هل تدرج الوحى في تحريم الخمر أم أننا فهمنا الآيات خطأ ؟
هل تدرج الوحى في تحريم الخمر أم أننا فهمنا الآيات خطأ ؟
من الأمور التي تعلمناها من تفاسير وفقه القدامى تعلما خاطئا أن الله لم يحرم الخمر على الفور حيث يدعى البعض أنه تم تحريمها على أربعة مراحل
المرحلة الأولى هي اتخاذ السكر من ثمار العنب والنخل في قوله سبحانه :
"ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن فى ذلك لآية لقوم يعقلون"
السؤال هل جعل السكر وهو الخمر مقابل الرزق الحسن معناه إباحة السكر ؟
لا يوجد في الآية أي دليل على إباحة السكر وهو الخمر
والدليل هو على الحرمة أنه وضع الحسن مقابل السكر وهو السوء كما وضع الحسنات مقابل السيئات في قوله سبحانه :
" ولا تستوى الحسنة ولا السيئة"
وقوله أيضا:
" إن الحسنات يذهبن السيئات"
ومن المعروف أن وضع شيئين متضادين معا يعنى ذم أحدهما ومدح الأخر أي إباحة أحدهم وتحريم الأخر
المرحلة الثانية هي الزعم أن الله حرم السكر وهو شرب الخمر قبل الصلاة بوقت كافى حيث قال :
"يا أيها الذين أمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون"
المشكلة هي في فهم كلمة سكارى خطأ فسكارى هنا لا تعنى شرب الخمر لأن السكر يحدث نتيجة أمور أخرى:
فمثلا أثبت الله أن الكفار يراهم المسلم في حالة سكر في القيامة نتيجة رؤيتهم عذاب النار ومع هذا نفى أن يكونوا سكارى من شرب الخمر وإنما سكارى نتيجة معرفتهم أنهم سيدخلون النار ويعذبون وفى هذا قال سبحانه :
" وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد "
ومثلا بين الله لنا أن من يصعد للسماء سيظن أنه سكر بصره والمقصود سيحدث عنده خلل رؤيوى يجعل الرؤية الصحيحة تغيب عنه نتيجة ما يراه في السماء حيث قال :
"ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون"
ومثلا جعل من يحضرهم الموتى يعانون سكرة وهى غيبوبة الموت وهى لحظات الوفاة حيث قال :
"وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد"
إذا السكر وهى حالة عدم الوعى أي حالة عدم العقل تحدث نتيجة أمور متعددة ومن ثم تفسير سكارى في الآية لا يعنى شاربى الخمر وإنما يعنى حالات التعب والارهاق الجسمى والبعض يسميها الانهيار حيث يكون العقل والجسم في حاجة للنوم ومن ثم لا يمكن له أن يقرأ القرآن وهو القول ويفهمه لأنه سيغفو اغفاءات متعددة أثناء القراءة ومن المؤكد أن الكثير من الناس يحسون بتلك المشاعر من خلال ما يسمونه لحظة الانهيار وهى قمة الساعة البيولوجية والتي تحتم النوم أو الراحة
ولا يمكن أن يحل الله حراما حرمه من قبل
المرحلة الثالثة :
أن المسلمين لما سألوا الرسول (ص) عن حكم الخمر أجاب بقول الله " فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما"
وفى ذلك قال سبحانه :
"يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما"
السؤال الواجب هنا :
هل يوجد دليل على إباحة الخمر هنا ؟
بالطبع لا يوجد ولكن الوهم من الناس هو فهم القول" ومنافع للناس" على أنه إباحة رغم أن الأدلة على التحريم ظاهرة جدا وهى :
" إثم كبير"
" وإثمهما أكبر من نفعهما"
دليلان لا يخطئهما العقل ولكن البعض أوهمنا أنه ليس تحريم مع أن الله طلب ترك الإثم وبين أن مرتكبه سيجازى والمقصود سيعاقب على ارتكابه حيث قال :
"وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون"
وبين الله أن الإثم محرم حيث قال :
"قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم"
