خطبة الجمعة عرفات وتنزل الرحمات ودروس من خطبة حجة الوداع الشيخ ثروت سويف
خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 9 ذو الحجة 1443هـ – الموافق 8 يوليو 2022م.
تحت عنوان ( عرفات وتنزل الرحمات )
( وقفات وتأملآت مع خطبة حجة الوداع )
إقرأ في هذه الخطبة
اولا : عرفات وتنزل الرحمات
ثانيا : خطبة الرسول صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع وتقريرها للحقوق والحرمات
الخطبة الاولي
الحمد لله رب العالمين الذي فرض الحج علي من استطاع وامر الخليل ان يؤذن في الناس بالحج فلبوا النداء دون انقطاع فأتوا من كل فج عميق رجالا وعلي كل ضامر ومن شتى البقاع ......
واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وسع سمعه كل داع ووسع عطاءه كل طالب وساع ووسع كرسيه السموات والارض ولا تحده البقاع لا يغيب عن سمعه شيء في السموات ولا في الارض في قمة او في قاع
ولا يخفي عليه دبيب النملة السوداء تحت الصخرة الصماء في الليلة الظلماء في ظلمات الكون ولو طال الاتساع....
واشهد ان سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خير داع الذي علم الدنيا حقوق الانسان في خطبة الوداع وعلم الامة مناسكهم في حجة الوداع واحسن التعليم في الاحرام والطواف وعلي عرفات وفي المشاعر والمساع اللهم وسلم عليه وعلي اله وصحبه والاتباع صلاة وسلاما الي يوم البعث بلا انقطاع
اما بعد
فان اليوم يوم عرفة ويوم الجمعة وإن رحمة الله عز وجل سابغة عامة لا تضيق بذنب، وحسبك أن الله عز وجل دعا المسرفين من عباده ليتعرضوا لرحمته بالغة ما بلغت ذنوبهم قُلْ ياعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
اولا : عرفات وتنزل الرحمات
وما من كيوم عرفة ترجى فيه مغفرة الذنوب ورحمة علام الغيوب فهو يوم من أيام العتق من النار روى مسلم عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ أَنْ يُعْتِقَ الله فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو , ثُمَّ يُبَاهِي الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟ " , رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وهذه المباهاة تقتضي الغفران وعموم التكفير لأنه لا يباهي بالحاج إلا وقد تطهر من كل ذنب، إذ لا تباهي الملائكة وهم مطهرون إلا بمطهر
وروى ابن خزيمة عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ فَيُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ " فَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: أَيْ رَبِّ فِيهِمْ فُلَانٌ يَزْهُو وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ: «قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرُ عَتِيقًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ» أَيْ رَبِّ فِيهِمْ فُلَانٌ يَزْهُو وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ - أي يقع في شيء من المعاصي - وفلان وفلانة، قال: يقول الله ـ عز وجل ـ: لقد غفرت لهم)).
في يوم عرفة إلى الليل نبكي والدعاء أطلناه
فكم حامد كم ذاكر ومسبحكم صائم وكم مذنب يشكو لمولاه بلواه
فكم خاضع كم خاشع متذلل وكم سائل مدت إلى الله كفاه
وساوى عزيز في الوقوف ذليلنا وكم ثوب عز في الوقوف لبسناه
ورب دعانا ناظر لخضوعنا خبير عليم بالذي قد أردناه
ولما رأى تلك الدموع التي جرت وطول خشوع معْ خضوع خضعناه
تجلى علينا بالمتاب وبالرضا وباهى بنا الأملاك حين ذكرناه
وقال انظروا شعثاً وغبراً جسومهم أجرنا أغثنا يا إلهاً دعوناه
ان اليوم هو يوم عرفة ويوم الجمعة وله مزية على سائر الأيام فهو اجتماع اليومين الذين هما أفضل الأيام، فيوم الجمعة هو اليوم الذي فيه ساعة محققة الإجابة وأهل الموقف كلهم إذ ذاك واقفون للدعاء والتضرع، وفيه اجتماع الخلائق من أقطار الأرض للخطبة وصلاة الجمعة، ويوافق ذلك اجتماع أهل عرفة بعرفة فيحصل من اجتماع المسلمين في مساجدهم وموقفهم من الدعاء والتضرع ما لا يحصل في يوم سواه، ان الجمعة يوم عيد، ويوم عرفة عيد لأهل عرفة فيجتمع العيد
ان يوم عرفة هو الشفع الذي أقسم الله به في قوله: وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ [الفجر:3]، وذكر أن الشاهد الذي أقسم الله به في قوله تعالي ( وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ) [البروج:3]، كما ثبت ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفاً ومرفوعاً في مسند الإمام أحمد: ((الشاهد يوم عرفة، والمشهود يوم الجمعة)) وقد اجتمع بحمد الله اليوم الشاهد والمشهود يوم عرفة ويوم الجمعة.
