سيد الأوفياء رسول الله صلى الله عليه وسلم - منتديات احساس ناي

 ننتظر تسجيلك هـنـا

{ فَعِاليَآت احساس ناي ) ~
                             


عدد مرات النقر : 349
عدد  مرات الظهور : 9,480,301
عدد مرات النقر : 329
عدد  مرات الظهور : 9,480,298
عدد مرات النقر : 223
عدد  مرات الظهور : 9,480,337
عدد مرات النقر : 176
عدد  مرات الظهور : 9,480,337
عدد مرات النقر : 323
عدد  مرات الظهور : 9,480,337

عدد مرات النقر : 23
عدد  مرات الظهور : 2,998,456

عدد مرات النقر : 47
عدد  مرات الظهور : 2,993,045

عدد مرات النقر : 20
عدد  مرات الظهور : 2,993,569

العودة   منتديات احساس ناي > ๑۩۞۩๑{ القسم الاسلامي }๑۩۞۩๑ > › ~•₪• نبـي الرحمه وصحابته~•₪•

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 05-05-2024, 07:41 PM
حكاية ناي ♔ متواجد حالياً
Saudi Arabia     Female
SMS ~ [ + ]
لولا سعة الأمل لضاقت بنا الحياة
اللهم أيام كما نُحب و نتمنى ..♥️
Awards Showcase
 
 عضويتي » 16
 جيت فيذا » Sep 2022
 آخر حضور » يوم أمس (08:15 PM)
آبدآعاتي » 3,719,868
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »
 التقييم » حكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond repute
الاعجابات المتلقاة : 2253
الاعجابات المُرسلة » 791
مَزآجِي   :  08
?? ??? ~
لولا سعة الأمل لضاقت بنا الحياة
اللهم أيام كما نُحب و نتمنى ..♥️
 آوسِمتي »
 
افتراضي سيد الأوفياء رسول الله صلى الله عليه وسلم

Facebook Twitter


الحمدُ لله العَليمِ الخبيرِ، السَّميع البصِير، أحاطَ بكل شيءٍ عِلمًا، وأَحصَى كلَّ شيءٍ عَددًا، لا إلهَ إلاَّ هو إليه المصير، أحمَدُ ربي وأشكرُه، وأتوب إِليه وأستغفِره، وأشهد أن لا إلهَ إلاّ الله وحده لا شَريكَ له العليُّ الكبيرُ، وأشهَد أنَّ نبيَّنا محَمَّدًا عَبدُ الله ورسولُهُ البَشيرُ النذيرُ والسراجُ المُنيرُ، اللَّهمَّ صل وسلم وبَارِك على عبدِكَ ورسولِكَ محمَّدٍ، وعلى آلِه وأصحابِه ذَوي الفَضلِ الكَبيرِ.



أما بعد:

فيا أيها الكرماء الأجلاء عباد الله، فإننا مهما بحثنا فلن نجد في كتب التاريخ والسير من فجر الخليقة إلى اليوم ـ بل إلى قيام الساعة ـ رجلًا مثل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كمال خُلقه، وعظمة شخصيته، فهو خير البرية أقصاها وأدناها، ما وُجِدَ على الأرض أنقى سيرة وسريرة منه صلى الله عليه وسلم، وصدق الله العظيم حين قال: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، فما من سجية في البشر تحمد إلا وله منها أحسنها، ولا من صفة تعاب إلا وهو أبعد الناس عنها، حاز رسولنا من الأخلاق أعلاها، وجمع من الصفات أكملها وأسناها، فاجتمع فيه الكمال البشري كما لم يجتمع في أحد قبله ولا بعده.



وسوف نطرُق في هذه الخطبة جانبًا من حميد صفاته عليه الصلاة والسلام، لنتعلم ونعلم كيف يكون الإسلام علمًا وعملًا ينسجم الظاهر مع الباطن، فيعطي مؤمنًا صادقًا راغبًا محبًّا، ومن أخلاقه، وشمائله الكريمة: خُلُق الوفاء، والوفاءُ ضد الغَدْر يقال وَفَى بعهده وأَوْفَى إذا أتمه والوفاء: أخو الصدق والعدل، وذلك أن الوفاء صدق اللسان والفعل معًا.



