ننتظر تسجيلك هـنـا

{ إعلانات منتديات احساس ناي) ~
 
 
 
{ دعم فني للمنتديات   )
   
{ مركز رفع الصوروالملفات   )
   
{ فَعِاليَآت احساس ناي ) ~
                             


العودة   منتديات احساس ناي > ๑۩۞۩๑{ القسم الاسلامي }๑۩۞۩๑ > › ~•₪• نبـي الرحمه وصحابته~•₪•

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 01-05-2023, 01:03 PM
حكاية ناي ♔ متواجد حالياً
Saudi Arabia     Female
SMS ~
لولا سعة الأمل لضاقت بنا الحياة
اللهم أيام كما نُحب و نتمنى ..♥️
Awards Showcase
 
 عضويتي » 16
 جيت فيذا » Sep 2022
 آخر حضور » يوم أمس (08:58 PM)
آبدآعاتي » 3,698,146
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »
 التقييم » حكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond repute
الاعجابات المتلقاة : 2091
أس ام أس ~
لولا سعة الأمل لضاقت بنا الحياة
اللهم أيام كما نُحب و نتمنى ..♥️
 
افتراضي تعظيم النبي ووجوب محبته وطاعته (2)

Facebook Twitter


سِياق الآيات الواردة في كتاب الله عزَّ وجلَّ
في تعظيم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ووجوب محبَّته وطاعته
واتِّباع سُنته والذب عن شريعته
أخْبر الله - تعالى - في كتابه عن العرب أنَّه بعَث إليهم رسولاً من أنفُسِهم عليَّ القدْر لدَيْهم، يعرفون فضلَه ومَكانته، ويتحقَّقون صِدقَه وأمانتَه، عزيزًا عليه ما يَهوِي بهم في الهَوان، حريصًا على دُخولهم إلى دار أمانِ الإيمان، شريفَ النسب فيهم، رَؤُوفًا رحيمًا بمؤمنيهم، وأنالَه من نَيْلِ الكرامة غايةَ السُّول، وقرَن طاعتَه بطاعتِه فقال: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80]، وأطلع في أفق التوفيق نجمه، ورَحِمَ العالمين به فقال: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، فمَن أصابَه شيءٌ من رحمتِه فقد فاز، ووصَل إلى كعبة النَّجاة من غير قطْع حجاز، وحصَّنه من سُوَرِ كتابه العزيز بأمنَعِ سُور، وسمَّاه فيه نورًا بقوله: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ ﴾ [المائدة: 15][1].

وأرسَلَه شاهدًا ومُبشِّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسِراجًا منيرًا، وشرَح بالرِّسالة صدرَه، ووضَع عنه وزرَه الذي أنقض ظهره، ورفَع بذِكرِه معه في الشهادتين ذكرَه، وأظهَر دِينَه على الدِّين كلِّه وعظَّم أمرَه، ورمَى المشركين منه بالمقعد المقيم، ونعَتَه في أمِّ الكتاب بالصِّراط المستقيم، وآتاه سَبْعًا من المثاني، وأكرَمَه بمنزلةٍ مُحكَمةِ المباني.
آتَاهُ سَبْعًا شُمُسٌ آيَاتُهَا
أَضْحَتْ بِآفَاقِ الهُدَى وَاضِحَهْ

لَهَا مَعَانٍ سِرُّهَا غَامِضٌ
يَعْرِفُهَا ذُو الصَّفْقَةِ الرَّابِحَهْ

سُوَرُ كِتَابِ اللهِ مَاحِلَةٌ
أَعْظَمُ مِنْهَا سُورَةٌ صَالِحَهْ

تَخْتِمُ بِالْخَيْرِ لِقُرَّائِهَا
وَهْيَ لِأَبْوَابِ الرِّضَا فَاتِحَهْ



بعَثَه حِرزًا للأمِّيِّين، ووضَع كتابَ الأبرار به في عِليِّين، ورَفَعه إلى المحلِّ الأسنى، وقرَّبه منه ﴿ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ﴾ [النجم: 9].
ونزَّه لسانَه عن النُّطق بِهَواه[2]، وفُؤاده عن الكذب فيما رآه[3]، وبصرَه عن الزَّيغ والالتِفات[4]، وزكَّى جملته الجميلة وعصَمَها من الآفات، وأقسَمَ على أنَّه ما ودَّعه ولا قَلاه، ولم يُقسِم بحياة أحدٍ في قوله: ﴿ لَعَمْرُكَ ﴾ [الحجر: 72] من الخلق سِواه، وزوَى له أرضَ الخيرات طولاً وعرضًا، حيث أنزَلَ عليه: ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ [الضحى: 5].

وأيَّده بأظهَرِ البراهين وأبهر المُعجِزات، وأرادَه في تلك الرُّسل بقوله: ﴿ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ﴾ [البقرة: 253].
ودرَأ العذاب عن أهْل مكة لكونه بِوادِيهم؛ فقال - تعالى -: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾ [الأنفال: 33].
وأَمَر الذين هم في حلية الإيمان به مُجِلُّون، أن يُصلُّوا ويُسلِّموا عليه بقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
وأعطاه الحوض المعروف بالكوثر، وردَّ على عدوه بقوله: ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ [الكوثر: 3].
وطهَّره من الأقذار والأدناس، وبيَّن عِصمَته في قوله: ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67].

وَحَمَاهُ مِمَّنْ كَانَ يَقْصِدُ ضَرَّهُ
بِيَدٍ لَهُ مَغْلَولَةٍ وَلِسَانِ

وَرَعَاهُ مِنْ نَظَرِ العُيُونِ بِعَيْنِهِ
وَكَفَاهُ شَرَّ طَوَارِقِ الحَدَثَانِ

وَأَمَدَّهُ بِحِرَاسَةٍ وَعِنَايَةٍ
مَحْفُوفَةٍ بِاللُّطْفِ وَالإِحْسَانِ

وَهُوَ الجَدِيرُ بِأَنْ يُعَظَّمَ قَدْرُهُ
عِنْدَ القَدِيرِ مُدَبِّرِ الأَكْوَانِ



وأحسن مُخاطَبته في سورة نون، ووعَدَه فيها بأجرٍ غير ممنوعٍ ولا ممنون، وأثنى عليه ثناءً يجل أنْ يحمله رسول النسيم، وبالَغ بالتمجيد والتأكيد بقوله - تعالى -: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
وأتحَفَه - تبارَك اسمُه - في سورة الفتح، بجزيل الصلات الواصلات والمنح، من ظُهوره وغلبته، وعُلوِّ شراع شريعته وكلمته، وخُضوع مَن ترفَّع من أعدائه وتكبَّر، وغُفران ما تقدَّم من ذَنبه وما تأخَّر، وإتمام النِّعمة عليه، وإرسال الهداية إليه.
ونصرَه النصرَ العزيز، ونصبَ حالَ مَن حوله على التمييز، وأنزَلَ السكينةَ على قلب مَن تابَعَه، ورِضاه عمَّن تحت الشجرة من أصحابه بايَعَه، إلى غير ذلك ممَّا تضمَّنه آيات السور المشهورة، وكم له - صلَّى الله عليه وسلَّم - من معارف معروفة ومآثر مأثورة.