واجتماع عرفة والجمعة يوافق حجة النبي صلى الله عليه وسلم فيوم عرفة يوم عظم الله أمره، ورفع على الأيام قدره انه يوم عيد لاهل الموقف وللمسلمين ويوم كمال الدين فقد روي مسلم عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا نَزَلَتْ، مَعْشَرَ الْيَهُودِ، لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، قَالَ: وَأَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لَأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، «نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ» صحيح مسلم
عباد الله:
من فاته في هذا العام القيام بعرفة فليقم لله بالحق الذي عرفه.
ومن عجز عن المبيت بمزدلفة فليبيت عزمه على طاعة الله الذي قربه وأزلفه.
ومن لم يقدر على نحر هديه بمنى، فليذبح هواه هنا.
ومن لم يصل إلى البيت العتيد، فليقصد رب البيت فإنه أقرب إلى من دعاه ورجاه من حبل الوريد.
يوم عرفة إخوتي: يوم العتق من النار والمباهاة بأهله من الله للملائكة الكرام، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟...)) فيغفر الله فيه لكل من وقف ومن لم يقف فيه ممن قبل توبتهم واستغفارهم.
رفعوا الأكف وأرسلوا الدعوات……وتجردوا لله في عرفات
شعثا تجللهم سحائب رحمة……غبراً يفيض النور في القسمات
وكأن أجنحة الملائك عانقت……أرواحهم بالبر والطاعات
هذي ضيوفك يا إلهي تبتغي……عفواً وترجو سابغ البركات
تركوا وراء ظهورهم دنيا الورى…أتوك في شوق وفي إخبات
ويوم عرفة عباد الله يوم خوف وخشوع وخشية من الله، يوم يذل فيه المؤمنون لربهم مخبتين يوم البكاء والانكسار بين يدي الغفور الرحيم، يلحون بخير الدعاء وبخير ما قال النبي صلى الله عليه وسلم والنبيون من قبله: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)) ليعلنوا بذلك صدق ولائهم لله وتوحيدهم إياه، فلا يدعون غيره ولا يرجون سواه.
وفي هذا اليوم يغفر الله لمن صام من غير الحجيج السنة التي قبلها والسنة التي بعدها، فلا إله إلا الله ـ ما أحلم الله على عباده وما أكرمه وهو الجواد الكريم.
وقد جعل الله لنا عوضاً هو العمل الصالح في هذا اليوم، ولا سيما صيامه، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي قتادة قال . قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ )
ولا يكره إفراد يوم عرفة بالصوم حتى لو وافق يوم جمعة للحديث السابق وقد خصصه
روى ان بعض الصالحين قال رأيت رجلا بمكة يقول اللهم بحق صائمي عرفة لا تحرمني ثواب عرفة فقلت له في ذلك فقال كان والدي يدعو بهذا الدعاء فلما مات رايته في المنام فقلت ما فعل الله بك قال غفر لي بهذا الدعاء ولما وضعت في قبري جاءني نور فقيل لي هذا ثواب عرفة قد أكرمناك به. نزهة المجالس ومنتخب النفائس
انه يوم القرب والتلبية للنداء روى الامام البخارى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَوَقَصَتْهُ - أَوْ قَالَ: فَأَوْقَصَتْهُ - قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا»
هل تأملت الصورة؟ هل رأيت المشهد؟ إذا أهل هذا الميت من قبره ملبياً وميقاته قبره، ومن تجاوز الميقات يريد الحج بلا إحرام فعليه دم، وهذا يريد الجنة لأنه مطلوب هناك للقرب من رب العباد
إن يوم عرفة ـ إخوتي ـ يوم فخر للمسلمين إذ لا يمكن للمسلمين في أي مكان أن يحتشدوا بهذا العدد في وقت واحد إلا في هذا المكان. إن في هذا الاجتماع ـ أحبتي ـ آية عظيمة على قدرة الله سبحانه وتعالى، إذ يسمع دعاء كل هؤلاء في وقت واحد على اختلاف ألوانهم وألسنتهم وأجناسهم، ويعطي كل واحد سؤله دون أن تختلط عليه المسائل والحاجات أو تخفى عليه الأصوات والكلمات سبحانه هو السميع البصير العلي الخبير الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
عباد الله، فقد ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً فقال: أي آية؟ قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الأسْلاَمَ دِيناً [المائدة:3]، قال عمر: (إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه والمكان الذي نزلت فيه أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قائم بعرفة يوم الجمعة).