والوفاءُ بمعناه الواسِع:

القيامُ بالحقوق، وجزاءُ الإحسان، ورعايةُ الوُد، وحِفظُ العهد، وقد بلغَ في ذلك كله رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المبلغ الأعظم، فما وراءَه غاية، ولا مِثله أحد. شهد له بذلك أعداؤه قبل أصحابه، فقد شهد أبو سفيان بن حرب قبل إسلامه لعظيم الروم ـ هرقل ـ عندما استشهده على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأثنى عليه أبو سفيان بجميل الصفات، وعظيم الخلال، وقال معللا ذلك: وأيم الله لَوْلَا مَخَافَةُ أَنْ يؤثر علي الْكَذِبُ لَكَذَبْتُ، فقال هرقل لأبي سفيان: «سَأَلْتُكَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنهُ أَمَرَكُمْ بِالصلَاةِ وَالصدْقِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ.



قَالَ: وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِي، وَسَأَلْتُكَ هل يَغْدِرُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الرسُلُ لَا يَغْدِرُونَ؛ (البخاري).



ويتحدث رسول الله عنه نفسه أَنه لَا يَنْقُض عَهْدًا، فقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "إِني لَا أَخِيْسُ بِالْعَهْدِ"؛ [رواه أحمد وأبو داود، وصحَّحه الألباني]، بل كان النبي يستعيذ مِنَ الخِيانَةِ وَهِيَ ضِد الوَفَاءِ، فَقَالَ: "وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الخِيَانَةِ، فَإِنها بِئْسَتِ البِطَانَةُ"؛ [رواه أبو داود والنسائي وحسنه الألباني]، ووصلت أهمية الأمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يتبرأ من الغادرين ولو كانوا مسلمين، ولو كان المغدورُ به كافرًا محاربًا، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَمنَ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ فَقَتَلَهُ، فَأَنَا بَرِيءٌ مِنَ الْقَاتِلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا"؛ رواه النسائي وصححه الألباني، وكان يقول: "لِكُل غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ"؛ [متفق عليه].



أيها المسلمون، إن الوفاء خلق كريم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بالمحل الأفضل والمقام الأسمى، والمكان الأشرف، فكان مضرب المثل، وحق له ذلك، وهو سيد الأوفياء صاغه عملًا منهجيًّا قريب في متناول من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ إذ إنه كان - صلى الله عليه وسلم - مثلًا يُحتذى به في أقوالٍ ناصعة، وأعمال مُضيئة، وهذه أخبارٌ وصورٌ من وفاء المصطفى - عليه الصلاة والسلام - لن تجدوا لها مثيلًا في أخبار الأوفياء مهما كانوا، ويتجلى لنا وفاء الرسول صلى الله عليه وسلم في صور كثيرة؛ منها:

وفاؤه صلى الله عليه وسلم لربه:

أيها الإخوة، كان صلى الله عليه وسلم وفيًّا مع ربه عز وجل أعظم الوفاء؛ وفاءً بالميثاق الأول الذي أخذه الله على عباده في عالم الذر، من العهد على الإيمان به، فكان صلى الله عليه وسلم في قمة الوفاء بذلك العهد، فنشأ على الحنيفية ملة إبراهيم عليه السلام، ولم يسجد لصنمٍ قط، بل نشأ على بُغض الأصنام، وبغض سائر أعمال الجاهلية، كان صلى الله عليه وسلم وفيًّا أمينًا، فقام بالطاعة والعبادة خير قيام، وقام بتبليغ رسالة ربه بكل أمانة ووفاء، فبيَّن للناس دين الله القويم، وهداهم إلى صراطه المستقيم، وَفقَ ما جاءه من الله وأمره به، قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44]، فقام صلى الله عليه وسلم بالبلاغ المبين أحسن قيام، واستشهد على ذلك أمته: «أَلَا هَلْ بَلغْتُ؟»، قَالُوا: نَعَمْ، وأشهدَ ربه عز وجل: «اللهُم اشْهَدْ»؛ (أخرجه البخاري، ومسلم).



وشهِد له ربُّه عز وجل بإكمال الدين وإتمام النعمة عليه، وعلى أمته صلى الله عليه وسلم، فقال عز وجل: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].



وقد كان رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – أعبَدَ الناس، وفى لربه مقامات العبودية، كما وفى إبراهيم - عليه السلام - فقال الله فيه: ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾ [النجم: 37]، كان - صلى الله عليه وسلم - يقول: «واللهِ إني لأتقاكُم لله وأخشاكُم له»، وكان رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – إذا صلى، قام حتى تفطر رِجلاه، قالت عائشةُ – رضي الله عنها -: يا رسولَ الله، أتصنعُ هذا وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبِك وما تأخر؟! فقال: «يا عائشة، أفلا أكون عبدًا شكُورًا؟!»؛ رواه مسلم، وكان يستغفرُ اللهَ ويتوبُ إليه في اليوم مائةَ مرة.