شَهِدَ الكِتَابُ بِأَنَّ أَحْمَدَ مُرْسَلٌ
مِنْ صَاحِبِ المَلَكُوتِ جَلَّ جَلالُهُ

كَمْ آيَةٍ فِيهَا اسْمُهُ يُتْلَى وَكَمْ
أُخْرَى بِهَا أَوْصَافُهُ وَخِلالُهُ

وَاللهُ أَقْسَمَ صَادِقًا بِحَيَاتِهِ
فِي مُحْكَمٍ شَرَحَ الصُّدُورَ مَقَالُهُ

سُبْحَانَ مَنْ أَوْلاَهَ أَنْوَاعَ الْوَلا
وَأَنَالَهُ مَا لاَ يُرَامُ مَنَالُهُ

أَزْكَى الصَّلاةِ عَلَيْهِ مِنْ رَبِّ العُلا
أَبَدًا وَخُصِّصَ بِالتَّحِيَّةِ آلُهُ



فالإيمان بالنبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - واجب، وشهاب التصديق برسالته في سماء الهداية ثاقب، وهو أمرٌ متعيِّن لا يصحُّ إلا معه الإسلام، وكلُّ إيمانٍ خلا عن الإيمان به فهو غيرُ تمام، والإيمان به هو الشَّهادة له بالرسالة، وتصديقه في جميع ما جاء به وما قاله، فمَن آمَن به عُصِمَ دمُه وماله، وأحرز ما يُصلِح عاقبته ومآله، والإيمان محتاجٌ إلى العقد بالجنان، كما أنَّ الإسلام مضطرٌّ إلى النُّطق باللسان، فإذا اجتمع التصديق بالقلب والنطق بالمَزْرَد[5]، تم الإيمان وفاز صاحبه بالجدِّ الأسعد، وطاعته أيضًا واجبة؛ لأنها لطاعة الله مصاحبة، فمَن أطاعه هُدِيَ إلى سواء الطريق، ومَن مدَّ باعه إلى أُفُقِه ظفر بالتوفيق، ومَن امتثل أمرَه رفَل في أثواب الثَّواب، ومَن خالفه سلك به عِقاب العُقاب[6]، وطاعته هي الالتزام بسنَّتِه، والتسليم لما جاء به ورفع كلمتِه، فاتَّبِعوه وأطِيعوه، وانقلوا خبر أمره وأذِيعوه، وإذا نهاكُم عن شيء فانبِذوه، ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾[الحشر: 7]بأفقعه .

خُذُوا مَا آتَاكُمْ بِهِ المُصْطَفَى
وَأَقْوالَهُ - صَدِّقُوا - تَغْنَمُوا

وَمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ رَبِّ العُلا
إِلَيْكُمْ بِهِ سَلِّمُوا تَسْلَمُوا

وَوَالُوهُ وَامْتَثِلُوا أَمْرَهُ
وَطُرْقَ هُدَاهُ الزَمُوا تُكْرَمُوا

وَسُنَّتَهُ تَابِعُوا وَاسْمَحُوا
بِبَذْلِ النَّدَى وَارْحَمُوا تُرْحَمُوا



ولا تعوجوا عن مَناهج الحق وسُبُله، وآمِنوا بالله وملائكته وكتبه ورُسُله، واجتَهِدوا في تصميم الاعتقاد وحُضور الجنان، واجمَعُوا بين التَّصديق بالقلب والشهادة باللِّسان، فالشَّهادة باللسان دُون التَّصديق بالقلب نِفاق، ومَن نطق بها وهو غير معتقدِها ما له في الآخِرة من خلاق؛ ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آل عمران: 132]، ﴿ وَلاَ تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 42].

ويجبُ اتِّباعه وامتثال سنَّته السنيَّة، واقتفاء طريق هَديِه وسيرته في حَربِه وسلمه، والأخْذ بقوله والرضا بحكمه، فخير الهُدَى هداه، ومَن اتَّبعه أحبَّه الله، فعليكم بإحياء سُنَّته، لتُعَدُّوا من صالحي أمَّته، أفلَحَ مَن عَضَّ عليها بالنَّواجِذ، وفاز مَن رُؤِيَ وهو بجانبها لائذ، مَن انتصر بها فهو منصور، ومَن اقتدى بها وُفِّقَ في سائر الأمور.

وَمَنْ إِلَيْهَا جَاءَ يَرْجُو الهُدَى
أَلْقَتْ إِلَيْهِ حِبَرَاتِ الحُبُورْ

وَمَنْ أَتَى يَطْوِي الفَلا[7] نَحْوَهَا
فَازَ بِنَشْرِ الخُلْدِ يَوْمَ النُّشُورْ



ومَن اعتَصَم بها نجا من النَّار، ومَن حفظ بِرَّ بِرِّها حُشِرَ مع الأبرار، ومَن رَضِيَ بقول صاحبها رَضِي بالقُرآن المجيد، ومن تمسَّك بها عند فساد الأمَّة فله أجر مائةِ شهيد[8]، ومَن رَغِبَ عنها فليس من سيِّد البشَر، ومَن آثَرها على نفسه نالَ غاية الأمل ونهاية الوطَر، ومَن خالَفَها واتَّبع غيرَ سبيلِ المؤمنين، ولاَّه الله ما تولَّى وأصْلاه مَثوَى الكافرين.

فتلقوا ما صدَر عن صدْر المصطفى بالقبول، ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء: 59]، ولازِموا طريقتَه واتَّبعوا سنتَه، ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21]، ولا يَغُرَّنَّكم بالله الغَرور، وإيَّاكم ومحدثات الأمور، فإنَّ كلَّ محدثة بدعة وكلَّ بدعة ضلالة، وأيقِظوا قلوبكم بمعرفة السُّنَّة من سِنَةِ الجهالة، ولا تتعرَّضوا إلى مخالفتِه والاعتراض على طريقه المستقيم، ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63].

لاَ يَكْمُلُ الإِيمَانُ فِي قَلْبِ امْرِئٍ
إِلاَّ بِتَصْدِيقِ النَّبِيِّ المُرْسَلِ

ذَاكَ الَّذِي فِي الخَلْقِ طَاعَةُ أَمْرِهِ
وَجَبَتْ بِإِخْبَارِ الكِتَابِ المُنْزَلِ

يَا فَوْزَ نَاجٍ نُورَ سُنَّتِهِ اقْتَفَى
وَبِهِ اقْتَدَى فِي كُلِّ أَمْرٍ مُشْكِلِ

صَلَّى عَلَيْهِ اللهُ مَا أَحْيَا الحَيَا
مَيْتَ النَّبَاتِ بِعَارِضٍ مُتَهَلِّلِ



وأوجب الله - تعالى - تعظيمَه وتوقيرَه، وفرَض إعانتَه ونصره وإجلاله وتعزيرَه، ونهى المؤمنين عن التقدُّم بالقول بين يدَيْه، وعن سبقِه بالكلام وإساءة الأدب عليه، وأمرَهُم أنْ يستَمِعوا لما يخرُج من فيه، ولا يتعجَّلوا بقضاءِ أمرٍٍ قبل قضائه فيه، ولا يقتدوا إلا بأمرِه، وحذَّرَهُم مخالفته في قلِّ الأمر وكُثْرِه، وألاَّ يرفَعوا أصواتهم فوق صوتِه، وأنْ يحترموه ويُعظِّموه في حياته وموتِه، ولا يدعوه كدعاء بعضهم بعضًا، ويتركوا مَن لا يرعى حقَّه مقتًا ورفضًا وبغضًا، وأنْ يُنادوه بأشرف ما يحبُ من أسمائه، وأنَّ أحدًا منهم لا يجهرُ له بالقول في ندائه، وأثنى على الذين يغضُّون من أصواتهم عندَه، ووعدَهُم بالمغفرة والأجْر العظيم وسينجز لهم وعدَه.

