روائع الشعر العراقي/بدر شاكر السياب/في ليالي الخريف الحزين
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين في ليالي الخريف الحزين حين يطغى علي الحنين كالضباب الثقيل في زوايا الطريق في زوايا الطريق الطويل حين أخلو و هذا السكون العميق توقد الذكريات بابتساماتك الشاحبات كل أضواء ذاك الطريق البعيد حيث كان اللقاء في سكون المساء هل يعود الهوى من جديد ؟ عاهديني إذا عاد .. يا للعذاب عاهديني ومرت بقايا رياح بالوريقات في حيرة واكتئاب ثم تهوي حيال السراج الحزين انتهينا.. أما تذكرين؟ انتهينا.. وجاء الصباح يسكب النور فوق ارتخاء الشفاه وانحلال العناق الطويل أين آلام يوم الرحيل؟ أين لا لست أنساك واحسرتاه؟
** في ليالي الخريف حين أصغي ولا شيء غير الحفيف ناحلاً كانتحاب السجين خاف أن يوقظ النائمين فانتحى في الظلام يرقب الأنم النائيات حجبتها بقايا غمام فاستبدت به الذكريات الغناء البعيد البعيد في ليالي الحصاد أوجه النسوة الجائعات ثم يعلو رنين الحديد يسلب البائس الرقاد! في ليالي الخريف حين أصغي وقد مات حتى الحفيف والهواء- تعزف الأمسيات البعاد في اكتئاب يثير البكاء شهرزاد في خيالي فيطغى علي الحنين أين كنا؟! أما تذكرين أين كنا ؟! أما تذكرين المساء؟!
** في ليالي الخريف الطوال آه لو تعلمين كيف يطغى علي الأسى والملال؟! في ضلوعي ظلام القبور السجين في ضلوعي يصبح الردى بالتراب الذي كان أمي: غدا سوف يأتي فلا تقلقي بالنحيب عالم الموت حيث السكون الرهيب! سوف أمضي كما جئت واحسرتاه سوف أمضي وما زال تحت السماء مستبدون يستنزفون الدماء سوف أمضي وتبقى عيون الطغاة تستمد البريق من جذى كل بيت حريق والتماع الحراب في الصحارى ومن أعين الجائعين سوف أمضي وتبقى فيا للعذاب! سوف تحيين بعدي ، وتستمتعين بالهوى من جديد سوف أنسى وتنسين إلاّ صدى من نشيد في شفاه الضحايا -وإلا الردى.