نظرة في سرايا الرسول صلى الله عليه وسلم
كانت هذه السرايا مجرد مناوشات ولم يحدث لقاء إلا في سرية عبدالله بن جحش، وقد كره ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يعني أنه لم يقصد قتالاً، ولم يرسلهم ليقاتلوا، غير أن الله تعالى أنزل قرآنًا يؤيد تصرف عبدالله بن جحش ومن معه، ولعل المبررات التي ذُكِرَت في الآية الكريمة تُعَدُّ أساسًا في الرد على شُبَه المعترضين الذين يتهمون الإسلام بأنه قد غيَّرَ مساره وتحوَّل إلى العنف والقتال، ومن أهم تلك المبررات: تلك الجرائم والأفعال القبيحة التي ارتكبتها قريش في حق المسلمين؛ فقد صدُّوا عن سبيل الله، وأخرجوا المسلمين من ديارهم، وفتنوا من فتنوا من المسلمين، وعذبوهم، ونهبوا أموالهم، إن الذين خرجوا في هذه السرايا كلهم من المهاجرين الذين فتنهم المشركون في مكة!
ويتحدث الشيخ محمد الغزالي عن الحكمة في توجيه هذه السرايا على ذلك النحو المتتابع فيقول:
أولاً: إشعار مشركي يثرب ويهودها وأعراب البادية الضاربين حولها بأن المسلمين أقوياء، وأنهم تخلصوا من ضعفهم القديم.
ثانيًا: إنذار قريش عُقْبَى طيشها؛ فقد حاربت الإسلام، ولا تزال تحاربه، ونكَّلَت بالمسلمين في مكة، ثم ظلَّت ماضية في غَيِّها، ولا تسمح لأحد من أهل مكة أن يدخل في دين الله، ولا تسمح لهذا الدين أن يجد قرارًا في بقعة أخرى من الأرض، فأحب الرسول صلى الله عليه وسلم أن يُشْعِر حكام مكة بأن هذه الخطة الجائرة ستُلْحِق بهم الأضرار الفادحة، وأنه قد مضى - إلى غير عودة - ذلك العصرُ الذي كانوا فيه يعتدُون على المؤمنين، وهم بمأمن من القصاص[1].
ثم يُعَلِّق الشيخ الغزالي على سرية عبدالله بن جحش وما نزل فيها من قرآن يؤيد مسلك عبدالله بن جحش تجاه المشركين، ويزكي عمله وصحبه، فيقول: "إن الضجة التي افتعلها المشركون لإثارة الريبة في سيرة المقاتلين المسلمين لا مساغ لها، فإن الحرمات المقدسة قد انْتُهِكَت كلها في محاربة الإسلام، واضطهاد أهله، فما الذي أعاد لهذه الحرمات قداستها فجأة، فأصبح انتهاكها مَعَرَّة وشناعة؟ ألم يكن المسلمون مقيمين بالبلد الحرام حين تقرر قتلُ نبيهم وسلب أموالهم؟[2].
لقد نزلت آيات في سورة الأنفال تذكِّر بمكر المشركين ومحاولاتهم حبس النبي صلى الله عليه وسلم أو اغتياله أو نفيه، فقال تعالى: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30]، وفي هذا يقول الأستاذ محمد عزة دروزة: "والآية صريحة بأن الحقد والعداء قد بلغا في زعماء مكة نحو النبي صلى الله عليه وسلم مبلغًا جعلهم يأتمرون فيما بينهم في الوسائل التي يقضون بها عليه، أو يَحُولون دون استمراره في الدعوة، ولقد فكروا - على ما ذَكَرَتْه الآية - في ثلاث وسائل، وهي حبسه، أو اغتياله، أو نفيه، وروايات السيرة تَذْكُر أن قرارهم قرَّ على الاغتيال، والروايات تذكر كذلك أن هذا قد كان في أخريات العهد المكي، وأن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم شخصيًّا قد وقعت على إثر وصول خبر قرار الاغتيال إليه، وما ذكرَتْه الآية من التآمر على حبسه أو إخراجه أو قتله يدل على أن السلطات الرسمية في مكة قد اشتركت آخِرَ الأمر في هذا الموقف الخطير واندمجت فيه؛ لأنها استشعرت الخطر العظيم الذي قد يُحْدِق بمكة ويهدد مصالحها الكبرى من نجاح هجرة النبي إلى يثرب وعواقبها"[3].