عَظِّمْ نَبِيًّا عَالِمًا عَامِلاً
رَبُّ العُلاَ قَدْ رَأَى تَعْظِيمَهُ

وَالْزَمْ - هُدِيْتَ الرُّشْدَ - تَوْقِيرَهُ
مَا دُمْتَ فِي الدُّنْيَا وَتَكْرِيمَهُ

وَاحْذَرْ خِلافَ أَمْرِهِ وَاتَّبِعْ
تَحْلِيلَهُ طَوْعًا وَتَحْرِيمَهُ

وَاصْبِرْ لِكَلْمِ الضِّدِّ فِيهِ عَسَى
فِي الحَشْرِ أَنْ تَسْمَعَ تَكْلِيمَهُ



فقد كان أصحابه الأبرار يُعظِّمونه كثيرًا، ولا يُمْلُون عيونهم منه إجلالاً وتوقيرًا، وإذا خرَج لا يحدُّون إليه النظَر، ولا يرفع أحدٌ منهم إليه بصره إلا أبو بكر وعمر[9]، ويجلِسون حولَه كأنما الطَّير على رُؤوسهم، ويسمَحون في الذَّبِّ عنه بأموالهم ونُفوسهم، وإذا توضَّأ ابتدروا إلى وضوئه وأسرَعوا إليه، وكادوا حرصًا على التبرُّك به يقتتلون عليه، ويتلقون بصاقَه - عليه الصلاة والسلام - فيمسَحون به الوُجوه ويدلكون به الأجسام، وإذا سقطَتْ منه شعرةٌ تزاحموا على التِقاطها[10]، ويُبادِرون إلى امتثال أوامره والتلفُّع برباطها، ويقرَعون بالأظافر بابَه[11]، ويُؤخِّرون سؤاله عن الأمر حياء ومهابة، وإذا تكلَّم أنصَتوا، وإذا تلا عليهم الذِّكر أخبَتُوا.

وَإِذَا أَرَادَهُمُ لأَمْرٍ بَادَرُوا
لِجَوَابِ ذَاكَ الأَمْرِ لَمْ يَتَثَبَّتُوا

وَإِذَا نَهَاهُمْ أَعْرَضُوا عَمَّا نَهَى
وَلِغَيْرِ مَا يَخْتَارُ لَمْ يَتَلَفَّتُوا

وَإِذَا أَشَارَ بِصَمْتِهِمْ لَمْ يَنْطِقُوا
وَإِذَا دَعَا أَقْوَالَهُمْ لَمْ يَسْكُتُوا

أَكْرِمْ بِهِمْ قَوْمًا أَقَامُوا دِينَهُ
وَبِعَزْمِهِمْ شَمْلَ الأَعَادِي شَتَّتُوا

فَعَلَيْهِمُ رِضْوَانُ رَبٍّ صَانَهُمْ
أَنْ يَعْبُدُوا مَنْ دُونَهُ أَوْ يَقْنُتُوا



ويجب أنْ يُحتَرم بعدَ مَماته، كما يُحتَرم - عليه الصلاة والسلام - حالَ حَياته، وذلك عند ذِكره وحَديثه وسنَّته، ولدى سَماع اسمه الشريف وسِيرته، فقد كان السَّلَفُ يُعظِّمون حديثَه الحسَن الصحيح، ويتلقَّون الصادر والوارد من سنَّته الشريفة بكلِّ صدرٍ فسيح، وينصتون إلى سَماع أقوالِه، ويتأدَّبون عِند ذِكر أوصافه وأفعالِه، فمنهم مَن يَسكُن من حركته، ومنهم مَن يشرئبُّ لوقْع بركتِه، ومنهم مَن يرتَدِي بالخُضوع والخُشوع، ومنهم مَن تجرِي من عينه شَآبِيب الدموع[12]، ومنهم مَن يغيبُ ويتحيَّر، ومنهم مَن يصفرُّ لونُه ويتغيَّر، ومنهم مَن لا يكتب الحديث إلا وهو طاهرٌ، ومنهم مَن يكره أنْ يحدث وهو مضجعٌ أو قائم أو سائر، ومنهم مَن إذا طلَب منه تسميعَ حديثِه المفيد، بادَر إلى الغسل والتَّطيُّب ولبس الجديد[13]، فجُدَّ في برِّه وتوقيره والاستجابة إلَيْه، بما كنت تأخُذ به نفسك لو كنت بين يدَيْه، واجتهدْ في تبجيله وتعظيمِه، وبالِغ في إجلاله وتكريمِه، واعرفْ حقَّ قدْرِه، وتأدَّب عند ذِكرِه.

1- قوله - تعالى -: ﴿ لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [الحجرات: 1]
عن عبدالله بن الزبير - رضِي الله عنه - قال: قَدِمَ وفدُ بني تميمٍ على النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال أبو بكرٍ: أَمِّرِ القعقاعَ بن معبد بن زُرارةَ، وقال عمرُ: بل أَمِّرِ الأقرعَ بن حابِس، قال أبو بكر: ما أردتَ إلا خِلافي، قال عمرُ: ما أردتُ خِلافك، فتمارَيَا حتى ارتفعتْ أصواتُهُما[14]، فنزل في ذلك: ﴿ لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ... ﴾ [الحجرات: 1][15] الآية.
وفي روايةٍ: قال ابنُ الزبير: فما كان عمرُ يُسمِعُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعد هذه الآية حتى يستَفهِمَه، ولم يُذكَر ذلك عن أبي بكرٍ، وهي عند البخاريِّ.

وفي روايةٍ أخرى: فكان عمرُ بعد ذلك إذا حدَّث النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بحديثٍ حدَّثه كأخي السِّرَارِ، لم يُسمِعْه حتى يستَفهِمَه، وهي عند البخاري.
وفي روايةٍ: أنَّ أبا بكرٍ قال لمَّا نزَلتْ هذه الآية: يا رسول الله، آليتُ ألاَّ أكلمك إلا كأخِي السِّرارِ[16].
وفي روايةٍ عن أبي هريرة - رضِي الله عنه - قال: لمَّا نزلت: ﴿ لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ﴾ [الحجرات: 2] قال أبو بكر: والله لا أَرْفَعُ صوتي إلا كأخي السِّرارِ[17].

وفي روايةٍ عن أبي هريرة - رضِي الله عنه - أيضًا: قال أبو بكرٍ الصِّدِّيق: والذي أَنزَلَ عليك الكتابَ يا رسول الله، لا أُكلِّمُك إلا كأخي السِّرارِ حتَّى ألقَى الله - عزَّ وجلَّ[18].
وفي روايةٍ عنه أيضًا: قال أبو بكرٍ: والذي بعَثَك بالحقِّ لا أُكلِّمك بعد هذا إلا كأخي السِّرارِ[19].

وعن السائب بن يزيد قال: كنتُ قائمًا في المسجد فحصَبَنِي رجلٌ، فنظرت فإذا عمرُ بن الخطاب، فقال: اذهَبْ فائتني بهذين، فجئتُه بهما، فقال: مَن أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتُما من أهل البلد لأوجعتُكما؛ تَرفعان أصواتَكما في مسجدِ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم[20][21].

وعن النُّعمان بن بشير - رضِي الله عنه - قال: استَأذَن أبو بكرٍ - رضِي الله عنه - على النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسمع صَوْتَ عائشة عاليًا، فلمَّا دخل تناوَلها ليلطمها وقال: أترفَعِين صوتَك على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فجعَل النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَحجِزه[22]... الحديث.

وعن ابن عباسٍ - رضِي الله عنهما - في قوله - تعالى -: ﴿ لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ... ﴾ [الحجرات: 1] قال: لا تقولوا خلافَ الكتاب والسُّنَّة[23].

وعنه كذلك أنَّه قال: نهى أنْ يتكلَّموا بين يديْ كلامِه.
وعن الضحَّاك أنَّه قال: لا تقْضُوا أمرًا دُون الله ورسولِه في شرائع دِينكم.
وعن الثوري أنَّه قال: ﴿ لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [الحجرات: 1] بقولٍ ولا فعلٍ[24].

وعن أنس بن مالك - رضِي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - افتقد ثابتَ بن قيسٍ، فقال رجل: يا رسول الله، أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجَدَه في بيته مُنكِّسًا رأسَه، فقال له: ما شأنُك؟ فقال: شرٌّ، كان يَرفعُ صوتَه فوقَ صوتِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد حبط عملُه فهو من أهل النار، فأتى الرجلُ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأخبره أنَّه قال كذا وكذا، فقال: ((اذهبْ إليه فقُل لهُ: إنَّك لستَ من أهلِ النارِ، ولكنَّك من أهلِ الجنَّةِ))[25].