وفاؤه صلى الله عليه وسلم لأمه:

أيها المسلمون، تعلمون أن والد النبي توفِّي وهو في بطن أمه، ثم توفيت والدته وهو ابن ست سنوات، وكَبِرَ - عليه الصلاة والسلام - وتحمل أعباء الرسالة، وأوذي في الله تعالى، وخاض المعارك، وأسس الدولة، وقاد الأمة، وما أنساه ما تحمل فضل أمه، بل يذكرها اعترافًا بفضلها، ووفاءً لحقِّها، فيبكي صلوات الله وسلامه عليه؛ جاء عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: زَارَ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَبْرَ أُمهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى من حَوْلَهُ، فقال: "اسْتَأْذَنْتُ رَبي في أَنْ أَسْتَغْفِرَ لها فلم يُؤْذَنْ لي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ في أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لي"؛ رواه مسلم.



وفاؤه صلى الله عليه وسلم لعمه:

أحبتي في الله، كان أبو طالب عم رسول الله صاحب فضل عليه؛ إذ كفله بعد وفاة جده، وظل يدافع عنه، ويتحمل أذى كبار مكة بسببه، فلم ينسَ مواقف عمه أبي طالب من تربيته وهو في الثامنة من عمره، ورعايته له، فحفظ له النبي ذلك، فكان حريصًا على هدايته قبل موته، واجتهد في هدايته، وطالبه بكلمة تكون له حجةً عند الله تعالى، فكان عند رأسه قُبيل وفاته يناشده قائلًا: «أَيْ عَم، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلا الله؛ كَلِمَةً أُحَاج لَكَ بِهَا عِنْدَ الله"، فما زال به أئمة الكفر حتى مات على كفره، فَقَالَ أَبو جَهْلٍ وَعَبْدُالله بْنُ أَبِي أُمَيةَ: «يَا أَبَا طَالِبٍ، تَرْغَبُ عَنْ مِلةِ عَبْدِالمُطلِبِ؟! فَلَمْ يَزَالَا يُكَلمَانِهِ حَتى قَالَ آخِرَ شَيْءٍ كَلمَهُمْ بِهِ: عَلَى مِلةِ عَبْدِالمُطلِبِ»، فحَزِنَ النبي صلى الله عليه وسلم لذلك حزنًا شديدًا، ولم يزل يُغالبُه عظيمُ وفائه له، حتى قال: «أَمَا والله لَأَسْتَغْفِرَن لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عنه"، فنزلت: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ [التوبة: 113]، وَنَزَلَتْ: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [القصص: 56]؛ (البخاري ومسلم).



ومن وفاء رسول الله عليه الصلاة والسلام لعمِّه أبي طالب - أنه شفع فيه عند الله تعالى حتى خفف عنه العذاب؛ كما قال العباس - رضي الله عنه -: يا رَسُولَ الله، هل نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ، فإنه كان يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لك؟ قال: "نعم، هو في ضَحْضَاحٍ من نَارٍ لَوْلَا أنا لَكَانَ في الدرَكِ الْأَسْفَلِ من النارِ"؛ متفق عليه، وفي رواية لمسلم قال صلى الله عليه وسلم: "وَجَدْتُهُ في غَمَرَاتٍ من النارِ، فَأَخْرَجْتُهُ إلى ضَحْضَاحٍ".



وفاؤه صلى الله عليه وسلم لأقاربه وذوي رحمه:

أيها الإخوة، لم يقتصر وفاء النبي عند هذا فحسب، بل امتد هذا الوفاء العظيم ليشمل أقاربه من الرضاعة؛ حيث ظل صلى الله عليه وسلم يعترف لهم بالفضل، ويتحيَّن فُرَصَ الوفاء لهم، حتى إذا ما سنحت واحدةٌ بادر إليها.



