قصة دخول عمر بن الخطاب بيت المقدس
متى تم فتح بيت المقدس في عهد عمر بن الخطاب
جاء اسم المسجد الأقصى ببيت المقدس على مر التاريخ ، ولكن جاءت تسمية المسجد الأقصى لأولِ مرة عند نزول الآية الكريمة لقوله تعالى في كتابه الكريم: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} من سورة الإسراء، ولقد سمي الأقصى أي الأبعد من البعد، والمقصود البعيد عن مكة المكرمة، ولقد جاءت المصادر التاريخية إلينا بتاريخ بناء المسجد الأقصى ولكن بشكل تقريبي وليس قاطعًا، يقال أن تم بناء المسجد الأقصى قبل المسجد الحرام بحواي أربعين عامًا تقريبًا، وذلك لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أَبَي ذَرٍّ رضي الله عنه أنه يَقُولُ: “سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ أَوَّلِ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ؟ قال: “الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ”، قُلْتُ: ثُمَّ أَي؟ قَالَ: “الْمَسْجدُ الأَقْصَى” قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ رسول الله: “أَرْبَعُونَ عَامًا، ثُمَّ الأَرْضُ لَكَ مَسْجِدٌ فَحَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاةُ فَصَلِّ” رواه مسلم، ومن ذلك الحديث يتضح لنا أن إبراهيم عليه السلام هو من قام ببناء المسجد الأقصى، وذلك لأن إبراهيم كان يعيش في المدة الزمنية التي أشار إليها الحديث السابق وأنه كان على أرض فلسطين المقدسة في ذلك الوقت.
يعتبر فتح بيت المقدس أحد أهم انجازات عمر بن الخطاب في عصره، فلقد جاء دخول عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيت المقدس في شهر ربيع الأول من العام السادس عشر من الهجرة ، وذلك لما يملكه المسجد الأقصى من مكانة عند المسلمين جميعًا فهو أولى القبلتين ومسرى رسول الله وثالث الحرمين الشريفين، فهو ثالث مسجد يمكن أن يشد المسلم له رحاله لأجل الصلاة، لذلك توجه إليه عمر بن الخطاب في عهد فتوحاته في بلاد المشرق، وتسلم مقاليد الحكم وفتح بيت المقدس بعد مرور أربعة أعوام شديدة دارت فيها المعارك والحروب على أراضي بلاد الشام من أجل أن يفتح المسلمون طريقًا لهم إلى المسجد الاقصى ومنه إلى جميع البلاد وتحويلها إلى أرضٍ إسلامية. [1]
قصة عمر بن الخطاب في بيت المقدس
دخل المسلمون في العديد من المعارك بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل نشر الإسلام ، وفي عام 15 من الهجرة دخل الإسلام بلاد الشام واشتبكوا مع الروم في معركة أجنادين وكانت معركة شديدة على الطرفين لكنها أنتهت بفوز المسلمين، بالتالي اتجه بعدها المسلمون إلى مدينة إيلياء وهي بيت المقدس حاليًا وحاصروها حصارًا شديدًا لمدة أربعة أشهر ولما اشتد الأمر على أهلها ذهبوا إلى بطريركهم يفتيهم فطلب أن يدخل عليهم عمر أمير المؤمنين، ولقد جاء فتح بيت المقدس بعد فتح عبيدة بن الجراح إلى دمشق، لكن شق على عبيدة فتحها فلقد رفض أهلها التسليم، لأن رهبانها قالوا أن هناك مواصفات لمن يفتحها وفيه كذا وكذا وهي صفات أمير المؤمنين كما ذكرنا، فأرسل إلى عمرو بن العاص لكنه علم أن المقصود هو عمر بن الخطاب فعاد الرسول إلى أمير المؤمنين ولكن رفض البعض المسير إليهم ووافق علي ابن أبي طالب، فوافق عمر بن الخطاب وشد رحاله إلى بيت المقدس، وقد قال عمر بن الخطاب ردًا على مَن رفضوا خروجه إلى بيت المقدس:- (أُبَادِر بالجهاد قبل موت العباس، إنكم لو فقدتُم العباس لانتقض بكم الشرُّ كما ينتقض الحبل)، ثم توجه سيدنا عمر بن الخطاب من الجابية إلى بيت المقدس وصالح نصارى بيت المقدس، واستقبله البطريرك صفرونيس وكبير الأساقفة، واشترط عليهم إجلاء الروم إلى ثلاث الإسلام أو الجزية أو الحرب، ثم دخل المسجد من الباب الذي دخل منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة الإسراء، ويقال أنه صلى تحية المسجد في محراب داود، ثم جعل على نصف فلسطين علقمة بن حكيم وأسكنه مدينة الرملة، وعلى نصفها الآخر جعل علقمة بن مجزر وأسكنه إيلياء.