وعن ابن أبي نُجَيْحٍ عن مجاهدٍ قال: ﴿ لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [الحجرات: 1] قال: لا تَفتاتُوا على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بشيءٍ حتى يقضيَه اللهُ على لِسانه[26].

وعن حماد بن زيدٍ قال: كنَّا عند أيوب بن أبي تميمةَ فسَمِعَ لغَطًا، فقال: ما هذا اللغَطُ[27]؟! أمَا بلغَهم أنَّ رَفْعَ الصوتِ عندَ الحديث عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كرفْع الصوت عليه في حَياته[28].

وعن حماد بن زيد: في قوله - تعالى -: ﴿ لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ﴾ [الحجرات: 2] قال: أرى رَفْعَ الصوتِ عليه بعدَ موتِه كرَفْعِ الصوت عليه في حَياتِه، إذا قُرئَ حديثُ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وجَب عليك أنْ تَنصتَ له كما تنصتُ للقُرآن[29].

وكان إذا حدَّث فرأى أصحابَه يتكلَّمون لم يُحدِّثهم، ويقول: أخافُ أنْ يكون هذا داخلاً في قول الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ... ﴾ [الحجرات: 2][30].

وعن سليمان بن حَرْبٍ قال: كان حماد بن زيدٍ إذا حدَّث ولَغا أصحابُ الحديث أمسَكَ عن الحديث، ويقول: ما أعلم إلا وهو يَدخُل في قول الله - تعالى -: ﴿ لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ ﴾ [الحجرات: 2][31].
وعن سليمان بن حربٍ قال: كان حماد بن زيدٍ إذا حدَّث عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فرفعَ إنسانٌ صوتَه لم يُحدِّثْه[32].
وعن شَرِيك قال: كان الأعمش لا يَرفَعُ صَوْتَه بالحديث إلا قدْر ما يجوز جُلَساءَه؛ إعظامًا للعِلم[33].

3- قوله - تعالى -: ﴿ لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ﴾ [النور: 63]
عن ابن عباس قال: كانوا يقولون: "يا محمدُ"، "يا أبا القاسم"، فنهاهم الله - عز وجل - عن ذلك إعظامًا لنبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: فقالوا: يا رسول الله، ويا نبي الله.
وقال قتادة: أمَر الله أنْ يُهابَ نبيُّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأنْ يُبَجَّلَ وأنْ يُعظَّمَ وأنْ يُسوَّدَ.
وقال مُقاتِل بن حيَّان: لا تُسمُّوه إذا دعَوْتموه: "يا محمد"، ولا تقولوا: "يا ابن عبدالله"، ولكن شَرِّفُوه، فقولوا: يا نبي الله، يا رسول الله.

وعن زيد بن أسلم قال: أمرَهُم الله أنْ يُشرِّفوه.
وعن ابن أبي نُجَيْحٍ عن مجاهدٍ قال: أمرهم أنْ يدعوه: "يا رسول الله" في لِينٍ وتواضُع، ولا يقولوا: "يا محمد" في تَجَهُّمٍ[34].
وعن قتادةَ في قوله - تعالى -: ﴿ لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ﴾ [الحجرات: 2] قال: كانوا يرفَعُونَ ويجهَرُونَ عند النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فوُعِظوا ونُهُوا عن ذلك[35].

وعن قتادةَ كذلك في قوله - تعالى -: ﴿ لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ﴾ [النور: 63] قال: أمرهم الله أنْ يُفخِّموه ويُشرِّفوه - صلَّى الله عليه وسلَّم[36].
وعن الضَّحَّاك قال: أمَرَهم أنْ يُطِيعوه ويُشرِّفوه، ويدْعوه باسم النُّبوَّة[37].


4- قوله - تعالى -: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 31]
عن عامر بن يَساف عن الحسن في قوله - تعالى -: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 31] قال: كان عَلامةُ حبِّه إيَّاهم اتباعَ سُنَّةِ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم[38][39].

وعن سفيانَ بنِ عيينةَ أنَّه سُئِلَ عن قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((المرءُ مع مَن أَحَبَّ))[40] قال: ألم تَسمَعْ قوله - تعالى -: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 31] قال: ويُقرِّبُكم الحُبُّ من الرَّب.
قال: ﴿ وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 140] لا يُقرِّب الظالمين[41].

وقال أبو عبدالله الحارث بن أسَد المحاسبي، وقد سئل: ما علامة محبَّة الله للعبد؟ فقال للسائل: ما الذي كشَف لك عن طلب علمِ هذا؟ فقال السائل: قوله - تعالى -: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 31] فعلمت أنَّ علامة محبَّة العبد لله اتِّباع رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم[42].
5- قوله - تعالى -: ﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59]


6- وقوله: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80]
عن عطاء في قوله: ﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59] قال: أولي الفقه وأولي العِلم، وطاعةُ الرَّسولِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - اتِّباع الكتاب والسُّنَّة[43].

وعن مجاهدٍ قال: ﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59] قال أهلُ العلمِ وأهلُ الفقهِ ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾[النساء: 59] قال: كتابُ الله وسنةُ نبيِّه، ولا ترُدُّوا إلى أولي الأمرِ شيئًا[44].

وعن ميمونِ بن مِهران: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء: 59] ما دامَ حَيًّا، فإذا قُبِضَ فإلى سُنَّته[45].
وقال وكيعٌ: إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما دام حيًّا، فإذا قُبِض فإلى سُنَّته[46].
وعن محمد بن الحنفيَّة قال: حَرْفٌ وأيُّما حَرْفٍ: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80][47].

وعن سليمانَ بن حربٍ قال: سمعتُ حمَّاد بن زيد يقولُ: حُرْمةُ أحاديثِ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كحُرمةِ كتاب الله - تعالى.
قال البيهقي[48]: وإنما أرادَ في معرفةِ حقِّها، وتعظيم حُرمتِها، وفَرْضِ اتِّباعها؛ قال الله - جلَّ ثَناؤه -: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ [المائدة: 92] وقال: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80]، اهـ.

وعن أبي موسى، عن المعتمر بن سليمان التَّيميِّ أنَّه قال: أحاديثُ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عندنا كالتَّنزيل.
قال أبو موسى: يعني في الاستعمالِ، يستعمل سنةَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما يستعملُ كتاب الله - عزَّ وجلَّ[49].

7- قوله - تعالى -: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21]
عن عطاء أنَّ رجلاً أتى ابنَ عباسٍ فقال: إنِّي نذرتُ أنْ أذبح نفسي، فقال ابن عباس: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21]، ﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ [الصافات: 107]، فأمَرَه بكبشٍ[50].

وعن يزيدَ بن رُومان قال: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ... ﴾ [الأحزاب: 21] الآية، قال: لا يرغَبُوا بأنفُسِهم عن نفسِه، ولا عن مَكانٍ هو به.

عن عمرِو بنِ دينارٍ قَالَ: سألْنا ابنَ عمرَ عن رجلٍ طافَ بالبيتِ العمرةَ، ولم يَطُفْ بينَ الصَّفا والمروةَ، أيأتي امرأتَه؟ فقَالَ: قَدِمَ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فطافَ بالبيتِ سَبعًا، وصلَّى خَلْفَ المقامِ ركعتَين، وطافَ بينَ الصَّفا والمروةِ، وقد كانَ لكم في رسول اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أسوةٌ حسنةٌ[51].

وعن عكرمةَ عن ابنِ عباسٍ قَالَ: قرَأَ رسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما أُمِرَ، وسَكَتَ فيما أُمِرَ قَالَ: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ﴾ [مريم: 64] ثم قَالَ: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21][52].

