَّتْ لَهُ رَقَبَهْ ♦♦♦ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ يَوْمًا لاَ وَلاَ رَقَبَهْ"[8]



وبناءً على مفهومِ العلمانية فإنَّ التبرُّجَ حضارة، والعُري تقدُّم، والفاحِشة والجِنس حريَّة، أما السِّتر والعفاف فتخلُّف ورجعيَّة!



17- أنَّ العامَّةَ تَنخدِع بمنتهَى البساطة:

وكما تكونُ البساطة أساسًا في أسلوبِ عَرْض قضايا الدعوةِ كذلك تفعَلُ الجاهليةُ في مواجهةِ قضايا الدعوة[9].

فعندَ الصِّراع بيْن الحقِّ والباطل وانتفاشِ الباطل وظهورِه تَنخدِع العامَّةُ بمنتهى البساطة، فالجماهير في ظلِّ الجاهليةِ تتحمَّس لمواقفَ وهميةٍ لزعيمها؛ مما يؤدِّي إلي تضاعُفِ رموز السيطرة في إحساسِ الجماهير، وحقيقة هذا الإحساس الجماهيري في ظلِّ الوضع الجاهلي يكون ممتزجًا بالسذاجةِ المغلَّفة بالمنطق العقلاني، ومِن خِلاله تنطلق دلائلُ نظرية عقليَّة يُمكن نقضُها، ولنضربْ لذلك مثالين:

المثال الأول: قضية النمرود مع إبراهيم - عليه السلام -: ﴿ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ﴾ [البقرة: 258].

المثال الثاني: قضية فِرعون مع موسى - عليه السلام -: ﴿ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ ﴾ [غافر: 36]، وكِلاهما قضيةٌ عقلانيَّة منطقيَّة مطروحة أمامَ الجماهير.



18- انسحاب المسلمين مِن الميدان وتنازلهم عن قيادةِ العالَم:

يقول الإمام/ أبو الحسن الندوي - رحمه الله -: لأسبابٍ تاريخيَّة عقلية، طبيعيَّة قاسِرة، تحوَّلتْ أوربا النصرانيَّة جاهليَّة ماديَّة، تجرَّدتْ مِن كلِّ ما خلَّفته النبوةُ مِن تعاليمَ رُوحية، وفضائل خُلُقيَّة، ومبادئ إنسانيَّة، وأصبحتْ لا تؤمِن في الحياة الشخصيَّة إلا باللذَّةِ والمنفعة الماديَّة، وفي الحياة السياسيَّة إلا بالقوَّة والغَلبة، وفي الحياة الاجتماعيَّة إلا بالوطنيَّة المعتدية والجنسيَّة الغاشمة، وثارتْ على الطبيعة الإنسانيَّة، والمبادئ الخُلُقية، وشُغِلتْ بالآلات، واستهانتْ بالغايات، ونَسِيتْ مقصدَ الحياة، وبِجهادها المتواصِل في سبيلِ الحياة وبسعيِها الدائبِ في الاكتشاف والاختبارِ مع استهانتِها المستمرَّةِ بالتربيةِ الخُلُقيَّة وتغذية الرُّوحِ وجُحودها بما جاءتْ به الرسل، وبإمعانها في الماديَّة، وبقوَّتها الهائلة مع فقدان الوازعِ الدِّيني، والحاجِز الخُلُقي، أصبحتْ فيلاً هائجًا، يدوس الضعيف، ويُهلِك الحرث والنسل، وبانسحابِ المسلمين مِن مَيدان الحياةِ وتنازلهم عن قيادةِ العالَم وإمامة الأمَّة، وبتَفريطِهم في الدِّين والدنيا، وجِنايتهم على أنفسِهم وعلى بني نوعهم، أخذتْ أوربا بناصيةِ الأُمم، وخَلَفتهم في قيادةِ العالَم، وتسيير سفينةِ الحياة والمدنية التي اعتزل ربَّانُها، وبذلك أصبح العالَم كلُّه - بأممه وشعوبه ومدنياته - قِطارًا سريعًا تسير به قاطرةُ الجاهليَّة والماديَّة إلى غايتها، وأصبح المسلمون - كغيرهم مِن الأمم - رُكَّابًا لا يَملِكون من أمرهم شيئًا، وكلَّما تقدَّمتْ أوربا في القوَّة والسرعة، وكلَّما ازدادتْ وسائلها ووسائطها، ازدادَ هذا القطار البشريُّ سرعةً إلى الغاية الجاهليَّة حيث النار والدمار والاضطراب والتناحُر والفوضَى الاجتماعي، والانحطاط الخُلُقي، والقَلَق الاقتصادي، والإفلاس الرُّوحي، وها هي أوربا تَستبطئ الآن أسرعَ قِطار، وتُريد أن تصلَ إلى غايتها بسرعة الطائرة، بل بسرعة القوَّة الذريَّة.