انه يوم الرحمة والمغفرة وذلة الشيطان فها هو ذا قد اسود وجهه، وخاب سعيه، وأهوى يحثو الترب على رأسه ويدعو بالويل والثبور وعظائم الأمور!!
إنه الشيطان اللعين يغيظه ما يرى من اجتماع المسلمين في عرفات، وما يتنزل عليهم من مولاهم من رحمات، فتغلي مراجل غضبه، وينكسر خاسئاً ذليلاً. وفي الموطأ بسند صحيح عن طلحة بن عبد الله بن كريز مرسلاً أن رسول الله قال: ((ما رُئي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه يوم عرفة، وما ذاك إلا لما يرى من تنزُّل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام، إلا ما كان من يوم بدر))
روى الامام احمد في مسنده عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَبَاهُ الْعَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " دَعَا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، لِأُمَّتِهِ بِالْمَغْفِرَةِ، وَالرَّحْمَةِ فَأَكْثَرَ الدُّعَاءَ، فَأَجَابَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنْ قَدْ فَعَلْتُ، وَغَفَرْتُ لِأُمَّتِكَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنَّكَ قَادِرٌ أَنْ تَغْفِرَ لِلظَّالِمِ، وَتُثِيبَ الْمَظْلُومَ خَيْرًا مِنْ مَظْلَمَتِهِ "، فَلَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ الْعَشِيَّةِ، إِلَّا ذَا فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ دَعَا غَدَاةَ الْمُزْدَلِفَةِ، فَعَادَ يَدْعُو لِأُمَّتِهِ، فَلَمْ يَلْبَثِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَبَسَّمَ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، ضَحِكْتَ فِي سَاعَةٍ لَمْ تَكُنْ تَضْحَكُ فِيهَا، فَمَا أَضْحَكَكَ، أَضْحَكَ اللهُ سِنَّكَ قَالَ: " تَبَسَّمْتُ مِنْ عَدُوِّ اللهِ إِبْلِيسَ، حِينَ عَلِمَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدِ اسْتَجَابَ لِي فِي أُمَّتِي، وَغَفَرَ لِلظَّالِمِ، أَهْوَى يَدْعُو بِالثُّبُورِ وَالْوَيْلِ، وَيَحْثُو التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ، فَتَبَسَّمْتُ مِمَّا يَصْنَعُ جَزَعُهُ "
وعن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم عرفهَ: "أيها الناس، إن الله- عز وجل- قد تطوَّل عليكم في هذا اليوم، فغفر لكم إلا التبعات فيما بينكم، ووهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، فادفعوا باسم الله" فلما كان بجَمْعِ، قال: "إن الله قد غفر لصالحيكم، وشفع صالحيكم في طالحيكم، تنزل المغفرة فتعمهم، ثم تَفَرَّقُ المغفرة في الأرض، فتقع على كل تائب ممن حفظ لسانه ويده، وإبليس وجنوده على جبل عرفات ينظرون ما يصنع الله بهم، فإذا نزلت المغفرة دعا هو وجنوده بالويل، يقول كنت أستفزهم حقباً من الدهر، ثم جاءت المغفرة فغشيتهم، فيتفرقون وهم يدعون بالويل والثبور". أخرجه عبد الرزاق ومن طريقه الطبراني في "معجمه"
ثانيا : خطبة الرسول في حجة الوداع وتقريرها للحقوق والمحرمات
أيها المسلمون: في مثل هذه الأيام، ومنذ أربعة عشر قرناً من الزمان, تحديداً في السنة العاشرة من الهجرة، حج نبينا الحبيب محمد حجة الوداع اجتمع له مائة الف من شتى البقاع فوق معلما ومربيا ومؤسسا وداع وكانت خير وداع فسميت حجة الوداع ودستورها خطبة الوداع
والركب يتحرك وكاني اري رسول الله والنور يتالق علي جبينه وتتلألأ الاضواء علي محياه
والله ما خلق الاله ولا بري بشرا يري ك محمد بين الورى