وعن سعيدِ بن يسارٍ قَالَ: كنتُ أسيرُ مع عبدِاللهِ بن عمرَ بطريقِ مكةَ، قَالَ: فلمَّا خَشِيتُ الصُّبحَ نزلتُ فأوتَرْتُ، ثم لحِقْتُه، فقَالَ عبدُالله بنُ عمرَ: أين كنتَ؟ قلتُ: خَشِيتُ الصُّبحَ، فنَزَلتُ فأوتَرتُ، فقَالَ عبدُالله: أليسَ لك في رسول اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أسوةٌ حسنةٌ؟ فقلتُ: بلى، قَالَ: فإنّ رسول اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يُوتِرُ على البعيرِ[53].

وعن عبدِالله بنِ عمرَ قَالَ: صحِبتُ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلم أرَه يُسَبِّحُ[54] في السَّفَرِ، وقال اللهُ - جلَّ ذكرُه -: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21][55].

وعن عبدِالله بنِ عمرَ - رضِي الله عنهما - أنَّه قال: قد خرَجَ رسول اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فحَالَ كفارُ قريشٍ بينَه وبينَ البيتِ، فإنْ حِيلَ بيني وبَينَه أفعلُ كما فَعَلَ رسول اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21][56].

وعن سعيدِ بنِ جبيرٍ عن ابنِ عباسٍ - رضِي الله عنهما - قَالَ: إذا حرَّمَ امرأتَه ليس بشيءٍ؛ ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21][57].

وعن عبدِالله بنِ عمرَ سُئِلَ عن رجلٍ نَذَرَ ألاَّ يأتي عليه يومٌ إلا صامَه، فوافَقَ يومَ فطرٍ أو أضْحَى، فقَالَ ابنُ عمرَ: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21] لم يكنْ يصومُ يومَ الفطرِ ويومَ الأضحى، ولم يكن يَرَى صيامَهما[58].

وعن أبي قتادةَ الأنصاريِّ - رضِي الله عنه - في حديثٍ طويلٍ، وفيه: فصَلَّى رسول اللهِ ركعتَين ثم صَلَّى الغداةَ، فصَنَعَ كما يَصنَعُ كلَّ يومٍ، قال: ورَكِبَ رسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ورَكِبْنا معه، قال: فجَعَلَ بعضُنا يَهمِس إلى بعضٍ: ما كفَّارةُ ما صَنَعْنا بتفريطِنا في صلاتِنا؟ فقَالَ رسول اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أمَا لَكُم فِيَّ أُسوةٌ؟!))[59]... الحديث.

وعن حفصٍ بنِ عاصمِ بنِ عمرَ قال: صَحِبتُ ابنَ عُمَرَ في طريقِ مَكّةَ، فصَلَّى لنا الظُّهرَ ركعتَين، ثم أقبلَ وأقبَلْنا مَعَه حتَّى جاءَ رحلَه وجَلَسْنا معه، فحانَتْ منه التِفاتةٌ حيث صَلَّى فرَأَى ناسًا قِيامًا، فقال: ما يَصنعُ هؤلاءِ؟ قلتُ: يُسَبِّحونَ[60]، قال: لو كُنْتُ مسبِّحًا لأتمَمْتُ صلاتي، يا ابنَ أخي، صَحِبتُ رسول اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في السَّفرِ فلم يَزِدْ على ركعَتَينِ حتى قَبَضَه اللهُ، وصَحِبْتُ أبا بكرٍ فلم يَزِدْ على ركعَتَينِ، وصَحِبْتُ عُمَرَ فلم يَزِدْ على ركعتَينِ، وصَحِبتُ عثمانَ فلم يَزِدْ على ركعَتَيْنِ حتّى قَبَضَه اللهُ، وقد قَالَ اللهُ: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21][61].

وعن زُرارةَ بنِ أَوْفَى العامريِّ أنَّ سعد بنَ هشامِ بن عامرٍ أَرادَ أنْ يَغزوَ في سبيلِ اللهِ فقَدِمَ المدينةَ فأَرادَ أنْ يَبِيعَ عقارًا له بها، فيجعلَه في السِّلاحِ والكراعِ[62] ويجاهدُ الرُّومَ حتّى يَموتَ، فلمَّا قَدِمَ المدينةَ لَقِيَ أُناسًا من أهلِ المدينةِ فنَهَوه عن ذلك وأخبَرُوه أن رَهْطًا سِتَّةً أَرَادُوا ذلك في حياةِ نَبيِّ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فنَهَاهم نبيُّ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقال: ((أليسَ لَكُم فِيَّ أُسْوَةٌ؟!» فلمَّا حَدَّثُوه بذلك راجَعَ امرأتَه وكانَ قد طَلَّقَها وأشْهَدَ على رَجعَتِها[63].

وعن عائشةَ - رضِي الله عنها - أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قَالَ لعثمانَ بن مَظعونٍ: ((يا عثمانُ، إنَّ الرهبانيةَ لم تُكْتَبْ علينا، أمَا لك فِيَّ أُسْوةٌ حَسَنةٌ؟!))[64].

وعن سعدِ بنِ هشامٍ قال: أَتَيتُ عائشةَ فقلتُ: يا أمَّ المؤمنينَ، إنِّي أريدُ أنْ أتَبَتَّلَ، فقالتْ: لا تَفعلْ، ألم تَقْرَأْ: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21] قد تزوَّجَ رسول اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ووُلِدَ له[65].

وعن يَعلَى بنِ أُمَيَّةَ قال[66]: طُفْتُ مع عمرَ فلمَّا بَلَغْنا الرُّكنَ المغربي الذي يَلِي الأسودَ جَرَرْتُ بيده ليَسْتَلِمَ، فقال: ما شأنُك؟ تَعَلَّقتَ؟ فقلتُ: تَستَلمُ، فقال: ألم تَطُفْ مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم؟! فقلتُ: بلى، قال: أفرأيته يستَلِمُ هذين الرُّكنَينِ المغربيَّينِ؟ قلتُ: لا، قال: أليسَ لكَ فيه أسوةٌ حسنةٌ؟! قلتُ: بلى، قال: فلتَقَرَّ عَيْنُك[67].

وعن معاويةَ بنِ أبي سفيانَ أنَّه كان يَستَلِمُ الأركانَ كلَّها، فقال له ابنُ عباسٍ: أتستَلِمُ هذين الرُّكْنَينِ ولم يَكُنْ رسول اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستَلِمُهما؟! فقال معاويةُ: ليس شيءٌ من البيتِ مهجورًا، فقال ابنُ عباسٍ: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21] فقال معاويةُ: صَدَقْتَ[68].

8- قوله - تعالى -: ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65][69]
عن عُروةَ بن الزبير قال: خاصَم الزبيرُ رجلاً في شَرِيجٍ من الحرَّة، فقال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اسقِ يا زبير ثم أَرسِلِ الماءَ إلى جارِك)) فقالَ الأنصاريُّ: يا رسول الله، أنْ كان ابنَ عمَّتِك؟! فتلوَّنَ وجهُ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم قال: ((اسقِ يا زبيرُ ثم احْبِسِ الماءَ حتى يرجعَ إلى الجدْرِ، ثم أَرسِلِ الماءَ إلى جارِك))، فاستَوعَى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - للزبير حقَّه في صريحِ الحُكمِ حين أحفَظَه[70] الأنصاريُّ، وكان قد أشار عليهما - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأمرٍ لهما فيه سَعَةٌ، قال الزبيرُ: فما أحسب هذه الآية إلا نزَلتْ في ذلك: ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65][71].

9- قوله - تعالى -: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7][72]
عن عبدالله بن مسعود - رضِي الله عنه - قال: لعَنَ اللهُ الواشمات، والمُسْتَوْشِمات، والمُتَنَمِّصات، والمُتَفَلِّجات للحُسْنِ المُغَيِّراتِ خلقَ الله - عزَّ وجلَّ - قال: فبلغَ امرأةً في البيت يُقالُ لها: أم يعقوبَ، فجاءتْ إليه فقالتْ: بَلَغني أنَّك قلتَ كَيْتَ وكَيْتَ، قال: ما لي لا ألعنُ من لعَنَ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وفي كتابِ الله! فقالتْ: إنِّي لأقرأُ ما بين لَوْحَيْهِ فما وجدتُه، فقال: إنْ كنتِ قرأتِيه فقد وجدتِيه، أمَا قرأتِ: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7]؟ قالتْ: بلى، قال: فإنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - نهى عنه، قالتْ: إنِّي لأظنُّ أهلَكَ يفعلونه، قال: اذهبي فانظُري، فذهبتْ فلم ترَ من حاجتِها شيئًا، فجاءتْ فقالتْ: ما رأيت شيئًا، قال: لو كانتْ كذلكَ لم تُجامِعْنا[73].