قصة عمر بن الخطاب مع الراهب
تعتبر قصة عمر بن الخطاب مع أحد الرهبان من أهل بيت المقدس من أكثر القصص الشهيرة التي وردت عن هذا الحدث، والذي وقع قبل فتح عمر بن الخطاب لبيت المقدس، وذلك لما فيه من تعامل سيدنا عمر بن الخطاب مع الراهب والذي كان مليئًا بالعطف والكرم، وتعتبر قصة عمر بن الخطاب مع المسيحيين أي أنها دليلًا على تعامل أمير المؤمنين معهم جميعًا، لقد روى أحمد بن مروان الدينوري عن عمر بن الخطاب: (أنه قدم دمشق في تجار من قريش فلما خرجوا تخلف عمر لبعض حاجته فبينما هو في البلد إذا هو ببطريق يأخذ بعنقه، فذهب ينازعه فلم يقدر، فأدخله دارًا فيها تراب وفأس ومجرفة وزنبيل، وقال له: حول هذا من ها هنا إلى ها هنا، وغلق عليه الباب وانصرف، فلم يجئ إلى نصف النهار، قال : وجلست مفكرًا ، ولم أفعل مما قال لي شيئًا، فلما جاء قال : “ما لك لم تفعل؟” ولكمني في رأسي بيده، قال : “فأخذت الفأس فضربته بها فقتلته، وخرجت على وجهي فجئت ديرا لراهب، فجلست عنده من العشي، فأشرف علي، فنزل وأدخلني الدير فأطعمني وسقاني، وأتحفني، وجعل يحقق النظر في، وسألني عن أمري، فقلت: إني أضللت عن أصحابي، فقال: إنك لتنظر بعينٍ خائف، وجعل يتوسمني، ثم قال : لقد علم أهل دين النصرانية أني أعلمهم بكتابهم، وإني لأراك الذي تخرجنا من بلادنا هذه، فهل لك أن تكتب لي كتاب أمان على ديري هذا؟ فقلت: يا هذا، لقد ذهبت غير مذهب، فلم يزل بي حتى كتبت له صحيفة بما طلب مني، فلما كان وقت الانصراف أعطاني أتانا، فقال لي: “اركبها، فإذا وصلت إلى أصحابك فابعث إلي بها وحدها فإنها لا تمر بدير إلا أكرموها” ففعلت ما أمرني به، فلما قدم عمر لفتح بيت المقدس أتاه ذلك الراهب وهو بالجابية بتلك الصحيفة، فأمضاها له عمر، واشترط عليه ضيافة من يمر به من المسلمين، وأن يرشدهم إلى الطريق. رواه ابن عساكر وغيره. [2] [3]
الوثيقة العمرية في فتح بيت المقدس
جاءت الوثيقة العمرية كما أجمع عليها علماء التاريخ منذ عهد عمر بن الخطاب إلى يومنا هذا، وتعتبر أحد أهم المصادر التاريخية التي تدل على مدى التسامح في تعامل عمر بن الخطاب مع المشركين، بل وأنه كان طيبًا ورفيقًا بهم، وتنص العهدة العمرية في فتح بيت المقدس على ما يأتي:
“بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان: أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصُلبانهم، وسقيمها وبريئها، وسائر مِلَّتها؛ أنه لا تُسكَن كنائسهم، ولا تُهدم ولا يُنتقص منها، ولا من خيرها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يُضام أحد منهم، ولا يَسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يُعطوا الجزية كما يُعطي أهل المدائن، وعليهم أن يُخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرَج منهم، فإنه آمِنٌ على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم، فهو آمِنٌ، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يَسير بنفسه وماله مع الروم، (ويُخلي بِيَعهم وصُلُبهم)، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بِيَعهم وصُلُبهم، حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان، فمن شاء منهم قعَد، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجَع إلى أهله، فإنه لا يُؤخذ منهم شيء حتى يُحصَد حصادُهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذِمة رسوله، وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين، إذا أعطوا الذي عليهم من الجِزية
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|