ومن ذلك ما كان يوم حنين؛ حيث سبى المسلمون في ذلك اليوم من هوازن وثقيف النساء والذراري والأموال، وكان منهم من بني سعد بن بكر الذين تنتسب إليهم حليمة السعدية مُرضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل منهم يُقَال لَهُ: أبُو جَرْوَلٍ زُهَيْرُ بْنُ صُرَدٍ؛ فَقَالَ: يا رسول الله، في الأَسر عَماتك وخالاتك وحواضنك اللائي كفَلنَك، فلم يتأخر رسول الله صاحب الخلق العظيم عن الوفاء الذي طال ترقُّبُه له، وَكَانَ النبِي صلى الله عليه وسلم انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطائِفِ، فَقَامَ النبِي صلى الله عليه وسلم فِي الناسِ، فَأَثْنَى عَلَى الله بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُم قَالَ: «أَما بَعْدُ، فَإِِني رَأَيْتُ أَنْ أَرُد إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ؛ فَمَنْ أَحَب مِنْكُمْ أَنْ يُطَيبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَب أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظهِ حَتى نُعْطِيَهُ إِياهُ مِنْ أَولِ مَا يُفِيءُ الله عَلَيْنَا فليفعل"، فقال الناسُ: طَيبْنَا لَكَ ذَلِكَ، فأطلقَ لهم ستة آلاف صبي وامرأة؛ (أخرجه البخاري)، فلم ينسَ رسول الله أهله من الرضاعة، مع بُعْد عهده بهم.



وأخبر أبو الطفَيْلِ - رضي الله عنه - أن امْرَأَةً دَنَتْ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فَبَسَطَ لها رِدَاءَهُ فَجَلَسَتْ عليه، فقلت: من هِيَ؟ فَقَالُوا: هذه أمُّه التي أَرْضَعَتْهُ"؛ رواه أبو داود.



وكانت مولاة لأبي لهب تُدعى ثويبة قد أرضعت النبي - عليه الصلاة والسلام - فما نسي لها ذلك وهي على الشرك، فكان عليه الصلاة والسلام يبعث إليها بصلة وبكسوة حتى ماتت.



وقدِمَت عليه الشيماء - أختُه من الرضاعة - فبسطَ لها رداءَه وأجلسَها معه، ثم أعطاها ما أعطاها، قال الحافظ ابن عبدالبر رحمه الله تعالى: "أعطاها رسول الله نعمًا وشاءً، وثلاثة أعبُد وجارية".



وكان عليه الصلاة والسلام وفيًّا مع الأصهار والأرحام؛ حيث أوصى بأهل مِصر خيرًا، وقال - كما ثبتَ في "صحيح مسلم" عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه -: «إنكم ستفتَحون مصر، فإذا فتحتُموها فأحسِنوا إلى أهلِها، فإن لهم ذمةً ورحِمًا»، أو قال: «ذِمةً وصِهرًا».



وفاؤهِ صلى الله عليه وسلم لزوجاته:

وأما وفاؤه لزوجاته، فلم يعرف الوفاء له نظيرًا! وكيف لا وفي القرآن ـ الذي هو خُلُقه ـ: ﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 237]، فكان - عليه الصلاة والسلام - أوفى زوج لزوجاته، وجعل الميزان الذي يوزن به خيرية المرء لأهله حسن معاملته لهم، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (خيرُكم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)؛ رواه الترمذي.



أيها الكرماء الأجلاء، لقد كانت خديجة رضي الله عنها تشد أزره في بدايات بعثته، وهي أول من صدَّقته وآمنت به، وواسته بمالها، فما نَسِيَ عليه الصلاة والسلام فضلَها، فوفي لها في حياتها وبعد موتها:



أما في حياتها فلم يتزوج عليها؛ وفاءً لها، واعترافًا بجميلها، وحفظًا لحقها، قالت عَائِشَة - رضي الله عنها-: "لم يَتَزَوج النبي صلى الله عليه وسلم على خَدِيجَةَ حتى مَاتَتْ"؛ رواه مسلم.



وأما بعد وفاتها رضي الله عنها، فكان يذكرها، ويتعاهد بالهدايا صواحبها حتى غارت عائشة؛ فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النبِي صلى الله عليه وسلم مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَمَا رَأْيْتُهَا وَلكِنْ كَانَ النبِي صلى الله عليه وسلم يُكْثِر ذِكْرَهَا، وَرُبمَا ذَبَحَ الشاةَ ثُم يُقَطعُهَا أَعْضَاءً، ثُم يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ؛ فَرُبمَا قُلْتُ لَهُ: كَأَنهُ لَمْ يَكنْ فِي الدنْيَا امْرَأَةٌ إِلا خَدِيجَةُ فَيَقُولُ: «إِنهَا كَانَتْ، وَكَانَتْ، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ»؛ (البخاري ومسلم).



وتقول أيضًا رضي الله عنها: إن عجوزًا جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل عليها، فقالت عائشة رضي الله عنها: «تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال!!»، فقال: «إنها كانتْ تَأتينا زَمن خَدِيجةَ، وإن حُسْنَ العَهْدِ مِنَ الإِيمانِ»؛ (أخرجه الحاكم وصححه الألباني).



