صور من بر الصحابة بآبائهم وتربيتهم لأبنائهم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد، فقد أوجب الإسلام على المسلم حقوقًا لأصوله وفروعه، فالأصول حقُّهم: البِرُّ والإحسان، والفروع حقُّهم: التربية والتوجيه، والصحابة رضي الله عنهم كانت لهم مواقف في ذلك ينبغي الاستفادة منها.
بِرُّهم بوالديهم:
كان صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام يرون أن بِرَّ الوالدين وخصوصًا البِرَّ بالأمهات من أفضل الأعمال؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لرجل: "إني لا أعلمُ عملًا أقرَب إلى الله عز وجل من برِّ الوالدة"؛ [أخرجه البخاري في الأدب المفرد]، وعن ابن عمر رضي الله عنهما "أنه قال لرجل: أحَيٌّ والدُاكَ؟ قلت: عندي أُمِّي، قال: لو ألَنْتَ لها الكلامَ، وأطعَمْتَها الطعامَ لتدخُلَنَّ الجنَّة ما اجتنبت الكبائر"؛ [أخرجه البخاري في الأدب المفرد].
ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يحرصون على البِرِّ بوالديهم، ويخصُّون الأُمَّ بمزيد عناية؛ لعظيم حقِّها، فقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم رؤيا، ورؤيا الأنبياء حَقٌّ أن أحد الصحابة في الجنة بسبب بِرِّه بأُمِّه؛ فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نمْتُ فرأيتني في الجنة، فسمعتُ صوت قارئ يقرأ، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا حارثة بن النعمان))، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كذلك البِرُّ، كذلك البِرُّ))، وكان أبَرَّ الناس بأُمَّه؛ [أخرجه أحمد].
ومن مواقفهم في البِرِّ بوالديهم:
البِرُّ بهما ولو كانا مشركين:
فعن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: قدمت أُمِّي وهي مشركةٌ، فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أمِّي قدمت وهي راغبة، أفأصِلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ))؛ [متفق عليه].
الحرص على دعوتهما إلى الإسلام:
عن أبي هريرة رضي الله عنه "جئتُ فقلت: يا رسولَ الله، إني كنتُ أدعو أُمِّي إلى الإسلام، فتأبى عليَّ، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادْعُ اللهَ أن يهدي أُمَّ أبي هريرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أبي هريرة))، فخرجتُ مستبشرًا بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جئت، قالت: يا أبا هريرة، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله"؛ [أخرجه مسلم].
عدم التنازُل عن دينهم من أجل من كان مشركًا من والديهم:
قال سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه: "أُنزلت فيَّ هذه الآية: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ﴾ [لقمان: 15]، قال: كنتُ رجلًا برًّا بأُمِّي، فلما أسلمتُ قالت: يا سعدُ، ما هذا الذي أراك قد أحدثت؟! لتدعَنَّ دينَكَ هذا أو لا آكُلُ ولا أشربُ حتى أموت، فتُعيَّرُ بي فيُقالُ: يا قاتل أُمِّه، فقلتُ: لا تفعلي يا أمه، فإني لا أدَعُ ديني هذا لشيء، فمكثَتْ يومًا وليلة لم تأكل، فأصبحت قد جهدت، فمكثَتْ يومًا آخر وليلة لم تأكل، فأصبحت قد جهدت، فمكثَتْ يومًا وليلة أخرى لم تأكل، فأصبحت قد اشتدَّ جهدها، فلما رأيتُ ذلك قلتُ: يا أمه، تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس، فخرجت نفسًا نفسًا، ما تركت ديني هذا لشيء، فإن شئت فكلي وإن شئت لا تأكلي، فأكلتْ"؛ [قال ابن كثير: أخرجه الطبراني في كتاب العشرة].
ترك حج التطوُّع لصحبة الأُمِّ:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "والذي نفس أبي هريرة بيده، لولا الجهادُ في سبيل الله، والحجُّ وبِرُّ أُمِّي لأحببْتُ أن أموتَ وأنا مملوك))؛ [أخرجه البخاري ومسلم]، زاد مسلم في رواية: قال: يعني الزهري: وبلغنا أن أبا هريرة لم يكن يحجُّ حتى ماتَتْ أُمُّه؛ لصحبتها، قال الإمام النووي رحمه الله: المراد به حج التطوُّع؛ لأنه قد كان حج حجةَ الإسلام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فقدَّم بِرَّ الأُمِّ على حج التطوُّع؛ لأن بِرَّها فرضٌ، فقُدِّم على التطوُّع.