وليس على وجهِ الأرض اليوم أُمَّة أو جماعة تُخالِف الأممَ الغربيَّة في عقائدِها ونظرياتها وتُزاحمها في سَيْرها وتُعارِضُها في وجهتِها وتُناقِشها في مبادئها وفلسفتها الجاهليَّة، ونِظام حياتها الماديِّ لا في أوربا ولا في أمريكا، ولا في إفريقية وآسيا، والذي نرَى ونسمع مِن خلاف سياسي ونزاعٍ بيْن الأمم، فإنَّما هو تنافُس في القِيادة، وتنازُع فيمَن يكون هو القائِد إلى هذه الغاية المشترَكة، فدلَّ المحورُ أنها إنما كانت تكره أن يبقَى الحلفاءُ مستبدين بالقيادة العالميَّة منذُ زمَن طويل، مستأثرين بمواردِ الأرْض وخيرتها وأسواقها ومستعمراتها، وبشرَفِ السِّيادة على العالَم وحْدَهم، مع أنَّها لا تقلُّ عنهم في القوَّة والعِلم، والنِّظام والنبوغ والذكاء، بل ربَّما تفوقهم، أما إنَّها كانت تُريد أن تسيرَ إلى غايةٍ أخرى وأن تَقومَ بدعوةِ المسيح، وتُقيم في الأرض القسط، وأن تقودَ الأمم إلى الدِّين والتقوى وتنصرِف بها وتتَّجه من الماديَّة إلى الرُّوحانيَّة والأخلاق، فهيهات هيهات!



أمَّا رُوسيا الشيوعيَّة فليستْ إلا ثَمرَةَ الحضارة الغربية، قد أينعتْ وأدركت، ولا تمتاز عن الشُّعوبِ والدول الأوربيَّة إلا أنَّ روسية قد خلعتْ جلباب النِّفاق والزُّور ونفَّذت ما تزوِّره وتبطنه الأممُ الغربية منذُ زمن طويل، وتَعتقده منذُ قرون في الأخلاق والاجتماع، وقد استبطأتْ روسية سيرَ هاتيك الأمم والدول في سبيلِ الإلحاد واللادينيَّة والإباحيَّة والماديَّة البهيميَّة، فهي تُريد أن تتولَّى قيادةَ العالَم، وتسير بالأمم الإنسانيَّة سيرًا حثيثًا إلى ما وصلتْ إليه[10].



ويَجِب تجليةُ حقيقة أنَّ أوربا الجاهلية برزتْ حين ضعُفتِ الأمَّةُ الإسلاميَّةُ وتَخلَّفت عن حقيقةِ الإسلام، وهنا نُقطتان تحتاجانِ إلى إبرازٍ في ذِهن المسلم المعاصر:

1- أنَّ أوربا أُمَّة جاهليَّة بالمصطلح القُرآني مهما بلغتْ مِن التقدُّم العِلمي والقوَّة الماديَّة؛ لأنَّها لا تَعبُد الله حقَّ عِبادته، ولا تُطبِّق المنهج الربَّاني في واقِع حياتها.

2- أنَّ قوةَ أوربا ذات صِلة عكسيَّة بقوَّة الأمَّةِ الإسلاميَّة.

إنَّ هناك وهمًا يسيطر على الأذهان بسببِ قوَّة أوربا الحالية، مفاده: أنَّ أوربا أمَّة حضاريَّة بذاتها متفوِّقة بذاتها، عبقريَّة بذاتها، غلاَّبة بذاتها، وأنَّها كانت قَمينةً أن تبرز وتسيطر وتتمكَّن في الأرض بمزاياها الذاتيَّة بصَرْفِ النظر عن قوَّةِ الأمَّة الإسلاميَّة أو ضعفها!