وعن عبدالرحمن بن يزيد، أنَّه رأى مُحرِمًا وعليه ثيابُه، فنَهى المُحرِم، فقالَ الرجلُ: ائتِني بآيةٍ من كتابٍ الله تنزعُ بها ثيابي، فقرأَ عليه: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7][74].

10- قوله - تعالى -: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63] [75]
جاء رجلٌ إلى الإمام مالك فسألَه عن مسألةٍ، فقال له: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كذا وكذا... فقال له الرجل: أرأيتَ؟ فقال له مالك: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63][76].
وعن سفيانَ في قوله - تعالى -: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ﴾ [النور: 63] قال: الفتنة أنْ يطبَعَ الله على قلوبهم[77].
عن أبي هريرةَ - رضِي الله عنه - قال: قال رسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بينَما رجلٌ يَجُرُّ إزارَه من الخُيَلاءِ خُسِفَ به، فهو يتَجَلْجَلُ في الأرضِ إلى يومِ القيامةِ))[78].

وعن سلمةَ بنِ الأَكْوَعِ أنَّ رجلاً أكَلَ عِندَ رسولِ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بشِمالِه، فقال: ((كُلْ بيَمِينِك))، قال: لا أستطيعُ، قال: ((لا اسْتَطَعْتَ)) ما منَعَه إلا الكِبْرُ، قال: فما رفَعَها إلى فِيه[79].

وعن خِراشِ بن جُبَيرٍ قال: رأيتُ في المسجدِ فتًى يَخذِفُ فقال له شَيْخٌ: لا تَخْذِفْ فإنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - نهى عن الخَذْفِ، ففعَل الفتى فظنَّ أنَّ الشَّيْخَ لم يَفطِنْ له، فخَذَفَ، فقال له الشَّيخُ: أحدِّثُكَ أني سمعتُ رسولَ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَنْهَى عن الخَذْفِ ثم تَخْذِفُ، والله لا أشْهَدُ لك جِنازَةً، ولا أَعُودُك في مَرَضٍ، ولا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا[80].

وعن قتادةَ قال: حَدَّثَ ابنُ سِيرِينَ رجلاً بحديثٍ عنِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال رجلٌ: قال فلانٌ كذا وكذا، فقال َابنُ سِيرينَ: أُحَدِّثُك عن رسولِ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتقولُ: قالَ فلانٌ وفلانٌ كذا وكذا، لا أكلِّمُك أبدًا[81].

وقال أبو سعيدٍ الخُدْرِيُّ لرجلٍ سأَلَه عن مسألةٍ: أحدِّثُك عن رسولِ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتحدِّثُني عن نفسِك، لا يَجْمَعُني وإيَّاك سَقْفُ بَيْتٍ أبدًا[82].

وعن عُبادةَ بنِ الصَّامت - رضِي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - نَهَى عن درهمَينِ بدرهمٍ، فقال فلان: ما أرى بهذا بأسًا يدًا بيدٍ، فقال عُبادةُ: أَقُولُ: قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتقولُ: لا أرى به بأسًا، والله لا يُظِلُّني وإيَّاك سقفٌ أَبدًا.

وعن ابنِ عباسٍ - رضِي الله عنهما - عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا تطرقُوا النِّساءَ ليلاً))، قال: وأقبلَ رسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قافلاً فانْسَاقَ رجُلان إلى أهلِيهما، وكلاهما وجَدَ مع امرَأَتِه رَجُلاً[83].

وعن سعيدِ بنِ المُسيبِ قال: كان رسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا قَدِمَ من سفَرٍ نزلَ المُعَرَّسَ وقال: ((لا تطرقُوا النِّساءَ لَيْلاً)) فخرجَ رجلانِ ممَّن سَمِعَ مقالتَه فطَرقَا أهلَهما، فوجَدَ كل واحد منهما مع امرأته رجلاً[84].

وعن عبدِالرحمنِ بن حرملةَ قال: جاءَ رجلٌ إلى سعيدِ بن المسيبِ يُوَدِّعُه بحجِّ أو عُمرَةٍ، فقال له: لا تَبرح حتى تصلِّيَ؛ فإنَّ رسولَ اللهِِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا يَخرُجُ بعدَ النِّداءِ من المَسْجدِ إلا منافقٌ، إلا رجلاً أخرجَتْه حاجةٌ وهو يُريدُ الرَّجْعةَ إلى المسجدِ))، فقال َالرجلُ: إنَّ أصْحابي بالحَرَّةِ، قال: فخرجَ، قال: فلمْ يَزَلْ سعيدُ بنُ المسيبِ يُولَعُ بذِكرِه حتى أخبرَ أنه وقَعَ من راحِلَتِه فانكسَرَتْ فَخِذُه[85].

وعن وكيعٍ عن هشامِ الدستوائيِّ عن قتادةَ عن أبي حسانَ الأعرَجِ عن ابنِ عباسٍ أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قَلَّدَ نعلينِ، وأشْعَرَ الهَدْيَ في الشِّقِّ الأيمنِ، بذي الحُلَيْفَةِ، وأماطَ عنه الدَّمَ.
وقَالَ وكيعٌ عَقِبَ روايتِه للحديثِ: لا تَنْظُروا لقولِ أهلِ الرَّأْيِ في هذا، فإنَّ الإشعارَ سُنَّةٌ وقَولَهم بِدعةٌ.

وعن أبي السائب قال: كُنَّا عند وكيع فقال لرجل عنده ممَّن ينظُر في الرأي: أَشْعَرَ رسول اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويقول أبو حنيفة هو مُثْلة، قال الرجل: فإنَّه قد رُوِي عن إبراهيم النخعي أنَّه مُثْلة.
قال أبو السائب: فرأيت وكيعًا غَضِبَ غضبًا شديدًا، وقال: أقول لك قال رسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتقول: قال إبراهيم! ما أحقك بأنْ تُحبَس ثم لا تخرج حتى تنزع عن قولك هذا[86]!

وعن عبدالله بن المبارك قال: مَن تهاون بالأدَب عُوقِب بحِرمان السنن، ومَن تهاوَن بالسنن عُوقِب بحِرمان الفرائض، ومن تهاوَن بالفَرائض عُوقِب بحِرمان المعرفة[87].
وقال الإمام أحمد: مَن ردَّ حديث رسول اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فهو على شَفا هلَكَة[88].

وعن الزبير بن بكار، عن سفيان بن عيينة أنَّه قال: قال رجلٌ لمالك: من أين أُحرِم؟ قال: من حيث أمَر رسول اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأعاد عليه مِرارًا، قال: فإنْ زدت على ذلك؟ قال: فلا تفعل، فإنِّي أخاف عليك الفتنة، قال: وما في هذا من الفتنة؟! إنما هي أميال أزيدها، قال: إنَّ الله يقول: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ... ﴾ [النور: 63] الآية، قال: وأيُّ فتنة في هذا؟ قال: وأي فتنة أعظم من أنْ ترى أنَّك أصبت فضلاً قصر عنه رسول اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أو ترى أنَّ اختيارك لنفسك خيرٌ من اختيار الله[89]؟

11- قوله - تعالى -: ﴿ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال: 24]
عن أبي سعيد بن المعلَّى قال: كنتُ أصلِّي في المسجد، فدعاني رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلم أجبْه، حتَّى صلَّيتُ، ثم أتيتُه، فقال: ((ما منعك أن تأتي؟! ألم يقل الله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال: 24])) ثم قال لي: ((لأُعلمنَّك أعظمَ سورةٍ في القُرآنِ قبلَ أن تخرجَ من المسجدِ))، ثم أخذَ بيدي، فلمَّا أرادَ أن يخرجَ قلتُ له: ألم تقُل: لأعلِّمنَّك أعظمَ سورةٍ في القُرآن؟! قال: ((الحمدُ لله ربِّ العالمين هي السبعُ المثاني والقُرآنُ العظيمُ الذي أُوتِيتُه))[90].