وكانت أختها هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ رضي الله عنها إذا استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم عَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ فَارْتَاحَ لِذَلِكَ، فقال: "اللهم هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ"، فتغار عائشة - رضي الله عنها- تقول عائشة رضي الله عنها: «اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، أُخْتُ خَدِيجَةَ، عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ، فَارْتَاحَ لِذَلِكَ، فقال: «اللهُم هَالَةَ»، قالت: فَغِرْتُ، فَقُلْتُ: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ، حَمْرَاءِ الشدْقَيْنِ، هَلَكَتْ فِي الدهْرِ، قَدْ أَبْدَلَكَ الله خَيْرًا مِنْهَا؛ (البخاري ومسلم)، وفي رواية لأحمد: أن عَائِشَةُ - رضي الله عنها -: "قَالَتْ: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عليها فَأَحْسَنَ الثنَاءَ، قالت: فَغِرْتُ يَوْمًا، فقلت: ما أَكْثَرَ ما تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشدْقِ قد أَبْدَلَكَ الله - عز وجل - بها خَيْرًا منها، قالت: فَتَمَعرَ وَجْهُهُ تَمَعُّرًا، مَا كُنْتُ أَرَاهُ إِلا عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ، أَوْ عِنْدَ المَخِيلَةِ، حَتى يَنْظُرَ أَرَحْمَةٌ أَمْ عَذَابٌ، ثم قال ما أَبْدَلَنِي اللهُ بها خَيْرًا منها، صَدقَتْنِي إِذْ كَذبَنِي الناس، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي الناس، وَرَزَقَنِي اللهُ منها الْوَلَد»؛ (البخاري ومسلم)، و(حَمْرَاءِ الشدْقَيْنِ): العجوز التي سقطت أسنانها من الكِبَر، وعند مسلم (فارتاح لذلك): أي هشَّ لمجيئها، و(تَمَعرَ): تغير لونُه؛ كناية عن الغضب، و(المَخيلة): السحابة التي يُظن أن فيها مطرًا.



وما حدَث يوم بعَث أهل مكة في فداء أَسراهم، فبعثَتْ زينبُ - رضي الله عنها - بنتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في فداء أبي العاص (زوجها)، وبعثَتْ فيه بقِلادة لها كانت عند خديجة - رضي الله عنها - (أُمها)، أدخلتْها بها على أبي العاص، قالت: فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رق لها رِقةً شديدة، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن رأيتُم أن تُطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها))، فقالوا: نعم؛ رواه أبو داود وصححه الألباني.



أيها المسلمون، هكذا كان صلى الله عليه وسلم وفيًّا لزوجته التي واراها الثرى منذ زمن، فلم يَنْسها ولم ينْسَ معروفَها قط.



وكذلك كان وفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لسائر زوجاته، فلما أنزل الله عز وجل آية التخيير: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 28]، بدأ بعائشة رَضِيَ الله عَنْهَا، وقال لها: «يَا عَائِشَةُ، إِني أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكِ أَمْرًا أُحِب أَلا تَعْجَلِي فِيهِ حَتى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ»؛ وفاءً منه لهذه الزوجة التي هي حديثة السن، وقد تَغْفُل مَنْ هي في سنها مصلحتَها الكاملة، وتلا عليها الآية، لكنها رَضِيَ الله عَنْهَا، وهي التي عاشرته ورأت عظيم أخلاقه وروائع سجاياه، لم تكن أبدًا لتختار غيره صلى الله عليه وسلم، ولو كانت الدنيا وزينتها كلها، فتعلنها صريحة واضحة مجلجلة: «أَفِيكَ يَا رَسُولَ الله أَسْتَشِيرُ أَبَوَي؟! بَلْ أَخْتَارُ الله وَرَسُولَهُ وَالدارَ الآخِرَةَ»، ثم قالت رَضِيَ الله عَنْهَا: «وَأَسْأَلُكَ أَلا تُخْبِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِالذِي قُلْتُ»، قَالَ: «لَا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُن إِلا أَخْبَرْتُهَا، إِن اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنتًا وَلَا مُتَعَنتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلمًا مُيَسرًا»؛ (مسلم).



وإنما كان يخبرهنَّ بهذا الذي اختارته رَضِيَ الله عَنْهَا؛ لأنه هو الخير، وهو صلى الله عليه وسلم لا يريد لهن إلا الخير، وفاءً لهنَّ على صبرِهنَّ على لأْوَاء المعيشة التي كان عليها، وطولِ الصحبة التي أمضينها معه.



