تغريدات د.طارق هشام مقبل 7
خُتِمَ النّظمُ الكريم: ﴿وإن يتفرقا يُغن الله كلا من سعته﴾ بقوله ﷻ ﴿وكان الله واسعا حكيما﴾.. وهي خاتمة بديعة.. فالإنسان—عند النهايات—يجد السلوى في "السعة" الإلهية.. ثم يطمئن إلى أن خلف تلك النهاية "حكمة".. ربما خفيت عليه..
لقاءٌ واحد يغير من نظرتك للحياة ﴿سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا﴾.. حلم واحد يصيغ أحداث حياتك ﴿إني رأيت أحد عشر كوكبا﴾.. مكان واحد لا يفارق وجدانَك ﴿لرادّك إلى مَعاد﴾.. حُبّ واحد يملأ العقل والقلب ﴿ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه﴾..
آيات القرآن التي تتضمن معنى الإحياء—مثل قوله ﷻ: ﴿يخرج الحيّ من الميت﴾—من أكثر ما يبعث الأمل في نفسي.. ويحثني على الاستمرار.. وآيات الرزق بغير حساب—مثل قوله ﷻ: ﴿إن الله يرزق من يشاء بغير حساب﴾—من أكثر ما يدعوني للتعرض لنفحات الكريم ﷻ.. التي تأتي من حيث لا أحتسب..
يعبّر القرآن في أكثر من موضع عن فكرة الأجل المسمى—مثلا: ﴿كل يجري لأجل مسمى﴾—وكأنه يشير بذلك إلى أن كل شيء مؤقت.. السعادة ﴿وأنه هو أضحك﴾ والحزن ﴿وأبكى﴾.. القلق ﴿وبلغت القلوب الحناجر﴾ والسكينة ﴿أنزل السكينة﴾.. جمال اللقاء ﴿آوى إليه أبويه﴾.. وألم النهاية ﴿وإن يتفرقا﴾..
أعلى مراتب الرضى والسعادة—فيما يظهر لي—أن تكون راضيا عن الشيء الذي حصلت عليه، وأن يكون هذا الشيءُ صحيحا في ذاته وحقا في نفسه؛ ألتمسُ هذا المعنى في قوله ﷻ ﴿ارجعي إلى ربك راضية مرضية﴾، أي راضية عما نلتيه، مرضية عند الله.. فاللهم اجعلنا راضين مرضيين.. في الآخرة والأولى..
كان النبي ﷺ إذا صافَح أحدا؛ لم ينزع يده ﷺ حتى يكون الرجل هو الذي ينزع.. وهو أدب جليل.. ويبدو لي أن في الحديث "فكرة" أكثر شمولا.. وهي "التمسك" حتى النهاية.. وعدم الابتداء بالمفارقة.. وربما يُستأنس هنا بفعل نوح عليه السلام: ﴿وهي تجري بهم في موج كالجبال، ونادى نوح ابنه﴾..
من خضم تلك التجربة الشديدة، والقلق، والغربة ﴿ففررتُ منكم لما خفتُكم﴾.. وُلِدت الحكمة، وظهر النور ﴿فوهب لي ربي حكما﴾.. أحسب أن اللطفَ الخفي يتجسد في تلك العطايا الروحية.. كالعزاء والسلوى عن ﴿ساعةِ العُسرة﴾..
عامل "الصدفة" مؤثر بشكل كبير، و"الحظ" محوري جدا في حياتنا (وهما، بلاشك، ما نسميه التقدير الإلهي).. ولكن يميل الإنسان—إذا حقق شيئا ذا بال—للتغافل عن هذه العوامل، ونسبة ما يسميه "نجاحا" لنفسه.. ﴿كلا إن الإنسان ليطغى.. أن رآه استغنى﴾.. اللهم بصّرنا بأنفسنا..
من الآيات التي تُبيّن إحدى الحقائق الأساسية في الحياة؛ قوله ﷻ ﴿أم للإنسانِ ما تمنّى﴾.. والذي يفيد أنّ هذه الدنيا ليست دارَ الأمنيات.. ولا ينال فيها الإنسان ما يشتهيه.. بل يكون ذلك في الآخرة—إن أحْسنَ—ولذلك عقّب بقوله ﷻ ﴿فلله الآخرة والأولى﴾..
كثيرا ما يتطرق القرآن لفكرة التعلق، ليربّي القارئ على معالجة التعلق الذي يعيقه عن الكمال.. يُمتَحن إبراهيم ﴿إني أرى في المنام﴾.. يفارق يوسفُ أباه ﴿ذهبوا به﴾.. تلقي أم موسى رضيعها ﴿فألقيه﴾.. يلقي موسى عصاه ﴿ألقها﴾.. ثم يأتي الموت يعلمنا أنه لا خلود ﴿كل نفس ذائقة الموت﴾..
عن تلك التجارب الصعبة ﴿وخرّ موسى صعقا﴾.. التي تخرج منها وأنت إنسان أفضل، وأكثر وعيا ﴿فلما أفاق؛ قال سبحانك تُبتُ إليك، وأنا أول المؤمنين﴾..
من أكثر ما يساعد الإنسان على الصّبر، واحتمال مصاعب الحياة، وتجاوز انكساراتها؛ أن يرى الأشياءَ كما هيَ، وأن يُبصرَ الأسباب على حقيقتها، وكأنه ينظرُ للغيب من ستر رقيق؛
قال الإمام القشيري عند قوله ﷻ ﴿فنجّيْناكَ من الغمّ﴾: "فلما أرَيناك سِرَّ جريان التقدير؛ نجيناك من الغمّ."
وفِي كلّ مرّةٍ يُدركني فيها لُطفُكَ الخَفيُّ.. أستَشْعرُ قولَكَ: ﴿ولقد مننّا عليك مرّةً أخرى﴾..