يا سيد العقلاء يا خير الورى...يا من أتيت الى الحياة مبشرا
وبعثت بالقرءان فينا هاديا وطلعت في الأكوان بدرا نيرا
في هذه الحجة المباركة، وقف النبي صلي الله عليه وسلم وخطب في المسلمين خطبة الوداع. إن هذه الخطبة التي ألقاها لا تستغرق إلا بضع دقائق، ولكنها أهم من خطب قد تستغرق ساعات. ولا عجب في ذلك فصاحبها عليه الصلاة والسلام، أفصح العرب، وأوتي جوامع الكلم، واختصرت له المعاني اختصاراً. فكان مما قاله : ((يا أيها الناس: اسمعوا قولي فإني لا أدري، لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً))
إن في حجة نبيكم محمد الوداعية التوديعية لعبراً ومواعظ، وإن في خطبها لدروساً جوامع.
روايات خطبة النبي في حجة الوداع كثيرة لكننا سنذكر رويتا الصحيحين للاختصار
روى الامام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟»، قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ: «فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟»، قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: «فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟»، قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ "، قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا»، فَأَعَادَهَا مِرَارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ، فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ " البخاري
وروي الامام مسلم عن جابر بن عبد الله قال أَتَى رسول الله صلي الله عليه وسلم ( عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ، فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ:
«إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟» قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ: بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ «اللهُمَّ، اشْهَدْ، اللهُمَّ، اشْهَدْ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ . رواه مسلم من حديث طويل
ان في حجة الوداع ثبَّت النبي في نفوس المسلمين أصول الديانة، وقواعد الشريعة، ونبَّه بالقضايا الكبرى على الجزئيات الصغرى.
ولقد كانت عباراتٍ توديعيةً بألفاظها ومعانيها وشمولها وإيجازها، استشهدَ الناسَ فيها على البلاغ.
كان من خلال تبليغه كلمات ربه يمتلئ حباً ونصحاً وإخلاصاً ورأفةً: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ [الشعراء:3].
لقد عانى وكابد من أجل إخراجهم من الظلمات إلى النور، حتى صنع منهم - بإذن ربِّه - أمةً جديدةً، ذات أهدافٍ واضحةٍ، ومبادئ سامية، هداهم من ضلال، وجمعهم بعد فرقةٍ، وعلَّمهم بعد جهل.
إن البرية يوم مبعث أحمد …نظر الإله لها فبدل حالها
بل كرم الإنسان حين اختار …من خير البرية نجمها وهلالها
أرسى فيها قواعد الإسلام، وهدم مبادئ الجاهلية، وعظَّم حرمات المسلمين. خطب الناس وودعهم، بعد أن استقرَّ التشريع، وكمل الدين، وتمت النعمة، ورضي الله هذا الإسلام ديناً للإنسانية كلها، لا يقبل من أحدٍ ديناً سواه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الأسْلاَمَ دِيناً [المائدة:3]. وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85].
وهذه وقفات مع بعض هذه الأسس النبوية، والقواعد المصطفوية، والأصول المحمدية.
1 : حرمة الدماء وحقوق البشر
أيها الناس إن حرمة الدماء عند الله عظيمة، لذا كان أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة فى الدماء.