وفاؤه صلى الله عليه وسلم لأصحابه:

أيها الكرماء الأجِلاء، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيًّا مع أصحابه الذين أجابوا دعوته ووقفوا بجانبه، وآزروه ونصروه، فنوَّه بفضلِهم، ونهَى عن سبِّهم، ورفعَ قدرَهم وأعلى شأنَهم، وأوصي بهم خيرًا، فقال ـ صلى الله عليه وسلم: "احفظوني في أصحابي"؛ رواه ابن ماجه، وقال: "لا تَسُبُّوا أصحابي"؛ رواه البخاري، وقال: "مَن سبَّ أصحابي، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"؛ رواه الطبراني، وقال: "الله الله في أصحابي"، وقال: "خيرُ الناس قرني ثم الذين يلونهم"؛ رواه البخاري، وقال: "آية الايمان حبُّ الأنصار، وآية النفاق بُغض الأنصار"؛ رواه البخاري ومسلم.



كما وفَّى لأبي بكر ـ رضي الله عنه، فبيَّن للأمة مكانته ومنزلته، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافيناه، ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدًا يكافيه الله بها يوم القيامة)؛ رواه الترمذي.



وفي مرضِه صلى الله عليه وسلم الذي ماتَ فيه، قعدَ على المِنبَر وهو عاصِبٌ رأسَه بخِرقَة، فحمِد الله وأثنَى عليه، ثم قال: «إنه ليس من الناس أحدٌ أمن علي في نفسه ومالِه من أبي بكر بن أبي قُحافَة، ولو كنتُ مُتخِذًا من الناس خليلًا، لاتخذتُ أبا بكرٍ خليلًا، ولكن خُلة الإسلام أفضَل، سُدوا عني كل خوخَةٍ في هذا المسجِد غيرَ خوخَة أبي بكرٍ»، والخَوخَةُ هي البابُ الصغيرُ ونحوُه.



وموقفه مع حاطب بن أبي بلتعة مع ما بدر منه حين أفشى سر الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام في أشد المواقف خطورة؛ حيث كتب إلى قريش يخبرها بمقدم رسول الله وجيشه، فعفا عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وفاءً لأهل بدر، وقال: (إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله اطَّلع على أهل بدر، فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم)؛ رواه البخاري ومسلم.



ووفَّى ـ صلى الله عليه وسلم ـ للأنصار مبايعتهم له، ووقوفهم معه، فحينما خشي بعضهم إذا ظهر وانتصر أن يعود لقومه ويتركهم، تبسَّم ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال: ( .. أنا منكم، وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم)، وقال لهم: (لو سلك الناس واديًا أو شِعبًا، لسلكت واديكم وشعبكم، أنتم شعار، والناس دثار، ولو لا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ثم رفع يديه حتى إني لأرى ما تحت منكبيه، فقال: اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار، أما ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبعير، وتذهبون برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى بيوتكم؟ فبكى القوم حتى اخضلوا (ابتلت) لحاهم، وانصرفوا وهم يقولون: رضينا بالله وبرسوله حظًّا ونصيبًا)، ثم أوصى بهم في مرض موته، فقال ـ صلى الله عليه وسلم: (أُوصيكم بالأنصار، فإنهم كَرِشي وعَيبتي (بطانتي وخاصتي)، وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقبَلوا من مُحسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم)؛ رواه البخاري.



والشعار: الثوب الذي يلي الجسد، والدثار: الذي فوق الشعار.

أيها الكرماء الأجلاء، ولم يكن وفاء النبي لهم قاصرًا على حال حياتهم فحسب، فهذا قد يُحسِنُ بعضَه الكثير، لكنه وفاء ممتد بعد الوفاة، وهو الوقت الذي لا يحفظ فيه الوفاء إلا صاحب الخلق العظيم!



وفاء في الأهل والولد، وفاء في قضاء الدين؛ يقول صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أَوْلَى بِكُل مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَي وَعَلَي»؛ (مسلم).



و(الضَّياع): الذرية والأبناء.



وفاؤه صلى الله عليه وسلم لأعدائه:

أيها المسلمون، لم يقف وفاؤه - صلى الله عليه وسلم عند حدود الآل والصحب، بل تجاوزَهم إلى الأعداء؛ كما ظهر ذلك في هذا الموقف الجليل الذي يَحكيه لنا حذيفةُ بن اليَمان - رضي الله عنه - قال: ما منَعني أن أشهد بدرًا، إلا أني خرجت أنا وأبي حُسيلٌ، قال: فأخَذَنا كفار قريش، قالوا: إنكم تريدون محمدًا، فقلنا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة، فأخَذوا منا عهدَ الله وميثاقه، لنَنصَرِفَنَّ إلى المدينة ولا نُقاتل معه، فأتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرْناه الخبر، فقال: ((انصَرفا، نَفي لهم بعهْدهم، ونستعين الله عليهم))؛ رواه مسلم.



