شرح حديث: ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
فإنَّ من المقرر المعلوم أنَّ العبادات والأعمال الصالحات تتفاضل فيما بينها، وإنَّ من العبادات ما بيَّن الشرع الأجر والثواب المترتِّب على القيام بها والمحافظة عليها، وإنَّ من تلك الأعمال [ركعتَي سنة الفجر]؛ حيث إنَّ الأجر والثواب المترتِّب عليهما في الآخرة أفضل وأعظم أجرًا من نعيم الدنيا وما فيها، وما ذاك إلا لعظيم مكانتهما وثوابهما، والحرص عليهما، ولقد كان نبيُّنا محمد صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يُعلِّمُ أُمَّتَه الأعمالَ الفاضلةَ زمانًا ومكانًا، ويُبيِّنُ كذلك أجْرَها وثَوابَها حثًّا وتَرغيبًا للنَّاس على القيام بها والمحافظة عليها، والتزام طريقها.
ففي الحديث عن عائشة أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رَكْعَتا الفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيا وَما فِيها»؛ «أخرجه مسلم (725)».
وفي هذا الحديث العظيم يقول نبيُّنا محمد صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «رَكعَتا الفَجرِ»، والمرادُ بهاتين الركعتين سُنَّةُ الفجرِ، وهما الرَّكعتانِ بيْن أذان الفجر والإقامةِ، وهاتان الركعتان من السنن الرواتب لصلاة الفجر.
وقوله عليه الصلاة والسلام: «خَيرٌ مِنَ الدُّنيا وما فيها»؛ أي: إنَّ الأجرَ والثواب المُترتِّبَ على صلاة سُنَّة الفجر أعظَمُ وأفضلُ في الآخرةِ من جميع نَعيمِ الدُّنيا الزائل الفاني، وهاتان الركعتان مَعْدودتانِ في السُّننِ الرَّواتبِ لصلوات الفرائض، واهتِمامُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بهما وحرصه عليهما؛ بَيانٌ لعظم شَأنِهِما وكبير أجْرِهِما، وحثٌّ من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على المحافظة عليهما وعدم تركهما.
وكان من حال رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم تَخفيفُ هاتينِ الرَّكعتينِ؛ ففي الصَّحيحينِ عن أُمِّ المؤمنين عائشةَ رَضِي اللهُ عنها أنَّها كانت تقولُ: «كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يُصلِّي رَكعتَي الفجرِ فيُخفِّفُ، حتَّى إنِّي أقولُ: هلْ قَرَأ فيهما بأُمِّ القرآنِ؟»، وفي مُسلمٍ عن أبي هُرَيرةَ رَضِي اللهُ عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قَرَأ في رَكعتَي الفجرِ: ﴿ قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ [الكافرون: 1]، و﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]». ويدلُّ ظاهر هذا الحديث على فضل ومنزلة ركعتَي سُنَّة الفجر ومكانتهما.
ومما يدلُّ على عظيم مكانتهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مُتعاهِدًا وحَريصًا على صلاة السنن والرواتب بمثل ما كان حريصًا على صلاة السنَّة القبلية لصلاة الفجر، ففي الحديث عن عائشة أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ على شيءٍ مِنَ النَّوافِلِ أَشَدَّ مُعاهَدَةً منه على رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ»؛ «أخرجه مسلم (724)».
فما كان نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم ليدع سُنَّة الفجر لا حَضَرًا ولا سَفَرًا.
قال الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى: وكان من هديه في سفره الاقتصار على الفرض ولم يُحفظ عنه أنه صلَّى سنَّة الصلاة قبلها ولا بعدها إلا ما كان من الوتر وسُنَّة الفجر، فإنه لم يكن ليدعهما حَضَرًا ولا سَفَرًا؛ «زاد المعاد، لابن القيم، (1/ 473)».
وقال أيضًا رحمه الله تعالى: وكان تعاهده ومحافظته على سُنَّة الفجر أشد من جميع النوافل؛ ولذلك لم يكن يدعها هي والوتر سَفَرًا وحَضَرًا، وكان في السفر يواظب على سنة الفجر والوتر أشد من جميع النوافل دون سائر السنن ولم يُنقل عنه في السفر أنه صلى سنة راتبة غيرهما؛ «زاد المعاد، لابن القيم الجوزية (1/ 315)».
هذا ما تمَّ إيراده، نسأل الله العلي الأعلى أن يُعيننا على ذكره وشكره وحُسْن عبادته، وأن ينفع بما كُتب، وأن يجعله من العلم النافع والعمل الصالح، والحمد لله ربِّ العالمين.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|