عبد الله بن علوي بن محمد الحداد (30 يوليو 1634- 10 سبتمبر 1720) إمام وفقيه شافعي وعالم في عقيدة أهل السنة والجماعة على منهج الأشاعرة من مدينة تريم بحضرموت اليمنية. سلك طريق التصوف على طريقة آبائه وأجداده من السادة آل باعلوي، ويعتبر المجدد لطريقتهم. اشتغل بالدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، فأقبل عليه القاصي والداني وانتشر صيته في كل مكان وانتفع بدعوته الجم الغفير من الناس حيث لم تعرف حضرموت أحدًا مثله في العلم والعبادة والصلاح والدعوة إلى الله. ويلقب بـ«شيخ الإسلام» و«قطب الدعوة والإرشاد». وله مؤلفات كثيرة جمعت النصائح والمواعظ والحكم وانتشرت انتشارًا كبيرًا، وبخاصة كتابي «الدعوة التامة» و«النصائح الدينية»، وهي من عيون ما يُقرأ في مجالس السادة آل باعلوي، وقد ترجمت بعضها إلى لغات أجنبية في العصر الحاضر، وقيل عنها أنها جمعت الخلاصة والزبدة من كلام الإمام الغزالي. ويعد أحد مجددي الإسلام على رأس المئة الحادية عشرة للهجرة.
ترجم له كثيرون وأفردت ترجمته بالتأليف كما في كتابي «غاية القصد والمراد» و«بهجة الفؤاد» لمحمد بن زين بن سميط، وكتاب «الإمام الحداد مجدد القرن الثاني عشر الهجري» للدكتور مصطفى بدوي وغيرها.
نسبه
عبد الله بن علوي بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن علوي بن أحمد الحداد بن أبي بكر الطويل بن أحمد مسرفة بن محمد بن عبد الله بن الفقيه أحمد بن عبد الرحمن بن علوي عم الفقيه المقدم بن محمد صاحب مرباط بن علي خالع قسم بن علوي بن محمد بن علوي بن عبيد الله بن أحمد المهاجر بن عيسى بن محمد النقيب بن علي العريضي بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب، وعلي زوج فاطمة بنت محمد ﷺ.
فهو الحفيد 29 لرسول الله محمد ﷺ في سلسلة نسبه.
مولده ونشأته
ولد في السُّبَير من ضواحي مدينة تريم في حضرموت، وذلك ليلة الاثنين الخامس من شهر صفر سنة 1044 هـ، ووالدته سلمى بنت عمر بن أحمد المنفر، ولما بلغ من العمر نحو الأربع سنوات أصيب بمرض الجدري فأدى ذلك إلى فقدانه البصر. نشأ بتريم وحفظ بها القرآن الكريم والإرشاد وغيره من المتون، وكان شغوفًا بمختلف العلوم منذ صغره، يميل إلى الأدب والشعر.
وفي عام 1072 هـ، توفي والده علوي، وذلك ليلة الاثنين الأولى من شهر رجب، ثم بعد وفاته بنحو خمسة أيام، مرضت الوالدة، ودام عليها المرض قريبًا من عشرين يوما، إلى أن توفيت ضحى يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شهر رجب. وقد توفي في هذه السنة أيضًا أحد مشايخه وهو عمر بن عبد الرحمن العطاس.