وكما في صلح الحديبة؛ حيث كان ملتزمًا بالشروط، وفيًّا لِما كتب صلح الحديبية، ووافق النبي - صلى الله عليه وسلم - على بنوده، وكان منها: رد من جاء مؤمنًا من أهل مكة إلى المشركين، خرج أبو جندل رضي الله عنه يصرخ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ، أتردونني إلى أَهْلِ الشرْكِ، فيفتنوني في ديني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أَبَا جَنْدَلٍ، اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ، فإن اللهَ عز وجل جَاعِلٌ لك وَلِمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، إنا قد عَقَدْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ صُلْحًا، فَأَعْطَيْنَاهُمْ على ذلك وَأَعْطَوْنَا عليه عَهْدًا وإنا لَنْ نَغْدِرَ بِهِمْ"؛ رواه أحمد، ومسلم.



وثبت أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال في أُسارى بدرٍ: لو كان المُطْعَمُ بنُ عَدَيٍّ حيًّا، ثم كلَّمَني في هؤلاء النَّتْنَى لترَكْتُهم له))؛ البخاري.



وذلك أن المطعم بن عدي أدخل النبي صلى الله عليه وسلم في جواره عندما طرده أهل مكة وأهل الطائف، فحماه من قريش وأدخَله مكة، فعَلها المطعم حميةً، ويريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يردَّها دِينًا وعبوديةً، وليعلم الجميع أن هذا الدين إنما جاء ليتمِّم صالح الأخلاق، والدين عدل فيأخذ ما حسن ويدع ما قبح ليستقيم الناس على المنهج.



وفاؤه يوم فتح مكة:

أيها الإخوة، وفي فتح مكة أخذ - عليه الصلاة والسلام - مفتاح الكعبة من بني طلحة حُجاب البيت، فلما انتهى من الكعبة، كان المفتاح مع علي رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك، فقال صلى الله عليه وسلم: "أين عثمان بن طلحة؟"، فدعي له، فقال: "هاك مفتاحك يا عثمان، اليومُ يومُ بِرٍّ ووفاء"، ثم تلا قول الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 58]، وتكريمًا لشأن عثمان والوفاء، خصه صلى الله عليه وسلم وذريته من بعده بسدانة البيت والمفتاح، فقال: (خُذُوهَا يَا بني طَلْحَةَ خَالِدَةً تالدةً لا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إِلا ظَالِمٌ، يَعْنِي حِجَابَةَ الْكَعْبَةِ)؛ (مجمع الزوائد)، ولما مات عثمان سلمه لابنه شيبه، وما زال المفتاح حتى يومنا هذا في بني شيبة.



وفاء يفوق الخيال:

أيها الإخوة الأفاضل، لم يقف وفاء رسول الله عند هذا الحد فحسب، بل شمل الجمادات، فهذا جذع شجرة لا يعقل، كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخطب عليه، وفي يوم الجمعة صعد منبرًا صُنِع له، وترك ذلك الجذع، فصاح الجذع صياح الصبي حنينًا إليه صلى الله عليه وسلم، وفي لمسة وصورة وفاء، ينزل النبي صلى الله عليه وسلم، ويَحتضنه ويضمه إليه حتى سكن، ثم قال: (أما والذي نفس محمد بيده، لو لم ألتزِمه، لَما زال هكذا إلى يوم القيامة، حزنًا على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأمر به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فدُفِن)؛ رواه الترمذي.



بل إن وفاءه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصل للحجارة الصماء، فقال عن جبل أُحُد: (هذا أحد يُحبنا ونُحبه)؛ رواه البخاري.



هذا هو وفاء النبي العظيم، أَنْعِم به من خلق كريم، تعدَّدت مجالاته، وتنوعت مظاهره، فكان لكل صنف من الناس نصيب من وفائه صلى الله عليه وسلم، فهل لك نصيب من خلق نبيك ورسولك؟ أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.



الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، أما بعد:



فيا أيها الإخوة، ما زلنا مع سيد الأوفياء لنرى كيف كان صلى الله عليه وسلم وفيًّا لأمته.