12- قوله - تعالى -:﴿ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ﴾ [الفتح: 9]
عن قتادةَ في قوله: ﴿ وَتُعَزِّرُوهُ ﴾ قال: ليَنصُروه، ﴿ وَتُوَقِّرُوهُ ﴾ قال: ليُعظِّموه[91].

وعنه كذلك في قوله: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45]؛ أي: شاهدًا على أمَّتِك وشاهدًا على الأنبياء أنَّهم قد بلَّغوا، ﴿ وَمُبَشِّرًا ﴾ يُبشِّرُ بالجنَّةِ مَن أطاعَه، ﴿ وَنَذِيرًا ﴾ ينذرُ بالنَّار مَن عَصاه.
وفي قوله: ﴿ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ﴾ [الفتح: 9] قالَ: أمَر بتفخيمِه وتسويدِه وتشريفِه وتعظيمِه[92].

وعن مقاتل بن حيان قال: ﴿ شَاهِدًا ﴾ على هذه الأمَّة، ﴿ وَمُبَشِّرًا ﴾ بالجنَّة، ﴿ وَنَذِيرًا ﴾ من النَّار.
﴿ وَتُعَزِّرُوهُ ﴾ تَنْصُرُوا النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالسُّيُوف، ﴿ وَتُوَقِّرُوهُ ﴾ تُعَظِّموا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتُشَرِّفوه وتُجِلُّوه[93].

وعن البراء بن عازب - رضِي الله عنه - قال: خرجنا مع رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في جِنازَة رجلٍ من الأنصار، فانتهينا إلى قبرٍ ولمَّا يُلحَدُ، قال: فجلس رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وجلسْنا حولَه كأنَّ على رؤوسِنا الطيرَ[94].
وعن بُريدةَ بن الحصيب - رضِي الله عنه - قال: كُنَّا إذا قعَدْنا عندَ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم نَرفَعْ رؤوسنا إليه إعظامًا له[95].
وعن أسامة بن شريك - رضِي الله عنه - قال: أَتَيتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعندَه أصحابُه، كأنَّما على رُؤوسِهم الطيرُ، فسلَّمتُ وقَعَدتُ[96].
وعن أبي رِمْثَةَ - رضِي الله عنه - قال: قدمتُ المدينةَ ولم أكنْ رأيتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فخرَج وعليه ثوبان أخضران، فقلتُ لابني: هذا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فجعلَ ابني يرتعدُ هيبةً لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم[97].

وعن الِمسْوَرِ بن مَخرَمة ومروانَ بنِ الحكم في قصَّة الحديبية، قالا: ثم إنَّ عروة جعَل يرمُقُ أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعينيه، قال: فوالله ما تنخَّم رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - نُخامةً إلا وقعتْ في كفِّ رجلٍ منهم، فدلك بها وجهَه وجِلْده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضَّأ كادوا يقتتلون على وَضُوئه، وإذا تكلَّم خَفَضُوا أصواتهم عنده، وما يحدُّون إليه النظرَ تعظيمًا له، فرجعَ عُروةُ إلى أصحابه، فقال: أي قوم، والله لقد وفدتُ على الملوكِ، ووفدتُ على قيصر وكسرى والنجاشيِّ، والله إنْ رأيتُ ملكًا قط يعظِّمُه أصحابُه ما يعظِّم أصحابُ محمدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - محمدًا، والله إن تنخَّمَ نخامةً إلا وقعتْ في كفِّ رجل منهم، فدلك بها وجهَه وجلدَه، وإذا أمَرَهم ابتدَرُوا أمرَه، وإذا توضَّأ كادوا يقتتلون على وَضوئِه، وإذا تكلَّم خفَضُوا أصواتَهم عندَه، وما يحِدُّون إليه النظرَ تعظيمًا له[98].

13- قوله - تعالى -: ﴿ وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 29]
عن أبي سلمةَ بن عبدالرحمن، أنَّ عائشة - رضِي الله عنها - زوجَ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أخبرتْه أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - جاءها حينَ أمَرَه الله أن يُخيِّر أزواجه: بدَأ بي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((إنِّي ذاكرٌ لك أمرًا، فلا عليكِ أنْ تَستعجِلي حتى تَستَأمِرِي أبَوَيْكِ)) وقد عَلِمَ أنَّ أَبَوَيَّ لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت: ثم قال: ((إنَّ الله قال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ... ﴾ [الأحزاب: 28، 29])) إلى تمام الآيتين، فقلتُ له: ففي أيِّ هذا أَسْتَأمِرُ أَبَوَيَّ، فإنِّي أريدُ الله ورسولَه والدارَ الآخِرة[99].

وعن أبي سلمةَ قال: قالتْ عائشةُ: لما نزَلَ الخيارُ قال لي رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنِّي أريدُ أنْ أَذكُرُ لكِ أمرًا، فلا تَقضي فيه شيئًا حتَّى تستَأمِري أبويكِ)) قالتْ: قلتُ: وما هو يا رسول الله؟ قال: فردَّه عليها فقالتْ: فما هو يا رسول الله؟ قالت: فقرأ عليها: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا... ﴾[الأحزاب: 28] إلى آخِر الآية، قالتْ: فقلتُ: بل نختارُ الله ورسولَه والدارَ الآخِرة، قالتْ: ففرحَ بذلك النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم[100].

وعن عائشةَ - رضِي الله عنها - قالتْ: لما نزلتْ آيةُ التخييرِ، بدَأَ بي رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((يا عائشة، إنِّي عارضٌ عليك أمرًا، فلا تفتاتي فيه بشيءٍ حتى تَعرِضيه على أبويكِ أبي بكر وأم رُومان)) فقلتُ: يا رسول الله، وما هو؟ قال: قال الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 28، 29].
قالتْ: فإني أريدُ الله ورسولَه والدارَ الآخرة، ولا أؤامرُ في ذلك أبويَّ أبا بكر وأم رومان، فضَحِك رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم استقرأ الحُجَرَ فقال: ((إن عائشةَ قالتْ كذا وكذا)) فقلنَ: ونحن نقولُ مثلَ ما قالتْ عائشة[101].

وعن عَمْرةَ، عن عائشة أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لما نزَل إلى نسائِه أمرٌ أنْ يُخيِّرهنَّ، فدخل عَلَيَّ فقال: ((سأذكُر لك أمرًا، فلا تعجلي حتَّى تستشيري أباك)) فقلتُ: وما هو يا نبيَّ الله؟ قال: ((إنِّي أُمِرتُ أنْ أخيِّرَكنَّ)) وتلا عليه آيةَ التخيير إلى آخِر الآيتين، قالتْ: فقلتُ: وما الذي تقولُ لا تستعجلي حتى تستشيري أباكِ؟ فإني أختارُ اللهَ ورسولَه، فسُرَّ بذلك، وعَرَضَ على نسائِه فتتابعن كلُّهنَّ، فاخترنَ الله ورسوله[102].

