محمد أبو راس الجربي الناصري المعسكري الهُذَلي الجزائري هو محمد أبو راس بن أحمد بن ناصر الراشدي علاّمة ومحقق في العلوم الإسلامية وحافظ للحديث النبوي من الجزائر. وُلِد بنواحي مدينة معسكر بالجزائر يوم 8 صفر 1165هـ/ 27 ديسمبر 1751م، وتوفي، يوم 15 شعبان 1238هـ/ 27 أفريل 1823م، ودُفن بمعسكر.
وكان قد شارك في الجهاد لفتح مدينة وهران سنة 1206هـ/ 1795م، إلى جنب الباي محمد بن عثمان. له اسهامات كثيرة في علوم الحديث والقرءان والأنساب وله مؤلفات عدة في هذا المجال. يعتبر ثاني كبار رجالات مدينة معسكر الجزائرية بعد الأمير عبد القادر لذا سميت عدة منشات في المنطقة باسمه خاصة العلمية والثقافية منها.
حياته
نسبـه ومولده
هو محمد أبو راس بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن أحمد بن الناصر بن عبد الله بن عبد الجليل. ولد يوم 8 صفر 1165 هــ / 27 ديسمبر 1751 م في منطقة وزَّغْت بين جبل كرسوط وهونت جنوبي مدينة معسكر.
أسرته
أمّه اسمها (زولة)، وكان يشبّهها بالسيدة رابعة العدوية في زهدها وخشيتها، وكان أبوه من القرّاء الماهرين، والأساتذة المشهورين. جدّه وصفه بأعجوبة الزمان في الولاية والصلاح والفضل الفضيل. وعلى نهجهم كان أخته السيّدة (حليمة) وأخواه بن عمر وعبد القادر.
تعليمه
تعلّم الشيخ أبو راس على والده أول الأمر، فحفظ على يديه معظم القرآن الكريم، لكنّه أتقنه على يد الشيخ منصور الضرير.درس الشيخ أبو راس على علماء (معسكر)، ومنهم:
محمد بن مولاي بن سحنون قاضي معسكر.
الشيخ علي بن الشنين.
الشيخ عبد القادر المشرفي صاحب كتاب بهجة الناظر
الشيخ مرتضى الزَّبيدي صاحب تاج العروس وهو الذي لقّبه بالحافظ، أخذ عنه في القاهرة.
الشيخ عبد الرحمن التادلي (من علماء المغرب)
الشيخ أحمد بن عبد الله السوسي (من علماء تونس).
الشيخ أحمد بن عمّار الجزائري (صاحب الرحلة الشهيرة) وهو من فقهاء (مدينة الجزائر) وشعرائها
كما انتقل الشيخ أبو راس إلى مدينة (مازونة) وانكب يأخذ من كبار أشياخها خاصة في الفقه ومختصر خليل.
مكتبة المذاهب الأربعة
أسّس الشيخ أبو راس بوسط مدينة معسكر مدرسة عرفت بالمدرسة المحمدية أو مكتبة المذاهب الأربعة، وذلك لتحرره العلمي في ذلك الزمان المعروف بالتعصّب، فقد كان يُفتي طلبته بالمذاهب الأربعة المعروفة عند أهل السنة والجماعة، وقد بلغ عدد من حضر دروسه فيها المئات.
رحلاته
عرف أبي راس الناصري بكثرة رحلاته إلى الأمصار مقلدا بذلك السابقين من العلماء، حيث تقول الأستاذة سميرة أنساعد "لم يكتفي أبو رأس الناصري بالتنقل بين مدن الغرب الجزائري فحسب بل تنقل إلى مدينة الجزائر فقسنطينة، ثم تونس ومصر والحجاز ثم الشام وفلسطين وكان بدء سفره إلى المشرق سنة 1204هـ وعرف أبوراس الناصري في هذه البلدان بعلمه الواسع وكثرة حفظه، حتى لقب في مصر بشيخ الإسلام وصار عند المصريين شهيرا بعد امتحانهم له " وفي نفس المنوال يقول عنه الدكتور عبد الحق زريوخ "...ثمّ ركب البحر إلى مصر، ولقي بها أهل العلم والأدب، منهم الشّيخ مرتضى الذي روى عنه أوائل "الصّحيحين"، و"رسالة القشيري" في التصوّف، و"مختصر العين"، و"مختصر الكنز الراقي" كما لقي الشيخ عصمان الحنبلي الذي قرأ عليه المذهب الحنبلي...