حجه وزيارته
خرج للحج في سنة 1079 هـ، وقصد أولًا بندر الشحر، وأقام به نحو نصف شهر، ثم سافر إلى بندر عدن. وكان دخوله مكة المشرفة أول يوم في شهر ذي الحجة، ونزل في بيت الشيخ حسين بن محمد بافضل، واتفق تلك السنة الوقوف بعرفة يوم الجمعة. ويُؤثر أنه صلّى بالناس إمامًا في الحرم المكي صلاة الفجر يوم الجمعة أول محرم عام 1080 هـ. وبعد انقضاء الحج وأداء المناسك بأجمعها سافر إلى المدينة المنورة لزيارة جده المصطفى ﷺ، ونزل في ضيافة عمر أمين المهدلي، ودخلوا المسجد النبوي وصلوا في الروضة المطهرة ثم وقفوا أمام المواجهة الشريفة وفيها يقول عبد الله الحداد:
إلى مسجد المختار ثم لروضة بها من جِنَان الخُلد خير المصائر
إلى حجرة الهادي البشير وقبره وثَمَّ تقرُّ العين من كل زائر
وقفنا وسلّمنا على خَير مرسل وخَير نبيّ ماله من مناظر
فرَدَّ علينا وهو حيٌّ وحاضرٌ فشُرِّفَ من حيٍّ كريمٍ وحاضر
زيارته نجح وفوز ومغنم لأهل القلوب المخلصات الطواهر
بها يحصل المطلوب في الدين والدُّنا ويندفع المرهوب من كل ضائر
بها كل خير عاجل ومؤجل ينال بفضل الله فانهض وبادر
وإياك والتسويف والكسل الذي به يُبتلى كم من غبيّ وخاسر
فإنك لا تَجزي نبيك يا فتى ولو جئته سعيًا على العين سائر
انتقاله للحاوي
ثم لما كان سنة 1083 هـ بنى بيته الذي بالحاوي شرقي مدينة تريم، واستوطنه سنة 1099 هـ تباعدًا من اضطهاد حكام تريم، وابتنى مسجده (مسجد الفتح) الذي بجانب بيته المذكور. وقد أسس الحاوي ليكون موطنًا مستقلًا استقلالًا ذاتيًا به وبأولاده وخدمه وأتباعه بحيث لا يتدخل فيه حاكم تريم ولا يعد أهله من رعاياه. حوطة محمية داخلة في كل ما يصل إلى تريم من خير، خارجة عنها من كل شر وفتنة، فهي محترمة لدى الجميع ولهذا سمّاها بعض السواح الأجانب بـ«الفاتيكان».
شيوخه
تتلمذ على عدد من العلماء يفوق عددهم المئة والأربعين، من أشهرهم:
عمر بن عبد الرحمن العطاس
عبد الرحمن بن شيخ عيديد
شيخ بن عبد الرحمن بن شيخ عيديد
عقيل بن عبد الرحمن السقاف
أبو بكر بن عبد الرحمن بن شهاب الدين
عمر بن أحمد الهادي بن شهاب الدين
سهل بن أحمد باحسن الحديلي
أحمد بن ناصر بن الشيخ أبي بكر بن سالم
شيخان بن حسين بن الشيخ أبي بكر بن سالم
محمد بن علوي السقاف
تلاميذه
كثيرون ويأتي في مقدمتهم أولاده وغيرهم كما في كتاب «بهجة الزمان» عن تلاميذه منهم:
أحمد بن زين الحبشي
محمد بن زين بن سميط
عمر بن زين بن سميط
عمر بن عبد الرحمن البار
عمر بن حامد المنفر
عبد الرحمن بن عبد الله بلفقيه
محمد بن عمر بن طه السقاف
علي بن عبد الله السقاف
عبد الرحمن بن محمد بارقبة
علي بن عبد الله العيدروس
زين العابدين بن مصطفى العيدروس
مصطفى بن شيخ العيدروس
مشيخ بن جعفر باعبود
عبد الرحمن بن أحمد باكثير
عبد الله بن سعيد العمودي
عمر بن عبد القادر العمودي
محمد بن ياسين باقيس
أبو بكر بن محمد باجبير
أحمد بن عبد الكريم الشجَّار الأحسائي
أعماله
كان كثير الاهتمام بشؤون المجتمع، يكاتب الأعيان والحكام والسلاطين، يرشد وينصح وينتقد ما عليه بعض الناس من مخالفات في الدين، كما ينتقد بعض المتصوفة الذين تخالف ظواهرهم الشرع الحنيف، وكثيرًا ما يوجه أعماله للإصلاح بين القبائل المسلحة المتخاصمة، كتدخله في الإصلاح بين آل العمودي عندما احتدم النزاع ودخلوا في عراك مسلّح. وكان يرشد الزرّاع في شؤون الزراعة، وهو شخصيًا يملك مزارع ويربي الدواجن، هذا بجانب إكرامه للمحتاجين وسخائه للقاصدين والطلبة والأقارب، بل يحث أرباب الأموال على الإنفاق للفقراء والمشاريع الخيرية وتشييد المساجد والسقايات وغيرها. واشتهر أنه من المكثرين لزيارة القبور ولم يقعد عن زيارة النبي هود في شعبان كل عام مدى ثلاثين سنة متوالية.