وعن ابن عباسٍ - رضِي الله عنهما - قال: قالتْ عائشةُ - رضِي الله عنها -: أُنزلتْ آيةُ التخيير، فبدأ بي أوَّل امرأةٍ من نسائه، فقال: ((إنِّي ذاكرٌ لك أمرًا، فلا عليكِ ألاَّ تعجلي حتى تستأمري أَبَويْكِ)) قالتْ: قد عَلِمَ أنَّ أبَويَّ لم يكونا يأمُراني بفراقِه، قالتْ: ثم قال: إنَّ الله قال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ... ﴾ [الأحزاب: 28، 29] الآيتين، قالتْ عائشةُ: فقلتُ: أفي هذا أستأمرُ أبويَّ؟ فإنِّي أريدُ اللهَ ورسولَه والدارَ الآخِرة، ثم خَيَّرَ نساءَه كلَّهنَّ، فقُلن مثلَ ما قالتْ عائشة - رضِي الله عنها[103].

وعن أبي الزبير، عن جابر قال: أقبَلَ أبو بكر - رضِي الله عنه - يستأذنُ على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - والناسُ ببابه جلوسٌ، والنبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - جالسٌ، فلم يُؤذَن له، ثم أقبَلَ عمرُ فاستأذن فلم يُؤذَن له، ثم أذِنَ لأبي بكرٍ وعمر فدخَلا، والنبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - جالسٌ وحولَه نساؤه، وهو ساكنٌ، فقال عمرُ: لأُكلِّمنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لعلَّه يضحك، فقال عمر: يا رسول الله، لو رأيتَ ابنةَ زيد - امرأةَ عمر - سألتْني النفقةَ آنفًا، فوَجَأْتُ عُنقَها! فضحك النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى بدا ناجذُه، وقال: ((هُنَّ حولي يسْألنَنِي النفقةَ))، فقام أبو بكر - رضِي الله عنه - إلى عائشةَ ليضربها، وقام عمرُ - رضِي الله عنه - إلى حفصةَ، كلاهما يقولان: تسألانِ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما ليس عندَه! فنهاهما رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقُلنَ نساؤه: والله لا نسألُ رسولَ الله بعدَ هذا المجلسِ ما ليس عنده، قال: وأنزل اللهُ - عزَّ وجلَّ - الخيارَ، فبدأ بعائشة فقال: ((إنِّي أذكرُ لك أمرًا ما أُحِبُّ أنْ تعجَلي فيه حتى تستأمري أبويك)) قالتْ: وما هو؟ قال: فتلا عليها: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ... ﴾ [الأحزاب: 28] الآية، قالتْ عائشةُ - رضِي الله عنها -: أفيكَ أستأمر أبويَّ! بل أختارُ اللهَ ورسولَه، وأسألك ألا تذكرَ لامرأةٍ من نسائك ما اخترتُ، فقال: ((إنَّ الله - تعالى - لم يبعثْنِي مُعنِّفًا، ولكن بعثني مُعلمًا مُيَسِّرًا، لا تسألني امرأةٌ منهن عمَّا اخترتِ إلا أخبرتُها))[104].

14- قوله - تعالى -: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24]
قال ابنُ كثير - رحمه الله -: ثم أمر - تعالى - رسولَه أنْ يتوعَّدَ مَن آثرَ أهلَه وقرابتَه وعشيرتَه على اللهِ وعلى رسولِه وجهادٍ في سبيله، فقال: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24].

وروى الإمامُ أحمدُ عن زهرةَ بن مَعبَد، عن جَدِّه قالَ: كُنَّا مع رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو آخِذٌ بيد عمرَ بن الخطَّاب، فقالَ: والله لأنتَ يا رسول الله أحبُّ إليَّ من كلِّ شيءٍ إلا من نَفْسي، فقالَ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يؤمنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من نفسِه))، فقال عمرُ: فأنتَ الآن واللهِ أحبُّ إليَّ من نفسي، فقال رسولُ الله: ((الآن يا عمر))[105]، ورواه البخاري[106].

وقد ثبت في الصحيح عن رسولِ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قالَ: ((والذي نفسِي بيَدِه، لا يؤمِنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من والدِه وولدِه والناسِ أجمعينَ))[107].

آياتٌ أخرى
في الاتِّباعِ وتركِ الابتداعِ وتعظيمِ قدرِ السُّنَّةِ
عن عبدِاللهِ بنِ مسعودٍ - رضِي الله عنه - أنَّه قرأَ: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ﴾ [الأنعام: 153].
قالَ: على كلِّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليه[108].
وعن سفيانَ بنِ حُسَينِ عن الحَسَنِ: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا ﴾ [الجاثية: 18] قالَ: على السُّنَّةِ[109].
وعن ابن عباسٍ في قوله - تعالى -: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: 48] قال: سبيلاً وسُنَّةً[110].
وعن قتادةَ: ﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [البقرة: 129][111] قال: السُّنَّة.
وعن الحَسَنِ في قولِه: ﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [البقرة: 129] قال: الكتابُ: القُرآنُ، والحكمةُ: السُّنَّة[112].
وعن العَوَّامِ، عن سعيدِ بنِ جُبَيْرِ في قوله - تعالى -: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82] قالَ: ثُمَّ استقامَ، قال: لُزومُ السُّنَّةِ والجماعةِ[113].
ورُوِيَ نحوُه عن مجاهدٍ والضَّحَّاكِ وغيرِ واحدٍ من السَّلَفِ.
وعن جعفرِ بنِ أبي المغيرةِ عن شِمْر بنِ عطيةَ في قوله - تعالى -: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾ [طه: 82] قال: لمن تابَ من الشركِ، وآمنَ بمحمدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأدَّى الفرائضَ ﴿ ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ قال: للسُّنَّةِ[114].
وعن عائشةَ قالتْ: تَلا رسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - هذه الآية: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾ حتى بَلَغَ ﴿ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 7] فقالَ رسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا رأيتُم الذينَ يتَّبعونَ ما تشابَه منهُ أولئكَ الذينَ سمَّاهم اللهُ فاحذَرُوهم))[115].
وعن أبي أمامةَ - رضِي الله عنه - قال: قال رسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما ضَلَّ قومٌ بعدَ هُدًى كانوا عليهِ إلا أُوتُوا الجدلَ))، ثم قَرَأَ: ﴿ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ [الزخرف: 58][116].
وعن الفضيلِ بنِ عِياضِ في قولِ الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل: 97] قال: الحياةُ الطيبةُ: الإسلامُ والسُّنَّةُ[117].
وعن سَهلِ بنِ عبدِاللهِ قالَ: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 2] قال: على الإيمانِ والسُّنَّةِ ﴿ وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2] قال: الكُفرِ والبدعةِ[118].
وقال - تعالى -: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ﴾ [النساء: 171] قال قتادةُ: لا تَبْتَدِعُوا[119].
وعن مجاهدٍ أنَّه قالَ: ﴿ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ﴾ [الأنعام: 153] قال: البدعُ والشُّبُهاتُ[120].
وعنه في قوله - تعالى -: ﴿ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ﴾ [الأنعام: 112] قال: تَزيينُ الباطلِ بالألسِنةِ، ﴿ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ﴾ [الأنعام: 153] قالَ: البدعُ والشُّبُهاتُ.



 توقيع : حكاية ناي ♔

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تعظيم النبي والصلاة عليه وتجنب الغلو فيه حكاية ناي ♔ › ~•₪• نبـي الرحمه وصحابته~•₪• 1 01-22-2024 04:21 PM
تعظيم النبي ووجوب محبته وطاعته (5) حكاية ناي ♔ › ~•₪• نبـي الرحمه وصحابته~•₪• 2 01-10-2023 08:01 AM
تعظيم النبي ووجوب محبته وطاعته (4) حكاية ناي ♔ › ~•₪• نبـي الرحمه وصحابته~•₪• 2 01-10-2023 08:01 AM
تعظيم النبي ووجوب محبته وطاعته (3) حكاية ناي ♔ › ~•₪• نبـي الرحمه وصحابته~•₪• 2 01-10-2023 08:01 AM
تعظيم النبي ووجوب محبته وطاعته (1) حكاية ناي ♔ › ~•₪• نبـي الرحمه وصحابته~•₪• 2 01-10-2023 08:01 AM


الساعة الآن 11:15 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging v3.1.0 (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.