المرحلة الرابعة :
هي تحريم الخمر تماما بالآية التالية :
"يا أيها الذين أمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون"
بالطبع الأقوال المحرمة هنا ظاهرة وهى :
" رجس من عمل الشيطان"
" فاجتنبوه "
"يوقع بينكم العداوة والبغضاء"
" يصدكم عن ذكر الله وهو الصلاة "
" فهل أنتم منتهون"
ومع هذا الظهور الواضح وضوح الشمس إلا نابتة نبتت في العصر تدعى أنها من أهل القرآن وما هي من أهله ادعت أن الله لم يحرم الخمر أطلاقا في القرآن
وهذا النابتة في هذا العصر من المؤكد أن أشباههم كان موجودا في عصور سابقة
وقد ساعد على هذا وجود روايات حديثية كاذبة تبين أن عقاب شاربى الخمر في الآخرة ليس النار وإنما سيدخلون الجنة والعقوبة حرمانهم من شربها في الآخرة مثل :
3374 - حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ، أَنَّ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُسَيْنٍ، حَدَّثَهُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ» وهذه الرواية في سنن ابن ماجة وفى معظم الكتب بتلك الصيغة
وهى صيغة معناها اباحة شرب الخمر في الدنيا لأن لا عقاب عليها في الآخرة سوى حرمان من في الجنة من شربها
وهناك صيغة أخرى للحديث تبين نفس المعنى وتشترط لشربها في الجنة التوبة منها وهى:
3373 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ، إِلَّا أَنْ يَتُوبَ»
والكثيرون يستحلون الخمر في الدنيا بسبب تلك الروايات بحجة:
أنهم لن يشربوها في الجنة
وهو كلام باطل
ومن تلك الروايات التي تحل الخمر بناء على آية قرآنية وهى رواية كاذبة نسبت لصحابى شرب الخمر وادعاء أنها حلال في مسند عبد الرازق :
17076 عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري قال : أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة وكان أبوه شهد بدرا إن عمر بن الخطاب استعمل قدامة بن مظعون على البحرين وهو خال حفصة وعبد الله بن عمر ، فقدم الجارود سيد عبد القيس على عمر من البحرين فقال : يا أمير المؤمنين ، إن قدامة شرب فسكر ، ولقد رأيت حدا من حدود الله حقا علي أن أرفعه إليك ، فقال عمر : " من يشهد معك " قال أبو هريرة : فدعا أبا هريرة فقال : بم أشهد ؟ قال : لم أره يشرب ولكني رأيته سكران فقال عمر : " لقد تنطعت في الشهادة " قال : ثم كتب إلى قدامة أن يقدم إليه من البحرين فقال الجارود لعمر : أقم على هذا كتاب الله عز وجل ، فقال عمر : " أخصم أنت أم شهيد ؟ " قال : بل شهيد " قال : " فقد أديت شهادتك " قال : فقد صمت الجارود حتى غدا على عمر فقال : أقم على هذا حد الله ، فقال عمر : " ما أراك إلا خصما ، وما شهد معك إلا رجل " فقال الجارود : إني أنشدك الله ، فقال عمر : " لتمسكن لسانك أو لأسوءنك " فقال الجارود : أما والله ما ذاك بالحق أن شرب ابن عمك وتسوءني ، فقال أبو هريرة : إن كنت تشك في شهادتنا فأرسل إلى ابنة الوليد فسلها ، وهي امرأة قدامة فأرسل عمر إلى هند ابنة الوليد ينشدها فأقامت الشهادة على زوجها فقال عمر لقدامة : " إني حادك " فقال : لو شربت كما يقولون ما كان لكم أن تجلدوني ، فقال عمر : " لم ؟ " قال قدامة : قال الله تعالى : ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا الآية ." [ ص: 241-2420243 ]
ومما سبق يتبين أن الله حرمها من أول آية نزلت فيها ولم يكن هناك تدريج في تحريمها
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|