وبعد شهر واحد من سرية عبدالله بن جحش، وما نزل بشأنها من قرآن، وبعد أن أدركت مكة أنها مؤاخذة بما جد أو يجد من سيئاتها، وبعد ما يقرب من خمسة عشر عامًا من الإيذاء والاضطهاد والمطاردة، وكذا من الصبر والاحتمال، كان اللقاء المقدَّر، كان يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان: معسكر الكفر، ومعسكر الإيمان.
ماذا حققت هذه السرايا من إنجازات:
لقد أثمرت هذه السرايا فوائد وإنجازات (ذكرها د. أحمد الغمري) تمثلت فيما يلي:
1- الاستطلاع:
استطاع المسلمون التعرف على الطرق المحيطة بالمدينة والمؤدية إلى مكة، خاصة طرق التجارة الحيوية لقريش بين مكة والشام، كما استطاعوا التعرف على قبائل المنطقة، وموادَعة بعضها، والتحالف مع بعضها الآخر.
2- الخبرة القتالية:
فقد أثبت المسلمون أنهم أقوياء، ويستطيعون الدفاع عن أنفسهم وعقيدتهم تجاه أعدائهم، وقد أراد المسلمون من ذلك أن تُتْرَك لهم الحرية الكاملة لنشر دعوتهم دونما عائق.
3- نجاح أسلوب الكتمان والرسائل السرية (المشفرة):
وذلك لضمان سِرية التحرك والخطة الموضوعة لئلا يطَّلِع عليها أحد حتى لو كان أفراد السَّرِيَّة أو الجيش؛ لتحقيق عنصر المباغتة، وإحداث الارتباك في صفوف العدو.
3- الحصار الاقتصادي:
ومنع إمداد العدو، ومراقبة أهم الطرق بين مكة والشام، مما أثَّر على تجارة قريش، وهدَّد مكة بحصار اقتصادي.
4- تفعيل قاعدة "الهجوم أقوى وسيلة للدفاع":
لتشتيت شمل العدو وتحطيم قوته المادية والمعنوية [4].
ماذا حققت هذه السرايا من إنجازات:
لقد أثمرت هذه السرايا فوائد وإنجازات (ذكرها د. أحمد الغمري) تمثلت فيما يلي:
1- الاستطلاع:
استطاع المسلمون التعرف على الطرق المحيطة بالمدينة والمؤدية إلى مكة، خاصة طرق التجارة الحيوية لقريش بين مكة والشام، كما استطاعوا التعرف على قبائل المنطقة، وموادَعة بعضها، والتحالف مع بعضها الآخر.
2- الخبرة القتالية:
فقد أثبت المسلمون أنهم أقوياء، ويستطيعون الدفاع عن أنفسهم وعقيدتهم تجاه أعدائهم، وقد أراد المسلمون من ذلك أن تُتْرَك لهم الحرية الكاملة لنشر دعوتهم دونما عائق.
3- نجاح أسلوب الكتمان والرسائل السرية (المشفرة):
وذلك لضمان سِرية التحرك والخطة الموضوعة لئلا يطَّلِع عليها أحد حتى لو كان أفراد السَّرِيَّة أو الجيش؛ لتحقيق عنصر المباغتة، وإحداث الارتباك في صفوف العدو.
3- الحصار الاقتصادي:
ومنع إمداد العدو، ومراقبة أهم الطرق بين مكة والشام، مما أثَّر على تجارة قريش، وهدَّد مكة بحصار اقتصادي.
4- تفعيل قاعدة "الهجوم أقوى وسيلة للدفاع":
لتشتيت شمل العدو وتحطيم قوته المادية والمعنوية[5].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|