وفاؤه صلى الله عليه وسلم لأمته:

أحبتي الكرام، إن من وفاء سيد الأوفياء لأمته أن بلغهم البلاغَ المُبين، وتركَهم على المحجة الواضِحة، في سنن البيهقي: (عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِى عَمْرٍو عَنِ الْمُطلِبِ أَن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِما أَمَرَكُمُ اللهُ بِهِ إِلا وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلاَ تَرَكْتُ شَيْئًا مِما نَهَاكُمُ اللهُ عَنْهُ إِلا وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ».



وكان سيد الأوفياء يترُك الكثيرَ من العمل خوفَ المشقة عليهم، «لولا أن أشُق على أمتي لأمرتُهم ..»، ولفعلتُ ولفعلتُ.



وفي المستدرك للحاكم (عن ابن مسعود: أن رسول الله قال: (ليس من عمل يقرب إلى الجنة إلا قد أمرتكم به، ولا عمل يقرِّب إلى النار إلا قد نهيتُكم عنه)، وصدق الله: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].



فلم ينس سيد الأوفياء أمته، بل كان يتذكرهم فيبكي، ويدعو لهم؛ رحمة بهم، وشفقة عليهم، روى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لِكُل نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ يَدْعُو بها، وَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمتِي في الْآخِرَةِ"؛ رواه الشيخان.



وفي حديث عبداللهِ بن عَمْرِو رضي الله عنهما أَنه - عليه الصلاة والسلام - رَفَعَ يَدَيْهِ وقال: "اللهم أُمتِي أُمتِي وَبَكَى، فقال الله عز وجل: يا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إلى مُحَمدٍ - وَرَبكَ أَعْلَمُ - فَسَلْهُ ما يُبْكِيكَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ - عليه السلَام - فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بِمَا قال وهو أَعْلَمُ، فقال الله: يا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إلى مُحَمدٍ فَقُلْ: إِنا سَنُرْضِيكَ في أُمتِكَ ولا نَسُوءُكَ"؛ رواه مسلم.



وفي صحيح البخاري من حديث الشفاعة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبي - عَز وَجَل - فَيَفْتَحُ اللهُ عَلَي وَيُلْهِمُنِي مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ لأَحَدٍ قَبْلِي، ثُم يُقَالُ: يَا مُحَمدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَسَلْ تُعْطَهُ، اشْفَعْ تُشَفعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: يَا رَب، أُمتِي أُمتِي، يَا رَب أُمتِي أُمتِي، يَا رَب، أُمتِي أُمتِي، ثَلاثَ مَراتٍ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمدُ، أَدْخِلِ الْجَنةَ مِنْ أُمتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ الناسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ.



أيها المسلمون، إذا كان هذا حبه ووفاءه لأمته صلوات ربي وسلامه عليه، فحريٌّ بنا أن نأتمر بأوامره ونجتنب نواهيه، ونعمل بسُنته ونذُبَّ عن دينه، ونتخلق بأخلاقه فنكون من أهل الوفاء. الوفاءَ الوفاء يا أمة سيد الأوفياء، فمَن أعطى بالله ثم غدَر فالله خصمه، ويُنصَب لكل غادرٍ يوم القيامةِ لواء يقالُ: هذه غدرة فلان، الوفاءَ الوفاء نريد وفاءً مع الله بتوْحيده وإخلاص العبادة له. ووفاءً مع رسولِ الله، اقتداءً واهتداءً، ووفاءً مع أحق الناس بالوفاء مع الوالدين خاصةً مع الحاجة وكِبَر السن، وفي الحياة الأُسرية يجبُ أن يكون الوفاءُ حاضرًا في كل، ووفاءً مع عباد الله في العهود والعقود والوعود، وإن الوفاء يعظم لمن له حقٌّ على الإنسان، من أبناء وإخوة، وزوجة وخِلان، وها هيا بضع آياتٍ قد انطلقتْ أنوارها في مدار الشمس والشهب، سمتْ بها أمة الإسلام والعرب: ﴿ أَوْفُوا بِالعُقُودِ ﴾ ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ ﴾ [النحل: 91] ﴿ وَأَوْفُوا الكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ ﴾ [الإسراء: 35] ﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 10].


بِذَا يَقُودُ الوَفَا قَوْمِي لِغَايَتِهِمْ
وَتُشْرِقُ الشمْسُ مِنْ خَلْفِ الدجَى البَادِي

أسأل الله العلي الأعلى أن يجعلنا من أهل الوفاء، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين وأقم الصلاة.



 توقيع : حكاية ناي ♔

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:38 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
User Alert System provided by Advanced User Tagging v3.1.0 (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.