شُكري بن محمود بن عبد الغني القُوَّتلي أو شُكري القُوَّتلي اختصاراً (21 تشرين الأول / أكتوبر 1891 - 30 حزيران / يونيو 1967) رئيس الجمهورية السورية بين 1943 - 1949 ثمّ 1955 - 1958؛ وزعيم سياسي نشط في الكتلة الوطنية ضد الانتداب الفرنسي.
بداية نشاطه السياسي كانت في مقارعة السلطات القائمة أواخر سوريا العثمانية، ثم الانتداب الفرنسي، وشارك في الثورة السورية الكبرى فنفي إلى أرواد وحُكم عليه بالإعدام ثم لجأ إلى مصر، حيث استمرّ في مقارعة الانتداب، ومجمل أحكام الإعدام التي حصل عليها ثلاثة غير أنه نجا منها.
شارك في حكومة الكتلة الوطنية الأولى عام 1936 بمنصب وزير الدفاع، قبل أن يسطع اسمه مرشحاً لخلافة هاشم الأتاسي في رئاسة الكتلة وهو ما أوصله إلى سدة الرئاسة السورية عام 1943. نالت سورية في عهده استقلالها التام، وعرف بميوله القومية العربية، وبدوره المهم في تأسيس جامعة الدول العربية، وفي حرب فلسطين الأولى وفي موقفه الداعم لمصر خلال العدوان الثلاثي. وهو صانع جمهورية الوحدة السورية المصرية مع الرئيس جمال عبد الناصر، الذي أطلق عليه لقب "المواطن العربي الأول
" وفي سوريا، يُعرف شكري القوتلي بلقب «أبو الجلاء.»
حياته المبكرة وتعليمه
الأسرة
مدرسة عنبر في دمشق القديمة حيث تلقى القوتلي علومه في المرحلة الثانوية.
وُلِدَ شكري القوتلي في حي الشاغور يوم 21 تشرين الأول 1891 وهو سليل أُسرة عريقة جاءت من الحجاز واستوطنت دمشق في مطلع القرن الثامن عشر. عمل رجالها بالتجارة والزراعة، وعُرفوا بقاماتهم الطويلة وببنيتهم القويّة، ولقبوا بالقوتلي.
كان والده محمود القوتلي من الأعيان وقد توفي عام 1914. وكذلك جده عبد الغني القوتلي، وهو من كبار المُحسنين في دمشق الذي قال عنه محمّد كرد علي في مذكراته: «قد تلد الولادة مثل عبد الغني القوتلي ولكن أعظم منه بالأخلاق وكرمه فلا...» وقد اشتهر من أبناء هذه العائلة الكريمة كلّ من حسن باشا القوتلي، رئيس غرفة تجارة دمشق في نهاية القرن التاسع عشر، ومحمّد سعيد باشا القوتلي، وكيل أعمال الأمير عبد القادر الجزائري، الذي حَضر افتتاح قناة السويس في مصر عام 1869، بدعوة من الخديوي اسماعيل. أما والدة شكري القوتلي ناجية بنت محمد عطا القدسي فهي من العائلات الدمشقية العريقة التي يعود نسبها إلى النبي محمّد.
سنوات الدراسة
دَرس شكري القوتلي القرآن الكريم بدمشق وتَعلم اللغة الفرنسية في مدرسة الآباء العازاريين بباب توما قبل أن ينتقل إلى مدرسة مكتب عنبر خلف الجامع الأموي، حيث نال الشهادة الثانوية. وكانت مدرسة مكتب عنبر مُلكاً قديماً لعمه مراد القوتلي، الذي باعه إلى الوجيه اليهودي يوسف عنبر عام 1869. أعجب القوتلي بسيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وبرع في حفظ شعر المتنبي والفرزدق، كما حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب. سافر إلى اسطنبول عام 1908، ليلتحق بالمعهد الشاهاني الملكي، أرقى مدارس العاصمة العثمانية في حينها. وقد تخرج القوتلي منه عام 1913، حاملاً الشهادة العليا بالعلوم السياسية والإدراية.
العمل السياسي
العمل السري ضد الحكومة العثمانية الاتحادية
عاد شكري القوتلي إلى دمشق وعَمل موظفاً في مكتب الوالي العثماني، وانتسب سراً إلى الجمعية العربية الفتاة التي أنشئت في باريس على يد عدد من الطلاب العرب، بهدف تحرير البلاد العربية من الحكم العثماني والنهوض بالأمة العربية. بايع الشريف حسين بن علي، قائد الثورة العربية الكبرى ضد الدولة العثمانية عام 1916، وقام بنقل السلاح والمال إلى ثوار الحجاز، فتم اعتقاله بأمر من جمال باشا، الحاكم العسكري لولاية سورية، وذلك بعد أن طَلب أحد المُعتقلين، شكري باشا الأيوبي، مساعدة القوتلي للخروج من السجن، قائلاً لابنه إن شكري القوتلي هو مُعتمد حزب الفتاة بدمشق. في المُعتقل، طَلب القوتلي من أحد الحراس إحضار شفرة صغيرة ضمن رغيف خبز، وقام بقطع شرايين يده اليسرى في محاولة انتحار لكي لا يفشي أسماء رفاقه في الحركة الوطنية. وقد شوهدت دمائه تسيل من غرفته بالسجن وطُلب من الطبيب أحمد قدري، أحد قادة جمعية الفتاة المعتقلين في زنزانة مجاوزة، إنقاذ حياته.
نُقل القوتلي إلى المستشفى الحميدي في حي البرامكة، حيث قضى خمسة وعشرين يوماً، ليعاد فوراً إلى سجن خان باشا حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى وسقوط الحكم العثماني في دمشق في نهاية شهر أيلول 1918.
نشاطه في العهد الفيصلي
وبعد خروجه من السجن، عاد شكري القوتلي إلى عَمله الحكومي وعُيّن مديراً للرسائل في ولاية دمشق بمعية الوالي علاء الدين الدروبي، وكان ذلك بعد تحرير البلاد من الحكم العثماني وإقامة حكومة عربية برئاسة الأمير فيصل بن الحسين، نجل الشريف حسين، في 3 تشرين الأول 1918. انضم شكري القوتلي يومها إلى حزب الاستقلال العربي الذي أنشئ على أنقاض الجمعية العربية الفتاة، والمنادي بتحرير الأمة العربية من أي استعمار أجنبي وتوحيدها ضمن حدودها الجغرافية الطبيعية.وقد كان حزب الاستقلال العربي مُقرباً من الأمير فيصل، الذي بايعه السوريون ملكاً عربياً عليهم يوم 8 آذار 1920. ولكن العهد الفيصلي لم يستمر طويلاً وسقط إثر معركة ميسلون ضد الجيش الفرنسي في 24 تموز 1920. خُلع الملك فيصل الأول عن العرش وفُرض الانتداب الفرنسي بقوة السلاح على كلّ من سورية ولبنان، تنفيذاً لما جاء في اتفاقية سايكس بيكو الموقعة خلال الحرب العالمية الأولى بين الحكومة الفرنسية ونظيرتها البريطانية. ومن أولى قرارات المندوب السامي الفرنسي هنري غورو كان إصدار قرار إعدام بحق شكري القوتلي، نظراً لنشاطه القومي المعروف ومعارضته للحكم الفرنسي الجديد. هرب القوتلي إلى مصر وأقام في القاهرة كلاجئ سياسي، بدعوة من الملك أحمد فؤاد الأول.