ثمّ رحل إلى مكّة، واجتمع بعلمائها وفقهائها، كالعلامة عبد الملك الحنفي المفتي الشّامي القلعي (ت 1229هـ) الذي أخذ عنه بعضاً من الحديث، ونبذة من «الكنز»، وشيئاً من التفسير ومثل مفتي الشّافعية عبد الغني، ومفتي المالكية الحسين المغربي الذي جالسه طويلاً، كما اجتمع، بمكّة، بالشّيخ العارف المشارك عبد الرّحمن التّادلي المغربي، وقرأ عليه شرح العارف بالله ابن عبّاد على «الحكم» ثمّ طوّف بالمدينة المشرّفة، وكان له بها مناظرات وأبحاث مع علمائها ويبدو أنّ هذه الرِّحلة كانت رحلة روحية، لأنّ أبا راس وجد الفرصة في زيارة ضريح المصطفى صلى الله عليه وسلم، وضريحي صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وقبور الصّحابة بالبقيع.
ثمّ رحل إلى الشّام، وتحدّث إلى علمائها في مسألة من "الحبس" نصّ عليها الشّيخ أبو زكريا ابن الحطّاب (ت 995هـ) ونهاية، رجعوا إلى رأيه ووافقوه بعد الدّليل القاطع، بل جمعوا له مالاً كثيراً عندما أراد السّفر تكريماً له وتعظيماً، وبعد ذلك، دخل "الرّملة" إحدى مدن فلسطين، ولقي مفتِيها وعلماءَها، وكان بينهم مفاوضات حول "الدّخان" و"القهوة"، فأجابهم بما ذكره نصّ أبي السّعود (ت 951هـ)، فأكرموا وِفادته، وبعدها، رحل إلى غزّة فزار قبر هاشم ثالث آباء النبي ﷺ، ولقي علماءها وأعيانها، فأكرموا ضيافته وكان بينه، كعادته، وبينهم مناظرات في مسائل مختلفة، اعترفوا له بها بالفضل وسعة العلم، إلاّ أنّه لم يجد عالماً واحداً يعوِّل عليه كما يذكرعندما غادر إلى العريش.
كما تتلمذ على كثير من العلماء والفقهاء في عصره، فنهل من علمهم وارتوى من مشربهم حيث يقول عن نفسه، أن أول من تتلمذ على يده والده الشيخ أحمد الذي قرأ عليه شيئا من سورة البقرة، ثم الشيخ علي التلاوي والشيخ منصور الضراري والشيخ علي بن شنين وكثيرا من العلماء والمشايخ كما تذكر كتب التاريخ التي تروي حياته مما قوى علمه وأنمى معارفه فكان بذلك من كبار علماء معسكر، كما تذكر هذه الكتب أيضا أنه تتلمذ على يده الكثير من فقهاء معسكر في المدرسة التي كانت تسمى المدرسة المحمدية، التي كان بها أكثر من سبعة مائة طالب في زمن كانت معسكر تسمى فيه مصر الصغرى على عكس ما توصف به معسكر اليوم من قبل أناس لا يعرفون عنها إلا الاسم فقط.
لم تكن حياته تخلو من المغامرة والدسائس، حيث رمي من قبل خصومه الحاسدين بالمشاركة في ثورة درقاوة ضد الأتراك 1217 هـ/1802 م خاصة وأنه كان مقرب من الحاكم التركي حينها، مما جعله يهرب إلى الجبال، حتى أنطفئت نار الغضب، فعاد إلى معسكر وألف كتاب بعنوان «درء الشقاوة في حرب درقاوة».
تلامذته
لقد كان تلامذته بالمئات، وربّما أكثر، ومعظم علماء معسكر وناحيتها تعلّم عليه، منهم:
محمد بن علي السنوسي.
ومن صغار تلاميذه فخر الجزائر (الأمير عبد القادر)
وفاته
توفي الشيخ أبو راس بعد أن عاش أزيد من سبعين سنة، وذلك في عام 1238هـ/ 1823م، بعد حياة حافلة بالنشاط العلمي، ودفن في قلب مدينة معسكر، بحي بابا علي.