إنَّ هذا الوهمَ يُنشِئه في نفسِ أوربا الغُرورُ الأوربي المشهور، أمَّا ما يُنشِئه في نفوسِ المسلمين المغلوبين على أمرِهم فهو الهزيمة الداخليَّة تُجاهَ الغرْب، والانبهار الذي تُحدِثه الهزيمةُ الداخليةُ في النفوس، وبمراجعةِ وقائعِ التاريخ يتبيَّن فسادُ هذا الوهم، فماذا كانتْ أوربا قبلَ احتكاكها بالمسلمين؟ وماذا كانتْ قبلَ أن تضعُفَ قوةُ المسلمين وتنقضَّ على العالَم الإسلامي وتنهَب خيراتِه؟!

إنَّ قوةَ أوربا الحالية قد نَشَأتْ مِن هذين الأمرين معًا: فمِن احتكاكها بالمسلمين اكتسبتِ الرغبة في الوجودِ والحياة والحرَكة والعِلم والنهوض، بعدَ أن ظلَّتْ غافيةً غافلةً في ظلِّ الكَنيسة بِضعةَ قرون، ولو كانتْ راقية بذاتها، حضاريَّة بذاتها، عبقريَّة بذاتها، غلاَّبة بذاتها ما قَبِلَتِ الدين المزيَّف الذي قدَّمه لها بولس ابتداءً، ولا استساغتْه، ولا خضعَتْ لظلم الإقطاع وطغيان الكنيسة عشرةَ قرون!! ومِن ضعْف المسلمين- بعد أن تقوَّتْ أوربا بما أخذتْه عنهم مِن عِلم وحَضارة - بدأتْ أوربا تستعمِرُ العالَمَ الإسلامي وتنهبُ خيراتِه، فتضخَّمت ثرواتها، واستطاعتْ بهذه الثرواتِ المنهوبة أن تزدادَ تمكُّنًا في الأرض، وأن تتقدَّم في الأبحاثِ العِلميَّة التي زادتْها بدورها قدرةً على السيطرة والتمكين، وليستِ القوةُ صفةً نابعةً من ذاتها ولا مِن مزاياها الذاتية[11].



هذه بعضُ أسباب انتشارِ مظاهِر الجاهليَّة التي تُخالِف مهمةَ الإسلام وتصادِمه، فمهمَّة الإسلام أن يُحرِّر الناسَ مِن قيودِ الجاهليَّة وجوهرها، نعمْ، مجرَّد التحرير وتلك عمليَّةٌ ضخْمةٌ وشاقَّة، ثم يتركهم يختارون ما يشاؤون، فكان الإسلام يُبيِّن الحقَّ والهدى للناس ويكسِر الحاجزَ الذي أقامتْه الجاهليَّةُ وشيَّدتْه بينهم وبيْن الحقِّ والنور، هذا التحرُّر الكامِل مِن رِبقة الوثنيَّة؛ لكي يختارَ الناسُ بعدَ ذلك بكاملِ حريَّتهم مَن الإله الذي يعبدونه، فإذا بالفطرة تعمل عملَها في النفس البشرية، فتتَّجه مباشرةً إلى الله - جل جلاله - طائعةً مختارة؛ ﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30]، فليس في الإسلام ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى ﴾ [غافر: 29]، وإنما ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران: 159].



وكما كانتِ الدُّنيا ملأَى بالظلامِ هنالك، فأرسل الله محمدًا فنشَر الضياءَ فمحَى به الظلمةَ، فإنَّ عالَمَنا وإنْ كان فيه صلاحًا فإنَّه يخطو خطواتٍ مسرعةً؛ كي يُملأَ بالفساد كما أخْبَر الصادقُ المعصوم، وعلينا أن نُؤمِنَ بأننا في خيرٍ، ولكن خير فيه دخَن كما قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكذلك الإيمانُ بأنَّنا لسْنا الجيلَ الذي سيأتي النصرُ على يديه وهذا ليس تشاؤمًا ولا بثًّا للتخاذُلِ ولا مسوِّغًا لعدمِ النهوض، ولا تَعجيزًا، ولا إفشاءً للسلبيَّة، وإنَّما هي الحقيقةُ عارية مِن الأحلام الخادِعة، وهذا هو الألَم الذي يعتصِرنا ويَجعلنا نندفِع دفعًا قويًّا للسعي لإنشاءِ جيلِ التمكين.



