لا المدافع ولا الزلازل تقنع «أم منير» بمغادرة حلب !
أثار الزلزالان الجديدان اللذان ضربا محافظة هاتاي في جنوب تركيا مخاوف جديدة لدى سكانها الثلاثاء، ودعاهم للتفكير بشكل جدي لمغادرة المكان بشكل نهائي دون عودة، وبلغت قوة الزلزالين الأخيرين 6,4 و5,8 درجات بعد أكثر من أسبوعين على الزلزال الرئيسي الذي أودى بحياة نحو 46 ألف شخص في كل من تركيا وسوريا، ولا يزال السكان في حال خوف وترقب خصوصًا مع وقوع ما مجموعه 7242 هزة ارتدادية منذ السادس من شباط/ فبراير مع توقع بازديادها.
وشعر سكان سوريا ولبنان وقبرص بالهزة الأولى التي بلغت مساء الاثنين 6,4 درجات، وضربت قرابة الساعة 20:00 بالتوقيت المحلي قرب أنطاكيا التي لحق بها دمار هائل أساسًا من الزلزال الرئيسي المدمر.
وأدى الزلزال الجديد إلى سقوط 6 قتلى إضافيين وأكثر من 300 جريح في الجانب التركي، وما لا يقل عن 150 جريحا في المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في شمال غرب سوريا، وتبعه زلزال ثان بقوة 5.8 درجات، بحسب الهيئة العامة لإدارة الكوارث في تركيا (آفاد).
وأودت الزلازل الأخيرة بحياة 42310 أشخاص في تركيا و3688 في سوريا، أي ما مجموعه 45998 قتيلاً، وفق الأرقام الأخيرة المتوافرة في البلدين.
وفي سوريا تصرّ أم منير على أن الموت وحده يمكنه أن يقتلعها من شقتها التي تحضن ذكرياتها وعائلتها في مدينة حلب في شمال سوريا.
وتقول أم منير (55 عاماً) التي تعيش وحدها في الطابق الرابع من مبنى في حي المشارقة لوكالة فرانس برس «لا شيء يُخرجني من منزلي سوى الموت (..) حينها سأخرج مباشرة إلى المقبرة».
وتضيف بينما تناثرت الحجارة على سريرها وتضرر أثاث غرفتها الخشبي التقليدي «نحن أبناء عزّ ومال، لكن الحرب غيّرت أحوالنا. لم ننزح حتى في أقسى سنوات الحرب ولن ننزح الآن».
وإثر الزلزال المدمر في السادس من الشهر الحالي والذي ضرب سوريا وتركيا، مودياً بحياة قرابة 46 ألف شخص في البلدين، انهار المبنى المجاور بالكامل.
وانهارت معه الواجهة الخلفية للمبنى الذي تقطن فيه السيدة والمؤلف من سبعة طوابق.
وباتت غرف النوم فيه أشبه بشرفات مكشوفة وحيدة، تلازم السيدة منزلها رغم إدراكها للخطر الموجود، وكذلك يفعل عدد من جيرانها.
وتقول بينما ترتدي معطفاً أسود فوق ملابسها يقيها البرد، وتتواصل عبر هاتفها الخلوي مع ابنيها المقيمين خارج سوريا «المبنى متصدّع ونعلم أنه مهدد بالانهيار، لكننا عشنا طيلة سنوات الحرب متكلين على الله، ونؤمن أنه سيحفظنا».
وبين صيف 2012 ونهاية العام 2016، حطت الحرب رحالها في مدينة حلب، ثاني كبرى المدن السورية والتي كانت تعد العاصمة الاقتصادية للبلاد. وشهدت المدينة جولات من المعارك.
وتمكنت القوات الحكومية من استعادة السيطرة على الأحياء الشرقية حيث تمركزت الفصائل المعارضة، بعد سنوات من الحصار والقصف بدعم جوي روسي.
ولم تدفع المعارك أم منير إلى مغادرة منزلها القريب من خط التماس سابقاً، ولا الهزات الارتدادية التي تجد نفسها تهرول الى الشارع في كل مرة تتكرر فيها.
وتروي كيف تمضي غالبية وقتها لدى جارتها في الطابق الأول ليتسنى لهما الخروج فوراً، وتوضح «لا تستطيع جارتي الجري، لذلك أسندها بيدي ونجري بأسرع ما نستطيع إلى الساحة المجاورة».
وبعد الزلزال الجديد الذي ضرب تركيا وسوريا مساء الإثنين، غادر علي الباش (55 سنة) وعائلته منزلهم في الطابق الأول من المبنى ذاته.
ويروي لوكالة فرانس برس بينما يجلس على حجر صغير داخل غرفة النوم التي سقطت خزانتها إثر انهيار الجدار ونقل بقية أثاثها إلى غرفة أخرى في المنزل «خرجت ليل أمس مع أولادي وزوجتي إلى الحديقة المجاورة، وعدنا بعد انتهاء الهزة» موضحاً «نحن على هذا المنوال منذ الزلزال الأول قبل أسبوعين».
ورغم أن عمارتهم آيلة للسقوط في أي لحظة، لا يتردّد الباش وعائلته في العودة إلى المنزل المتصدّع للنوم.
ويقول بينما ينفث دخان سيجارته عالياً «ما من مكان آخر نتوجه إليه.
اعتدنا الخطر، كان منزلنا على خطّ تماس طيلة الحرب، وسقطت علينا القذائف وأصابت الصواريخ عمارتنا».
ويضيف «بعد الزلزال، بتنا نعيش بدون جدار ونشرف مباشرة على الدمار» في إشارة إلى ركام المبنى الملاصق الذي انهار تماماً.