مختصر تفسير القرآن تدبر وعمل لسورة البقرة (177-181)
قال الله تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 177].
الوقفات التدبرية:
١- ﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ﴾:
فمن أخرجه مع حبه له تقربًا إلى الله تعالى كان هذا برهانًا لإيمانه، ومن إيتاء المال على حبه: أن يتصدق وهو صحيح شحيح، يأمل الغنى، ويخشى الفقر، وكذلك إذا كانت الصدقة عن قلة كانت أفضل؛ لأنه في هذه الحال يحب إمساكه لما يتوهمه من العدم والفقر، وكذلك إخراج النفيس من المال، وما يحبه من ماله؛ [السعدي].
٢- ﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾:
أي: هؤلاء الذين اتصفوا بهذه الصفات هم الذين صدقوا في إيمانهم؛ لأنهم حققوا الإيمان القلبي بالأقوال والأفعال، فهؤلاء هم الذين صدقوا، وأولئك هم المتقون؛ لأنهم اتقوا المحارم، وفعلوا الطاعات؛ [ابن كثير].
٣- ﴿ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾:
وهذا من باب الترقي في الصبر من الشديد إلى الأشد؛ لأن الصبر على المرض فوق الصبر على الفقر، والصبر على القتال فوق الصبر على المرض؛ [الألوسي].
٤- ﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾:
وصية العافي بأن لا يشدد في طلب الدية على المعفو له، وينظره إن كان معسرًا، ولا يطالبه بالزيادة عليها، والمعفو بأن لا يمطل العافي فيها، ولا يبخس منها، ويدفعها عند الإمكان؛ [الألوسي].
٥- ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾:
أي: فمن تجاوز حدوده بعد هذا التشريع الحكيم الذي شرعناه بأن قتل القاتل بعد قبول الدية منه، أو بأن قتل غير من يستحق القتل فله عذاب شديد الألم من الله تعالى؛ لأن الاعتداء بعد التراضي والقبول يدل على نكث العهد، ورقة الدين، وانحطاط الخلق؛ [طنطاوي].
٦- ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾:
﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾ بمعنى قولهم: «القتل أنفى للقتل»؛ أي: إن القصاص يردع الناس عن القتل، وقيل: المعنى أن القصاص أقل قتلًا؛ لأنه قتل واحد بواحد، بخلاف ما كان في الجاهلية من اقتتال قبيلتي القاتل والمقتول حتى يقتل بسبب ذلك جماعة؛ [ابن جزي].
٧- ﴿ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ﴾:
فمن بدل الوصية وحرفها؛ فغير حكمها، وزاد فيها، أو نقص- ويدخل في ذلك الكتمان لها بطريق الأولى- ﴿ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ﴾، قال ابن عباس وغير واحد: وقد وقع أجر الميت على الله، وتعلق الإثم بالذين بدلوا ذلك؛ [ابن كثير].
التوجيهات:
١- اجْمَعْ بعض أعمال القلوب، ثم تعرَّفْ على كيفية تحقيقها في قلبك، ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾.
٢- المؤمن وفي بالعهد لا يخلفه، بل هو أحرص شيء عليه، وإنما ينقض العهد المنافق، ﴿ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ﴾.
٣- القصاص من أسباب استقرار المجتمعات وأمانها، ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾.
العمل بالآيات:
١- ضع جدولًا زمنيًّا لتوزيع صدقاتك وهداياك مما تحب على الأصناف المذكورة في الآية، ﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ ﴾.
٢- اذهب إلى الصلاة مبكرًا، ﴿ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ ﴾.
٣- بادر بكتابة وصيتك بعد استشارة من له خبرة في ذلك.
معاني الكلمات:
﴿ الْبِرَّ ﴾: فِعْل الْخَيْرِ وَالطَّاعَةِ.
﴿ وَابْنَ السَّبِيلِ ﴾: الْمُسَافِر الْمُحْتَاج.
﴿ وَفِي الرِّقَابِ ﴾: وَفِي تَحْرِيرِ الرِّقَابِ مِنَ الرِّقِّ وَالأَسْرِ.
﴿ الْبَأْسَاءِ ﴾: الْفَقْر.
﴿ وَالضَّرَّاءِ ﴾: الْمَرَض.
﴿ وَحِينَ الْبَأْسِ ﴾: وَحِينَ الْقِتَالِ.
﴿ تَرَكَ خَيْرًا ﴾: خَلَّفَ مَالًا.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|