إنَّ أجيال مرحلةِ القَصْعةِ لا يحقُّ لها أبدًا أن تيئسَ رغمَ مرارةِ الإحساس، وقسوةِ الشعور الرهيبِ الذي يملأ مشاعرَنا بالأسى بأنَّنا نحن جيلٌ مِن أجيال مرحلةِ القصعة، ولا بدَّ أن نكتُبَ هذا حتى يعتصرَ الألَم قلوبَ الأجيال القادمة؛ ليَعملوا على تحقيقِ ما بدأتْه الأجيالُ الماضية، والفارق واضح جدًّا بيْن هذه الأجيال الحالية وبيْن الجيل الذي سيحمل العقابَ في زمَنِ خروجِ المهديِّ، إنَّه المهديُّ الذي سيجيء بالهُدَى يحمل رايةَ العقاب، وتلك هي الإشكالية التي ستبقَى أبدًا، وهي حملُ الناس على الهُدى ولكن بلا إكراهٍ؛ ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ [البقرة: 256]، فكيف سيحدُث ذلك؟

إنَّ الإجابة عنِ الكيفيةِ سيُجيب عنها الجيلُ الذي سيكسِرُ القصعةَ؛ كي يفضَّ الجمعَ مِن حولها ويقتُلَ الخِنزيرَ ويُحطِّمَ الوثنَ ويدقَّ الصليبَ ولا يَقبل إلا الإسلام.



فانظرْ لهذه الغربةِ الشديدة، والوحشة الرَّهيبة التي كان يَحياها العالَم، إذا تأمَّلتها وجدتَ السببَ أنَّ ظلامَ الجاهليَّةِ قد أرْخَى سُدولَه على الدنيا بأسْرِها، ولكن وفي هذه الحِقبة من الزَّمان "والدنيا يسودها ظلامٌ دامس" ولكنَّه ظلامٌ يحمل في طِيَّاته نورًا مرتقَبًا، وأصداء تحمل بُشرى ظُهورِ نبيٍّ جديد، وتتسرَّب أصداءُ هذه البُشرى، وتطرق الأسماعَ والقلوب، حتى بدأَ الكثيرُ مِن أهل مكة يتحدَّثون عن هذا النبيِّ المرتقَب، ويُوصي بعضهم بعضًا: عليكم أن تُسرعوا إلى هذا النبيِّ حالَمَا يظهر، أسرِعوا إليه وآمِنوا به، كلُّ القلوب واجِفة، فالآمال جميعها معقودةٌ عليه.. على خاتمِ المنقِذين"[12].



نعمْ! إنَّه خاتم المنقِذين، فهل عرَفْنَاه وقدرْناه؟ أم أنَّنا ما زِلنا نهتِف بحياته كنوعٍ مِن صدَى المحبة التي تعتمِل في صُدورِنا وتختلج في قلوبنا من غيرِ توقيرٍ حقيقي له؟

لقد كَثُرتِ النبوءات قبلَ بعثة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكان الرُّهبان يتشوَّفون، والأحبار يَنتظِرون بشغف بالِغ ذلك القادِمَ الذي سيغيِّر الله على يديه هذا العالَمَ المتصدِّعَ - كما هو الحالُ الآن - الجميع يَنتظر ذلك القادِم الذي يحمل مشعلَ العِزَّةِ والأنَفَة والنخوةِ التي ضاعَتْ في زمنِ الزَّيف والبهتان؛ ليعيدَ مجدًا ضائعًا، وحقًّا مغتصبًا، وليسمع حينَها لنداءِ المؤمنات: أغِثْنَا، ولصرخات الثَّكالى: وإسلاماه!



يقول الشيخ/ أحمد جاد المولى - رحمه الله -: "وقدِ امتازت الفترةُ السابقة لظهورِ محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأنَّ العالَم جميعَه قد غشيتْه سحابةٌ كثيفة مِن الشرك والجهل، والرذيلة والظلم، فحلَّ المنكر محلَّ المعروف، وقبَض أهلُ السوء على ناصيةِ الأُمم، وبهذا تجلَّتِ الضرورةُ القاهرة إلى ظهورِ محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّ مِن سنن الله في الكائنات أن يأتيَ النور بعدَ الظُّلمة، وبالمطر بعدَ المحل، وجرَتْ سُنة الله أيضًا أن يَبعَثَ رسولاً متَى وصَل الانحطاطُ البشريُّ إلى غايته؛ رحمةً بعباده، ورأفة بخَلْقِه"[13]، فكان نبيّ الرحمة ونبيّ الملحمة، خير مِن وطِئ الثَّرَى، وأعزّ مَن مشَى على الأرض، وأشرف مَن أظلَّتِ السماء، حبيب الحقِّ وخليل الرَّحمن، إنَّه محمَّد بن عبدالله - صلَّى الله عليه وسلَّم.