الصيام عنهما الصيام الواجب عليهما:
وعن عطاء بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: "كنت جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة، فقالت: يا رسول الله، إن أُمِّي كان عليها صوم شهر، أفأصوم عنها؟ قال: ((صومي عنها))"؛ [أخرجه مسلم].
الصدقة عنهما في حياتهما:
وعن عطاء بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: "كنت جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة، فقالت: يا رسول الله، إنِّي تصدَّقْتُ على أُمِّي بجارية، وإنها ماتت قال: ((وجب أجرُك، وردَّها عليك الميراث))"؛ [أخرجه مسلم].
الصدقة عنهما بعد موتهما:
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "إن سعد بن عبادة رضي الله عنه تُوفِّيت أُمُّه وهو غائب، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن أُمِّي تُوفِّيت وأنا غائب عنها، فهل ينفعها شيء إن تصدَّقْتُ به عنها؟ قال: ((نعم))، قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها"؛ [أخرجه البخاري].
الحجُّ والعمرة عنهما:
عن عطاء بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: "كنتُ جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة، فقالت: يا رسول الله، إني أُمِّي لم تحجَّ قَطُّ، أفأحجُّ عنها؟ قال: ((نَعَم، حجِّي عنها))"؛ [أخرجه مسلم].
وعن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه أنه أتى النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: "يا رسول الله، إن أبي شيخٌ كبيرٌ، لا يستطيع الحَجَّ ولا العمرة ولا الظعن، قال: ((حُجَّ عن أبيك واعتمر))"؛ [أخرجه البخاري مسلم].
وعن الفضل بن عباس رضي الله عنهما قال: إن امرأة قالت: "يا رسول الله، إن أبي شيخٌ كبيرٌ، قد أدركته فريضة الله في الحج، وهو شيخ كبير، لا يستطيع أن يستوي على ظهر البعير، قال: ((حجِّي عن أبيك))"؛ [متفق عليه].
الدعاء لهما:
عن مولى أم هاني بنت أبي طالب "أنه ركب مع أبي هريرة إلى أرضه بالعقيق، فإذا دخل أرضه صاح بأعلى صوته: عليك السلام ورحمة الله وبركاته يا أمتاه، تقول: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يقول: رحمك الله كما ربَّيتني صغيرًا، فتقول: يا بني، وأنت جزاك الله خيرًا، ورضي عنك كما بررتني كبيرًا"؛ [أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وقال العلامة الألباني: حسن الإسناد].
قضاء النذر عنهما:
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: إن سعد بن عبادة استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نذرٍ كان على أُمِّه، توفيتْ قبل أن تقضيَه، فقال: ((اقْضِه عنها))؛ [متفق عليه].
بِرُّهما بعد وفاتهما:
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، قال: "لما حضر قتال أُحُد، دعاني أبي من الليل، فقال: إني أراني إلا مقتولًا في أول مَنْ يُقتَل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني والله ما أدَعُ أحدًا؛ يعني: أعزَّ عليَّ منك بعد نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن عليَّ دَيْنًا، فاقْضِ عنِّي ديني، واستوصِ بأخواتك خيرًا، فأصبحنا، فكان أول قتيل، فدفنتُه مع آخر في قبر، ثم لم تَطِبْ نفسي أن أتركَه مع آخر في قبر، فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضَعَتْه غير أُذنه"؛ [أخرجه البخاري].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي قصة والد جابر من الفوائد: الإرشاد إلى بِرِّ الأولاد بالآباء خصوصًا بعد الوفاة.
وعن عبدالله بن دينار، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما "أن رجلًا من الأعراب لقيَه بطريق مكة، فسلَّم عليه عبدالله، وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامةً كانت على رأسه، فقلنا له: أصلَحَكَ الله، إنهم الأعراب، وهم يرضون باليسير، فقال عبدالله بن عمر: إن أبا هذا كان وُدًّا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإني سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أبَرَّ البِرِّ صِلةُ الرجل أهلَ وُدِّ أبيه))"؛ [أخرجه مسلم].
قال الإمام النووي رحمه الله: وفي هذا فضل صلة أصدقاء الأب، والإحسان إليهم، وإكرامهم، وهو متضمَّن لبِرِّ الأب وإكرامه؛ لكونه بسببه، ويلتحق به أصدقاء الأُمِّ والأجداد.
