اختصاص النبي بأن الله تعالى أرسله إلى الناس كافة
أرسل الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين[1] في عصره، وبعد عصره إلى يوم القيامة، فأرسله رسالة عامة لجميع البشر من عرب وعجم، وحر وعبد، وذكر وأنثى؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سبأ: 28].
فُأرسل صلى الله عليه وسلم "للناس قاطبة، عربهم وعجمهم، أبيضهم وأسودهم وأحمرهم، مبشرًا من أطاع الله بالجنة، ومنذرًا من عصاه بالنار" [2].
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعض الخصائص التي خص بها دون غيره من البشر، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي، كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَلَمْ تُحَلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَيِّبَةً طَهُورًا وَمَسْجِدًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ صَلَّى حَيْثُ كَانَ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ بَيْنَ يَدَيْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ»[3].
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: وبُعثت إلى الأحمر والأسود، قيل: هم كافة الناس، كنى بالحمران عن البيض من العجم، وبالسود عن العرب لغلبة الأدمة عليهم وغيرهم من السودان، وقد يقال: إن الأسود: السودان، والحمر من عداهم من العرب وغيرهم، وقيل: الأحمر: الإنس، والأسود: الجن" [4].
ففي الحديث الشريف إثبات أفضيلة الرسول صلى الله عليه وسلم على غيره من الأنبياء؛ حيث إن الله اختصَّه وأكرمه من بين سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بخصائص كثيرة، لكن هذه الخصائص الخمسة المذكورة في الحديث هي أهمها وأعظمها وأشملها، وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»[5].
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أحد من هذه الأمة"، يشمل "جميع أمة الدعوة مَن هو موجود في زمنه، ومَن يتجدد وجوده بعده إلى يوم القيامة، فذكره اليهودي والنصراني بعد ذلك من ذكر الخاص بعد العام، وإنما ذكرهما تنبيها على مَن سواهما"[6].
والسبب في ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لـ"اليهود النصارى لهم كتاب، فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتابًا، فغيرهم ممن لا كتاب له أولى" [7].
فغاية بعثة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة السلام جميعًا، هو توحيد العبادة لله وحده لا شريك له، وقد ختم الله سبحانه وتعالى بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم النبيون، ونسخ بشريعته الشرائع قبلها، وارتضى الله لنا شريعته الخاتمة التي جاء بها، قال الإمام السيوطي - رحمه الله -: و"الإجماع على أنه صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى جميع الإنس والجن" [8].
وقد دل الحديث السابق على أن كل نبي يبعث في قومه خاصة، واختص الرسول صلى الله عليه وسلم على غيره من الأنبياء بأنه بعث إلى الجن والإنس جميعًا، وشريعته جاءت ناسخة لجميع شرائع الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبله، ولم يحصل هذا لغيره صلى الله عليه وسلم، فأرسل الله تعالى كل نبي إلى "قومه خاصة، وأرسل نبينا صلى الله عليه وسلم إلى الجن والإنس، فلكل نبي من الأنبياء ثواب تبليغه إلى أمته، ولنبينا صلى الله عليه وسلم ثواب التبليغ إلى كل من أرسل إليه تارة بمباشرة الإبلاغ، وتارة بالتسبب إليه"[9].
وجملة القول في اختصاص الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الله سبحانه وتعالى أرسله كافة للعالمين:
من المعتقدات التي يجب على كل مسلم الإيمان بها أن الله تعالى اختص رسوله صلى الله عليه وسلم بعموم رسالته صلى الله عليه وسلم لجميع الخلق المؤمن والكافر والعربي، والعجمي والأحمر والأسود والإنس والجن، فجاء صلى الله عليه وسلم مبشرًا من أطاع بالثواب العظيم، ومنذِرًا من عصا بالعذاب الأليم، وأنه لا نبي ولا رسول بعده، هو خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد نسخ الله عز وجل بالإسلام جميع الديانات قبله.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|