فإذا كان الأمرُ على ما ذكَرْنا، "وكان الإلمامُ بوضعِ العالَم إذ ذاك ضروريًّا، فإنَّ الإلمام بوضعِ الجَزيرة العربيَّة وتصوُّر الحياة فيها من كافَّة نواحيها أكثرُ ضرورةً، بوصْفِها مهدَ الإسلام الأوَّل من جِهة، ومَرْكزَ التجمُّعِ والانسياح مِن جهة أخرى"[14].



وأخيرًا:

فإنَّ الجاهليَّةَ في أصلها مُعاديةٌ للشرائع السماويَّة، ونابذةٌ للدِّين مِن كلِّ وجه، تَصنع منه وقتَ اللزوم وعندَ الحاجة كما قيل مُخدِّرًا للشعوب، وهذا القول يُساوي بيْن الشرائع جميعًا - سماوية وأرضية - وهذا التعميم خطأٌ، ويظهر منه سوءُ القصد وفساد النيَّة، في حين أنَّ تاريخ الدِّينِ الحقِّ كان هو الباعث على نزعاتِ الخير، وهو الذي قاد الإنسانيةَ في تاريخها الطويلِ نحو المُثُل العُليا والمعاني السامية والقِيَم الرفيعة، التي يقوم عليها أيُّ بناء حضاري.

وإلى هنا نكون قدْ وصلنا بتلك المقالاتِ إلى نهايتِها على ما فيها مِن بِضاعة مُزجاةٍ وقِلَّة عِلم، وجُرأة على نشْره، ولكنَّه جهد المقل.



وهذا آخِر الجَمْع في تلك المسألة الهامَّة، فما كان مِن توفيقٍ فمِن الله وحْدَه، وما كان مِن نقْص أو خلل أو تقصير فمنِّي ومِن الشيطان، والله ورسوله منه بَراء، وما أَبرأُ إليكم مِن العثرة والزلَّة، وما أستغني منكم إنْ وقَفْتُم على شيءٍ عن التوجيه والدلالة، ولا أستنكِف مِن الرجوع إلى الصوابِ عن الخطأِ وقد تَعلمتُ أنْ أدورَ مع الحقِّ حيث دار، وأَقيل معه حيث قال، وفوق كلِّ ذِي عِلم عليم.



وآخِر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد الصادق الوعد الآمين، وجزَى الله خيرًا القائمين على (شبكة الألوكة) إذ سمحوا لمِثْلِي أن ينالَ شرفَ الكتابة في هذا الموقِع الرَّفيع القدْر، العظيم الشأن، الكثير النَّفْع، ومِن ثَمَّ إتاحتهم الفرصةَ لظهور مِثل هذه المقالات التي وُلدتْ أشبهَ ما تكون بولادةٍ قيصريَّة عنيفة والتي لم تكُن لترَى النور أبدًا في مكانٍ آخَر في زمنٍ يمهَّد فيه لمظاهرِ الجاهليَّة أن تعودَ وتسود. انتهى.



 توقيع : حكاية ناي ♔

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
السيرة ووجوب معرفة أحوال الجاهلية (4) حكاية ناي ♔ › ~•₪• نبـي الرحمه وصحابته~•₪• 1 01-22-2024 04:12 PM
السيرة ووجوب معرفة أحوال الجاهلية (5) حكاية ناي ♔ › ~•₪• نبـي الرحمه وصحابته~•₪• 1 01-22-2024 04:12 PM
السيرة ووجوب معرفة أحوال الجاهلية (6) حكاية ناي ♔ › ~•₪• نبـي الرحمه وصحابته~•₪• 1 01-22-2024 04:12 PM
السيرة ووجوب معرفة أحوال الجاهلية (2) حكاية ناي ♔ › ~•₪• نبـي الرحمه وصحابته~•₪• 1 01-22-2024 04:07 PM
السيرة ووجوب معرفة أحوال الجاهلية (3) حكاية ناي ♔ › ~•₪• نبـي الرحمه وصحابته~•₪• 1 01-22-2024 04:07 PM


الساعة الآن 06:39 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
User Alert System provided by Advanced User Tagging v3.1.0 (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.