ولقد قال النبي صلي الله عليه وسلم في هذه الخطبة من ارض عرفات من خير البقاع وفي خير الايام ونادى مسمعا ومحذرا ومنبها وقائلا وما ينطق عن الهوى فقال : (( فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلا فَلا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلالاً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلا لِيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ )) رواه البخاري ومسلم
فقد بيَّن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حُرمة الدماء والأموال، ووضَّح لنا أن هذه الحُرمة تُساوي حُرمة اليوم والشهر والبلد، ومعلومٌ أن حُرمة البلد الحرام - وهو مكة - حُرمةٌ عظيمة، وحُرمة الشهر الحرام - وهو شهر ذي الحجَّة - حرمة عظيمة؛ فالله - سبحانه وتعالى – وان الزمان قد استدار ورجع لاصل خلقته الشهور عادت مكانها كما خلقت وجعَل عدَّة الشهور اثنَي عشر شهرًا، منها أربعة أشهر حرم انها مبادئ خالدة لحقوق الإنسان، لا يبلغها منهجٌ وضعي، ولا قانون بشري، فلصيانة الدماء قال تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حياةٌ [البقرة:179]، ولصيانة الأموال قال تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38]، ولصيانة الأعراض قال تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]، هذا لغير المحصن.
روي ابن ماجه وابن حبان والبيهقي من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أن النبى قال لأصحابه لما رجعت مهاجرة الحبشة عام الفتح إلى رسول الله قال لهم: ((ألا تحدثونى بأعاجيب ما رأيتم فى الحبشة)) فقال فتية منهم : بلى يا رسول الله، بينما نحن جالسون مرت بنا عجوز من عجائز رهبانهم تحمل قلة ماء على رأسها، فمرت هذه العجوز على فتى منهم فقام الفتى ووضع إحدى كفيه بين كتفيها ودفعها وخرت على ركبتيها فانكسرت قلتها، فلما ارتفعت التفتت إلى الشاب وقالت له : سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسى وجمع الله الأولين والآخرين وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون فقال المصطفى ((صدقت، صدقت، كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم )).
اسمع وتدبر قول الله: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [ النساء: 93 ] . الله أكبر !! انظروا إلى حرمة الدماء!
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ» رواه الترمذي والنسائي.
فى صحيح البخاري من حديث ابن عمر أن الحبيب النبي صلي الله عليه وسلم قال: ((لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)) قال: وقال ابن عمر ((إن من ورطات الأمور التى لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حل))
وفى الحديث الذى رواه النسائي والبخاري في التاريخ من حديث عمر بن الحمق الخذاعي أن الحبيب النبي قال: ((من أمن رجلاً على دمه فقتله فإنا بريء من القاتل وإذا كان المقتول كافراً)).
هذه حرمة الدماء عند رب الأرض والسماوات ، وعند سيد البشر والكائنات لذلك كانت الدماء هى أول شىء يقضى فيه الله بين العباد.
2 - التحذير من مظاهر الجاهلية وحرمة الربا ووضع الثأر .
حيث قال صلي الله عليه وسلم في تلك الحجه المباركة والخطبة الجامعة ( أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ ) مسلم
يبين رسول الله صلي الله عليه وسلم ان الناس متساوون في التكاليف حقوقاً وواجباتٍ، لا فرق بين عربيٍ ولا عجمي إلا بالتقوى، لا تفاضل في نسب، ولا تمايز في لون، فالنزاعات العنصرية والنعرات الوطنية ضربٌ من الإفك والدجل.
3 - ثم ينبه علي حقوق وحرمة اموال الناس بعد دمهم واعرضاهم .
ان أول ربا وضعه النبي هو ربا عمه العباس بن عبد المطلب كان يتعامل به في الجاهلية قبل الإسلام.
قَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أضعافاً مضاعفة وَاتَّقوا الله لَعَلَّكُمْ تفلحون} وَقَالَ الله تَعَالَى الَّذين {يَأْكُلُون الرِّبَا لَا يقومُونَ إِلَّا كَمَا يقوم الَّذِي يتخبطه الشَّيْطَان من الْمس} أَي لَا يقومُونَ من قُبُورهم يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا كَمَا يقوم الَّذِي قد مَسّه الشَّيْطَان وصرعه ذَلِك أَي ذَلِك الَّذِي أَصَابَهُم بِأَنَّهُم قَالُوا إِنَّمَا البيع مثل الرِّبَا
أَي حَلَالا فاستحلوا مَا حرم الله فَإِذا بعث الله النَّاس يَوْم الْقِيَامَة خَرجُوا مُسْرِعين إِلَّا أَكلَة الرِّبَا فَإِنَّهُم يقومُونَ ويسقطون كَمَا يقوم المصروع كلما قَامَ صرع لأَنهم لما أكلُوا الرِّبَا الْحَرَام فِي الدُّنْيَا أرباه الله فِي بطونهم حَتَّى أثقلهم يَوْم الْقِيَامَة فهم كلما أَرَادوا النهوض سقطوا ويريدون الْإِسْرَاع مَعَ النَّاس فَلَا يقدرُونَ وَقَالَ قَتَادَة إِن آكل الرِّبَا يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة مَجْنُونا وَذَلِكَ علم لأكلة الرِّبَا يعرفهُمْ بِهِ أهل الْموقف
روي الامام احمدعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، لَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَنَظَرْتُ فَوْقَ - قَالَ عَفَّانُ: فَوْقِي - فَإِذَا أَنَا بِرَعْدٍ وَبَرْقٍ وَصَوَاعِقَ "، قَالَ: " فَأَتَيْتُ عَلَى قَوْمٍ بُطُونُهُمْ كَالْبُيُوتِ فِيهَا الْحَيَّاتُ تُرَى مِنْ خَارِجِ بُطُونِهِمْ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أَكَلَةُ الرِّبَا .
ان هذا الحديث فيه التشنيع على هذه الجريمة العظيمة ويكفي فيها قوله تعالى: فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ )
4- الوصية بالنساء وحقوقهن .
ان من مظاهر تكريم الإسلام للمرأة عنايته بحقوق الزوجات، فلقد كان ما قاله رسول الله صلي الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع تكريم ووصية وحقوق حيث قال : ((فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، )) البخاري ومسلم
ان المُعامَلة الحسَنة مع النساء قضية المرأة، وما أدراك ما قضية المرأة، وكأنها قضية كل عصر وكل جيل وكل أمة، يأتي الخطاب النبوي في هذا الحشد الهائل ممن عاصر الجاهلية، ليضع الناس على الحق، والطريق المستقيم.
لقد انتقل النبي نقلة أخرى في خطبته يبين فيها أمرًا قد كان مسحوقًا في الجاهلية، وهي قضية المرأة التي طالما نسمع أبواق العلمانيين والمفسدين تهتف بمطالبة حقوقها الضائعة المفقودة ـ زعموا ـ ولطالما جعلوا هذه الحقوق ستارًا لنوايا خبيثة وسرائر سيئة لإفساد المرأة وإخراجها من مملكتها وعرشها (بيتها) إلى أماكن الهلاك وبؤر الفساد. فبدأ بقوله: ((فاتقوا الله في النساء...))
لم يعتبر الإسلام المرأة مكروهة أو مهانة، كما كانت في الجاهلية، ولكنه قرر حقيقة تزيل عنها هذا الهوان، وهى أن المرأة قسيمة الرجل، لها ما له من الحقوق قال صلى الله عليه وسلم: ((إنما النساء شقائق الرجال)) رواه أبو داود والترمذي.
5. الوصية بالتمسك بالكتاب والسنة وهما اصلا الدين ومنهلاه ورافداه
ففي خطبة الوداع هذه قال حبيبكم : ((وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله)) رواه مسلم
اعلموا ان الذي خلق الإنسان أعلم بما يصلحه ويحقق سعادته، ألا وهو الاعتصام بالكتاب والسنة، قال تعالى: إِنَّ هَاذَا الْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، أي يهدي للتي هي أقوم في شؤون المعاملات، ويهدي للتي هي أقوم في شؤون القضاء، ويهدي للتي هي أقوم في شؤون الحكم والسياسة، ويهدي للتي هي أقوم في شؤون المال والاقتصاد، ويهدي للتي هي أقوم في شؤون التربية والتعليم، ويهدي للتي هي أقوم في الأخلاق، قال تعالى: مَّا فَرَّطْنَا فِى الكِتَابِ مِن شَىْء [الأنعام:38].
ومن السنة في هذه الأيام التكبير مطلقاً ومقيداً، والمقيد هو الذي يكون أدبار الفرائض، وهي الصلوات الخمس والجمعة، ويبدأ التكبير المقيد لغير الحاج من فجر يوم عرفة، وللحاج من ظهر يوم النحر، ويمتد في حقهما التكبير مطلقاً ومقيداً إلى آخر أيام التشريق.
ألا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى...
جمع وترتيب \ ثروت سويف \ امام وخطيب بالأوقاف المصرية
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|