فينبغي بر الوالدين والاعتناء بأمرهما، والقيام بمصالحهما وخدمتهما، وقضاء دينهما، والنفقة عليهما إذا كانا محتاجين، وأن يجاهد الإنسان نفسه في ذلك؛ فالصحابي الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد، قال له الرسول عليه الصلاة والسلام: ((أحيٌّ والداك؟))، قال: نَعَمْ قال: ((ففيهما جاهد)).
تربيتهم لأبنائهم:
كما كان للصحابة رضي الله عنهم عناية عظيمة ببِرِّ الوالدين، فقد كانت لهم اهتمام بتربية وتأديب أبنائهم، ولهم مواقفُ في ذلك:
قال ابن مسعود رضي الله عنه: "حافظوا على أولادكم في الصلاة، وعلِّمُوهم الخير؛ فإنما الخير عادة"؛ [أخرجه البيهقي في السنن الكبرى].
وقال ابن عمر رضي الله عنه لرجل: "أدِّب ابنَكَ؛ فإنك مسؤول عن ولدك ماذا أدَّبْتَه، وماذا علَّمْتَه، وإنه مسؤول عن بِرِّكَ وطواعيته لك"؛ [أخرجه البيهقي في السنن الكبرى].
وقال سعيد بن العاص رضي الله عنه: "إذا علَّمتُ ولدي وزوجته وأحجيته، فقد قضيتُ حقَّه وبقي حقِّي عليه"؛ [أخرجه البيهقي في السنن الكبرى].
والتربية لا تقتصر على الأقوال بل لا بدَّ من الأفعال، والصحابة رضي الله عنهم كانت لهم مواقف في ذلك، منها:
العدل بينهم:
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: أعطاني أبي عطيةً، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تُشهِد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أعطيتُ ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أُشهدك يا رسول الله، قال: ((أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟))، قال: لا، قال: ((فاتَّقوا الله واعدِلوا بين أولادكم))، قال: فرجع فردَّ العطية"؛ [متفق عليه].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي الحديث الندب إلى التآلف بين الإخوة، وترك ما يُوجِب الشحناء، أو يُورث العقوق للآباء.
تعويدهم على الصوم:
عن الربيع بنت معوِّذ بن عفراء، قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قُرى الأنصار التي حول المدينة: ((من كان أصبح صائمًا، فليُتِمَّ صومَه، ومن كان أصبح مفطرًا، فليُتِمَّ بقية يومه))، فكنا بَعْدُ نصومه، ونُصَوِّم صِبْياننا الصِّغار، ونذهب بهم إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدُهم أعطيناه إياه، حتى يكون عند الإفطار؛ [متفق عليه]، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي الحديث حجة على مشروعية تمرين الصبيان على الصيام.
الحجُّ بهم:
عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: إن امرأة أخذت بعَضُدِ صبيٍّ، فقالت: يا رسول الله، هل لهذا حج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((نَعَم ولك أجر))؛ [أخرجه مسلم].
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: وقوله: ((أجر)) مُنكَّر؛ يعني: أجر بقدرِ ما أحسن إلى هذا الصبي من التأديب والتوجيه، وما أشبه ذلك.
وعن السائب بن يزيد قال: "حجَّ بي أبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين"؛ [أخرجه البخاري].
مضاحكتهم وملاعبتهم:
عن حنظلة رضي الله عنه، قال: "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فوَعَظَنا، فذكر النار، قال: ثم جئت إلى البيت فضاحكت الصبيان، ولا عبت المرأة، قال: فخرجت فلقيتُ أبا بكر، فذكرت ذلك له، فقال: وأنا فعلتُ مثل ما تذكر"؛ [أخرجه مسلم].
سؤالهم عن أسباب تأخُّرهم في العودة للمنزل:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: "خرجتُ من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم متوجِّهًا إلى أهلي، فمررتُ بغلمان يلعبون، فأعجبني لعبهم، فقمتُ على الغلمان، فانتهى إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قائم على الغلمان، فسلَّم على الصبيان، ثم أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة له، فرجعتُ إلى أهلي بعد الساعة التي كنتُ أرجعُ إليهم فيها، فقالت لي أُمِّي: ما حبسك اليوم يا بُني؟ فقلتُ: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة له"؛ [أخرجه أحمد].
