أحد أمراء الإمارة السورانية التي تأسست في القرن الثاني عشر الميلادي، تسلم السلطة في الإمارة في حدود عام 1813 وعمل منذ اللحظة التي تسلم فيها الحكم في القضاء على خصومه وتقوية عاصمة الإمارة مدينة رواندز والسعي إلى توحيد القبائل الكردية، وقام من أجل ذلك بسلسلة من (الفتوحات) أخضع فيها قبائل شیروان وبرادوست وسورجي ودزه يى وخوشناو وبلباس ومامش، واخضع أمارة بادینان واقتطع أجزاءً من إمارتي بابان وبوتان ونجح في توسيع سلطته لتشمل منطقة شاسعة تمتد من سنجار غرباً إلى القرى الكردية في أذربيجان الإيرانية شرقاً ومن (حصن كيفا) شمالاً إلى نهاية الأراضي التابعة لمدن مخمور والكوير وألتن كوبري جنوباً، فغدا أقوى شخصية سياسية في كردستان انذاك. واصبح على حد قول مارك سایكس: «سيد البلدان الواقعة بين الحدود الشرقية للدولة العثمانية والموصل في بداية القرن التاسع عشر».
ولأن نضال أمیر سوران كان موجها نحو مناهضة الدولة العثمانية التي كانت منطقة سوران تقع ضمن حدودها وضد سلطة الشاه الإيراني القائمة في الأراضي الكردية المجاورة له فقد ارعبت حركته وتنظيماته والتقدم الذي احرزه الدولتين ومواليهما من الأمراء الكرد فاخذت أجهزة الدولة العثمانية بالتعاون مع إيران تشنع به وتشوه سمعته وحركته وتحرض عليها إلى ان تمكنتا بفعل الجهود المكثفة لجيشيهما قهر الأمير في نهاية الأمر سنة 1836.
الألقاب
كان محمد الرواندزي يحمل ألقاباً عدة، منها: «میری گـه وره» أي الأمير الكبير، «محمد پاشاي رواندزي» أي محمد باشا الرواندزي، لكنه كان معروفًا أيْضاً بـ «ميري كۆره» أي الأمير الأعور، ولقب بـ«پاشاي گـه وره» أي الملك الكبير أو الملك المعظم، والأمير المنصور وكما يذكر طائفة من المؤرخين أن السلطان محمود الثاني (1808 - 1839) أكرم الأمير ومنحه رتبة أمير الأمراء «مير ميران».
بعض جوانب شخصية الأمير محمد الرواندزي
ولد الأمير محمد الرواندزي سنة 1775 في مدينة رواندز، وتم تنصيبه أميراً على إمارة سوران عام 1813م.
ولغرض الوقوف على العوامل التي اسهمت في تكوين شخصية الأمير محمد والبيئة التي تربى وعاش فيها والمنابع الأولى لثقافته، لابد من الحديث عن نشأة الأمير ولو بأيجاز شديد، كان الأمير مصطفى حاكم أمارة سوران (والد الأمير محمد) هو أول من لاحظ امارات النبوغ والذكاء على ابنه والمواهب الفطرية التي يتمتع بها منذ ان كان صبيا" يافعا", فاحاطه برعاية خاصة وعهد بتربيته وتعليمه إلى اساتذة خصوصيين من خبرة علماء كوردستان وفي مقدمتهم العالم المشهور الملا احمد الملا آدم الديليذة يي الذي استقدمه مصطفى بك من منطقة بالة كان واسكنه في رواندز وبنى له مدرسة ومسجدا" كانت آثارهما باقية إلى عهد قريب، وقد اعتنى هذا العالم الجليل بتعليم الأمير محمد العلوم الإسلامية واللغات الكوردية والفارسية والعربية، وبعد ان انهى الأمير الشاب تحصيله العلمي بتفوق نصبه ابوه حاكما على قرى (دولي گه وران، جولة ميرگ، دولي هه روتيان، سة رجيا) فكان يقضي ايامه في تلك القرى مهتما بشؤون رعاياه. وقد عرف الأمير محمد منذ شبابه برجاحة العقل وحسن التدبير والحزم وقوة الإرادة.