تَرفّقُوا بمَنْ حولكم.. ترفقوا بقلوب الذين يُحبُّونكم.. فإن من أكثر ما يُؤلم الإنسان.. شعورَه بأنه غيرُ محبوب.. ﴿إذ قالوا: ليوسف وأخوهُ أحبُّ إلى أبينا منّا﴾..
يبدو لي -والله أعلم بأسرار كتابه- أنّ قولَه ﷻ: ﴿واضمُمْ إليكَ جناحَك من الرّهب﴾ يرمز -ولو من بعيد- إلى أن السّكينة والطمأنينة تنبعان من داخل النّفس البشرية، وأنّ السعادةَ -قياسا على ذلك- ليست مُتعلّقةً بأسباب ماديّةٍ خارجية، وإنما توجد في أعماق النفس..
مِن أجمل نِعَم الله عليك.. أَنْ تجدَ من يسمعُ لك.. وينصت إليك.. من لا تَخشى أنْ تقصَّ عليه ما لقيت من حُلو الحياة ومُرّها.. مَنْ تشعر معه أَنّك في مَأمن ولو أخبرتَهُ بكل شيء.. ﴿فَلَمَّا جَاءَه وقصَّ عليه القصصَ؛ قال: لا تَخَفْ﴾..
وفي كلّ مرَّة يُعلّمني القرآنُ أنّ جبرَ قلوب الناس من أجلّ القربات؛ قيل في تفسير ﴿فأثابكم غما بغم﴾: "فأثابكم الرسول غمّا لكيلا تحزنوا على ما فاتكم؛ أي: سكت عن تثريبكم، ولم يُظهر لكم إلاّ الاغتمام لأجلكم، لكيلا يذكّركم بالتثريب حزنا على ما فاتكم؛ فأعرضَ عن ذكره جَبراً لخواطركم."
من أقسى الأشياء على الإنسان.. ألا يعرفَ موقعَه من هذا العالم: ﴿فتذرُوها كالمعلقة﴾.. وألا يعرفَ إلى أين يسير: ﴿ووجدَك ضالا فهدى﴾؛ فاللهُم إنا نعوذ بك من الحيرة والشّتات.. ونسألك البصيرةَ وقصدَ السبيل..
العلاقات الإنسانيةُ إنما تستمر بالتّجاوز، وغضّ الطرف عن بعض الهفوات والأخطاء؛ جاء في تفسير الكشاف عند قوله ﷻ ﴿قال: لا تُؤاخذني بما نَسيت، ولا تُرهقني من أمري عُسرا﴾: "يعني: ولا تُعسّر علي متابعتَك، ويسرها عليّ بالإغضاء وترك المناقشة."
لازلتُ أتأَمّل المغزى.. وأحاولُ أن أفهمَ حكمةَ مفارقةِ الخضر لموسى بعد المرة الثالثة: ﴿قال: هذا فراقُ بيني وبينك﴾؛ فَهل يا ترى كانت رسالةُ القصة: إنّ كلّ ما هو ثمينٌ في هذه الحياة يستَحقُّ التضحيةَ لأجله.. يستحق التّشبت والتمسك به.. والصبر عليه.. وإلا ارتحل وذَهَب فلم يَعُدْ..؟
يَستَوقفني كثيرا قولُ الله ﷻ في آية النُّور: ﴿لا شرقيّة ولا غربية﴾، ويبدو لي والله أعلم أنّ الآيةَ تلمح -ولو من بعيد- لفكرة أن يكون للإنسان مسارُه الخاص في هذه الحياة.. ألا يحاول أن يُشبه أحدا.. أن يتجاوزَ الانتماءات الضَّيقة.. وأن يَتَحرَّرَ إلى فضاء الله الأرحَب..
يَحجِبُ عنّا ﷻ معرفةَ بعض الحقائق..لأن العلم بها قد يُؤلمنا ﴿لا تسألوا عن أشياءَ إنْ تُبدَ لكم تسُؤكم﴾.. هنا تتجلى الرحمة في الحجب وفي المنع.. من الأدب والحكمة ألا نُخبر الآخرين بما قد يسوؤهم ويحزنهم، ممّا لا يحتاجون لمعرفته.. أو مما لا يدَ لهم في تغييره.. يكفي الناس ما فيهم..
كان الحبيب ﷺ يقول: " اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أوْ أشَدَّ".. وهي إشارة جميلة إلى فكرة "الازدياد من الحب".. أن تحب شيئا وتطلب من الله أن يزيدك حبا له.. الحب رغبة ودعاء..
أظن أنّ من أعظم ما يمكن للمرء أن يسأل الله ﷻ.. سؤاله ﷻ أن يُرِيَهُ مظاهر الرحمة.. أن يكشف له كيف تقوم الرحمة في الأشياء.. وذلك لأن الرحمة قد تخفى على المرء.. كما يعلمنا النظم الكريم في سورة هود.. ﴿وآتاني رحمةً من عنده؛ فَعُمّيَتْ عليكم﴾..
آراء الناس متقلبة.. ورأيُهم فيك قد يتغير سريعا.. بسبب تضارب المصالح، أو بمجرد اختلافهم في الرأي معك.. ﴿قالوا: "يا صالح؛ قد كنتَ فينا مرجوا قبل هذا"﴾.. فالعاقل من لا يستمد قيمته من كلام الناس، ولا من اعتقادهم فيه.. العاقل من ينظر دائما للسماء..
﴿إن قارون كان "من قوم موسى" فبَغى عليهم﴾.. هذه الآية كالإعداد لخيبات الأمل التي قد تأتيك من أقرب الناس إليك.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|