تعليمهم الأدعية التي تحفظهم في نومهم:
عن عمر بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمنا كلمات نقولهنَّ عند النوم من الفزع: ((بسم الله، أعوذُ بكلمات الله التامَّة من غضبه وعقابه وشرِّ عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون))، فكان عبدالله بن عمرو يُعلِّمها من بلغ من ولده، يقولها عند نومه؛ [أخرجه أحمد].
محبة الخير لهم:
عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثلُ المؤمن مثل شجرة لا تطرح ورقَها))، فوقع الناس في شجر البدو، ووقع في قلبي أنها النخلة، فاستحييتُ أن أتكلَّم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هي النخلة))، فذكرت ذلك لعمر، فقال: يا بني، ما منعك أن تتكلم؟ فوالله لأن تكون قلت ذلك أحَبُّ إليَّ من أن يكون لي كذا وكذا"؛ [متفق عليه].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ووجه تمنِّي عمر رضي الله عنه ما طبع الإنسان عليه من محبَّة الخير لنفسه ولولده.
رحمتهم وإيثارهم على أنفسهم:
عن أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "دخلت امرأة معها ابنتان لها، فسألت، فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة، فأعطيتُها إيَّاها فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئًا، ثم قامت فخرجتْ، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من ابتُلي بشيءٍ من هذه البنات، كُنَّ له سترًا من النار))"؛ [متفق عليه].
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هذا الحديث فيه عجائب؛ منها: الرحمة العظيمة في هذه المرأة، فإنها إن قسمت التمرة أثلاثًا ضعُف نصيب كل واحدة، وإن أعطتها واحدةً دون الأخرى، صار في ذلك جَوْرٌ، فما بقي إلَّا أن تُؤثِرَ ابنتيها على نفسها، وتشقَّ التمرة بينهما نصفين، وهذا شيء عجيب!".
وفي رواية لمسلم: "جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتُها ثلاث تمرات، فأعْطَتْ كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمَتْها ابنتاها، فشقَّت التمرة التي كانت تُريدُ أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرتُ التي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار))".
تشجعيهم على حفظ الأسرار:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة له، فرجعتُ إلى أهلي بعد الساعة التي كنتُ أرجعُ إليهم فيها، فقالت لي أُمِّي: ما حبسك اليوم يا بني؟ فقلتُ: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة له، قالت: وما هي؟ قلتُ: هو سِرٌّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فاحفظ على رسول الله سِرَّه، فما أخبرتُ به أحدًا قطُّ"؛ [أخرجه أحمد].
توجيههم إلى لبس الملابس المباحة:
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه "أنه أتاه ابنٌ له وعليه قميص من حرير، والغلامُ مُعجَبٌ بقميصه، فلما دنا من عبدالله خرَقه، ثم قال: اذهب إلى أُمِّكَ فقل لها: فلتُلْبِسْكَ قميصًا غير هذا"؛ [أخرجه الطبراني في الكبير].
توجيههم إذا بلغوا ألا يدخلوا إلا بإذن:
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه "أنه كان إذا بلغ بعض ولده، عزله فلم يدخل عليه إلَّا بإذن"؛ [أخرجه البخاري في الأدب المفرد].
تأديبهم إذا ارتكبوا ما يخالف الشرع:
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه "كان إذا وجد أحدًا من أهله يلعب بالنرد، ضربه وكسرها"؛ [أخرجه البخاري في الأدب المفرد].
وصيَّتُهم لأبنائهم حين حضور الموت:
عن عكرمة بن خالد أن سعدًا بن أبي وقَّاص رضي الله عنه، قال لابنه حين حضره الموت: "يا بني، إنك لن تلقى أحدًا هو أنصح لك مني، إذا أردْتَ أن تصلي فأحسِنْ وضوءك، ثم صَلِّ صلاة لا ترى أنك تصلي بعدها، وإيَّاك والطمع؛ فإنه فقر حاضرٌ، وعليك باليأس؛ فإنه الغنى، وإياك وما يُعتذَر منه من العمل والقول، واعمَل ما بدا لك"؛ [أخرجه الطبراني في الكبير].
اللهم وفِّقْنا للاقتداء بأولئك الصَّحْب الكرام رضي الله عنهم، فاجعلنا ممَّن يبرُّون والديهم، ويهتمُّون ويحرصون على تربية وتأديب أبنائهم.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|