كان لمصطفى بك خمسة أخوة هم: تمرخان الذي كان يدير (هاوديان) ويحيى بك الذي كان يتولى الحكم في (سيدة كان) وبايز بك الذي كان يدير شؤون (باثشتيان) وحسن بك واحمد بك اللذان كانا مرافقين لأخيهما الأكبر مصطفى بك، وكان هؤلاء الخمسة يثيرون مشاكل وازمات لا نهاية لها بتمرداتهم ودسائسهم حتى ضاق صدر الأمير مصطفى بك بهم وبتصرفاتهم الرعناء، خاصة بعد ان وهنت قواه وادركه التعب والإرهاق ونال منه المرض وضعف بصره حتى اوشك على العمي، وحين اراد الأمير مصطفى بك التخلي عن الحكم والاعتزال بنفسه لم يجد احدا«جديرا» باستلام السلطة من بعده سوى ابنه الأكبر محمد، وكان من السهل على الأمير الشاب استلام السلطة بشكل تقليدي كما جرت العادة، ولكنه لم يكن اميرا«عاديا» من الذين يتوارثون الحكم أبا«عن جد، بل كان اميرا» متميزا«ولديه اهداف كبيرة وواضحة وطموحات جريئة بعيدة المدى يريد تحقيقها، هي اهداف وطموحات الشعب الكوردي في الحرية والعدالة والمساواة والتقدم، لم يكن يريد السلطة لنفسه، بل لأنشاء امارة كبيرة قوية ومزدهرة، لذا فقد حدد عدة شروط لاستلام الحكم، وبعد أخذ ورد بينه وبين والده مصطفى بك دام أكثر من عام، قبل الاخير بشروط إبنه وتنازل عن الحكم وسكن بعيدا» عن رواندز وتعهد بعدم التدخل في شؤون الحكم.
وثمة واقعة جديرة بالتأمل والدراسة تكشف عن جانب آخر من جوانب شخصية الأمير وانفتاحه على العالم الخارجي واهتمامه الجاد بتطوير التربية والتعليم في الامارة، فقد كتب الدكتور روس – طبيب القنصلية الإنجليزية في بغداد – في مذكراته بعض انطباعاته عن الأمير محمد ومشاهداته في امارة سوران، ومما جاء في هذه المذكرات، ان الأمير محمد استدعى الدكتور روس لمعالجة والده المريض مصطفى بك، وبعد ان ادى الطبيب مهمته، جلس مع مضيفه في المساء يتحدثان عن امور شتى، وكم كانت دهشة الطبيب الإنجليزي كبيرة عندما ساله الأمير محمد عن حالة التربية والتعليم في إنجلترا، ومبعث هذه الدهشة ان معظم الامراء الآخرين الذين قابلهم روس من قبل كانوا يجهلون القراءة والكتابة ولايهتمون كثيرا" بما يجري في الغرب، وها هو امير كوردي مثقف يسأله عن حالة التربية والتعليم في إنجلترا !
وثمة وقائع مهمة في مذكرات الدكتور روس والرحالة الإنجليزي فريزر عن الاحوال العامة في إمارة سوران في ظل حكم الأمير محمد وكلها شواهد على ماكانت تتمتع به هذه الامارة من أمن واستقرار وإزدهار في تلك الفترة حيث قطع الأمير محمد دابر السراق وقطاع الطرق واختفوا عن الانظار، وكانت إمارة سوران الناهضة يضرب بها المثل في سيادة القانون والعدل، على خلاف المناطق الأخرى المجاورة للامارة، وعلى الرغم من ان الأمير كان يحكم الامارة بحزم شديد الا انه لم يكن مستبدا برأيه، فقد شكل مجلسا استشاريا يعاونه في إدارة دفة الحكم ويتم فيه التداول في جميع القضايا الخطيرة التي كانت تهم الامارة وإذا نظرنا إلى قائمة أعضاء المجلس – كما جاء في كتاب (مليخا) وهو كتاب باللغة الفارسية يضم وقائع حكمه، قام بتدوينه رئيس الكتاب ومدون الوائع ميرزا محمد بطلب من الأمير نفسه وهذا الكتاب يعد مصدرا" رئيسيا لدراسة تاريخ امارة سوران – نقول إذا نظرنا إلى تشكيلة هذا المجلس، نجد ان معظم اعضائه كانوا من أرباب الحرف والصنائع، مما يدل على مدى إعتماد الأمير على أهل الخبرة والاختصاص في إدارة شؤون الامارة.