ترقى معضلتنا إلى العلن عندما تبدأ في الثأثير العميق اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا على الأفراد و التركيبة المجتمعية حتى بدأنا نرى مهنا قد احتكرها العمّال الوافدون أصحاب ثقافة العمل والإبداع بدلاً من ثقافة المباهاة المزيفة و انقراض العمال المحليين في بعض القطاعات الحيوية للدولة.
من هنا نبدأ بلمس ضرورة التخلص من بعض العادات المجتمعية البالية وإطلاق العنان لخيال وإبداع الشباب الطموح وتوفير الظروف المناسبة لتحقيق النتائج المثلى ليس فقط على صعيد الوطن بل عالميًا أيضا, وضرورة تغليب ثقافة العمل والطموح الصادق على الشكليات المجتمعية.
السبيل موجود و قابل للتطبيق من أصحاب الهمم و الأحلام لكن أحد أكبر المعيقات هو لزوم وجود الثقافة التي لا تستبعد هؤلاء الأشخاص اجتماعيًا أو بمعنى أوضح لا يتمّ تصنيفهم أفرادًا من الدرجة الثانية تبعًا للمعايير المصرفية و تسهيلاتها و للصداقات و العلاقات الاجتماعية مستقبلاً و تطبيق قوانين ضمان اجتماعي مشجّعة وقوانين عمل تحفظ الحق و تحفّز المترددين على الانخراط في الأعمال المستبعدة اجتماعيا مما سيسهم في تطوير الصورة الاجتماعية لتلك المهن، وبالتالي تحفيز الشباب على السعي وراء طموحهم الحقيقي بكلّ حرية مما سيوفر مزيدًا من الرضا والإبداع المجتمعي وتنمية الأفراد و انخفاض مستويات الفقر و البطالة ومن ثمّ النهوض و الارتقاء على جميع الأصعدة.
ما هو الحل؟
لكلّ مشكلة من الحلول ما يكفيها و يزيد و كعادة المشكلات الثقافية فالتوعيةُ والنشرات الموجزة حول الموضوع مع تضمين الفرص المتاحة لكل تخصص أو مهنة أو تدريب قد يسهم في حلّ جزء كبير منها.
وكطبعِ كلّ المشاكل، الوصول إلى حلّ شامل يعالج 100% من المشكلة أمر يكاد يكون من المحال خصوصًا أنّ طبيعة ما نتحدث عنه يستند أساسًا إلى الغيرة، و هي داء ابن آدم الأول، و التقليد وهو سنّة عريقة من سنن البشر. فوجب أن ينزع الأشخاص أيديهم عما سبق و يمهّدوا لحاضرهم النقي مما وشك, وشك بريقه و فجرّه و ناسب محتواه أهله , ويأتي الاختيار السليم القائم على أسس ثابتة بمثابة حماية من عثرات المشوار الجامعي كما يوفر مزيدا من التميز والنجاح في مستقبل الأيام .
العتب الأكبر فيما نشهده يأتي على الأكاديمين إلى جانب التقصير المدرسي في التحفيز والتوضيح لكلّ تخصص من تخصصات الحياة و ما يترتب عليه و أساليب دراسته و غيرها فأصبحنا نرى بعض المشاهدات من الأشخاص يستعجمون بعض المعارف والتخصصات و يطلبونها دون علمهم الوثيق بها وبما يؤول إليها بعد انقضاء تعلمها متغاضين النظر عن تباينها أو تناسبها للشخص نفسه أو لطبيعته و طموحه.
وجب إذن على الأكاديمين و أصحاب الأيادي البيضاء من المختصين و أصحاب القرار أن يوضّحوا الطريق و المنهاج المرغوب و المناسب للطموح نصحًا لا توجيهًا لإنارة تضاريس المستقبل لكلّ طالب صادق في سعيه و مشواره و التأكيد على الطلاب على أهمية التحرّر من تأثير الآخرين كي يكون القرار ناتجًا عن إرادته كليًّا و يتحمّل مسؤوليته بنفسه كما و توفير الاستشارة الضرورية للطلاّب في سبيل و ضعهم على خارطة الطريق و بيان رموزها لهم في سبيل الوصول إلى الثمرة المنشودة، ألا وهي ثمرة النجاح والطمأنية والمستقبل الأفضل .
كما أنّ أكثر العوائق التي تقف في وجه الطالب هي اعتماد الكليات على مجموع الدرجات في المرحلة الثانوية دون الالتفات إلى قياس المهارات والقدرات و الميول الشخصية، وهو الأمر الأهم في وجهة النظر. فلا فائدة من المجموع العام دون الشغف تجاه ما يقود إليه.