وقفات مع زلزال قوي هز تركيا اليوم تصل ارتداداته لدول عربية
ضرب زلزال شديد على تركيا اليوم 6-2-2023بقوة 7.7 درجات، على مقياس ريختر وشعر بالهزة الأرضية سكان لبنان والأردن و العراق و قبرص وأرمينيا وسوريا وسكان بعض المحافظات المصرية منها القاهرة الكبرى.
ويعتبر هذا الزلزال من الزلازل المدمرة جداً
والله ينبغي على كل مسلم ان يقف أمام هذا الزلزال المدمر وقفة تأمل وتدبر وعظة واعتبار، فالمؤمن يعتبر بكل شي، ويتعظ من كل حدث، ويأخذ منه درسه، المسلم لمثل هذه الأحداث ينبغي ان يفتح لها أذنه وعينه وقلبه ليعتبر ويتعظ، ويأخذ منها الدروس والعبر، وأنا أحببت ان أقف مع هذا الحدث وقفات مهمة ينبغي على كل واحد منا ان يجعلها نصب عينه:
الوقفة الأولى: الزلزال جندي من جنود الله.
على المسلِمَ ان يقِف أمامَ هذه الزلزال موقفَ التفكُّر والاعتبار، يتذكُّر قوّةِ ربِّه الأعلى وقدرتِه سبحانه، تلك القوة والقدرة التي لا تماثِلُها أيُّ قوّةٍ.. قال تعالى: ﴿ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾، وقال جلّ وعلا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين ﴾.
ان هذا الزلزال ما هو إلا جندي من جنود الله ﴿ وما يعلم جنود ربك إلا هو ﴾ هذا الزلزال عذاب من عذاب الله، يسلّطه على من يشاء، لا يستطيع المخلوق الضعيف أن يقف أمامه مهما بلغت قوته...الإنسان الذي استطاع ان يفعل ما يفعل، الإنسان في الغرب صنع الكمبيوتر وغزا الفضاء ووصل إلى القمر ووقف على سطحه، ولكنه أمام جنود الله تعالى لا يستطيع ان يفعل شيئا، ربما يكتشف أن هناك احتمال لزلزال سيقع ولكن متى يحدث وفي أي وقت وما مقدار قوته فانه لا يستطيع ﴿ وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ العلم إِلاَّ قَلِيلاً ﴾.
وان ما يدعو إلى العجب ان أكثر وسائل الإعلام صرحت بان مثل هذه الكوارث ما هي إلا ظواهر طبيعية، وأنّ سببها مجرد تصدّع في باطن الأرض ضعُفت القشرة عن تحمّله.. ولكن شريعتنا الغراء تقول لهم: هذا الكلام صحيح، لكن قولوا لنا مَن الذي قدّر لهذا الصدع أن يحدث؟ ومن الذي أضعف قشرة الأرض أن تتحمّله؟ أليس هو الله القادر؟! أليس هو الله القائل: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس:82].؟! أليس الله سبحانه أخبر عن نفسه أنه يفعل ذلك بسبب ذنوب ومعاصي بني آدم، ﴿ فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصيحة وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرض وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ ولكن كانوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40].
أين خالق الطبيعة سبحانه وتعالى؟ لماذا لا يعترفون بأنه غضب من الله تعالى؟ ان الطبيعة مخلوق من مخلوقات الله، وان الله تعالى هو الفاعل الوحيد والمطلق في الكون كله، قال تعالى: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59].
لقد قصّ الله علينا في القرآن الكريم خبر كثير من الأمم التي أهلكها بسبب المعاصي الجماعية وذكر لنا جريمتهم التي استحقوا بها ذلك العقاب، فقال - تعالى – وهو يتحدث عن قوم عاد: ﴿ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ واتبعوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ ﴾ [هود:59 – 60]، وقال الله تعالى عن قوم لوط: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ﴾ [هود: 82- 83]، وقال عن قوم شعيب: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ ﴾ [هود: 94-95].
إن لله تعالى سنن في عقوبة المجتمعات التي تفشو فيها المعاصي التي يتواطأ عليها المجتمع ويقرها أهله فيقول عز من قائل: ﴿ وكذلك أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القرى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102].
والعذاب قد يكون من الكوارث والزلازل والأعاصير، وقد يكون غير ذلك من البلاء والفتن التي تسلبهم نعمة الأمن والاستقرار وتضر بهم بالخوف والجوع والذلة والمسكنة كما قال تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾ [الأنعام: 65].
فأين من يتعظ؟ وأين من يأخذ الدرس والعبرة من هذه الأحداث؟ وأين من يعتقد الاعتقاد الجازم بان الله قادر على كل شي ولكنه يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
الوقفة الثانية: رسالة إلى أهل الدنيا.
ان ما يجري في هذا الكون من الزلزال والفيضانات ما هي إلا رسالة من الله تعالى إلى كل من يتشبث بالدنيا الفانية، ويلهث وراءها ويحرص عليها ويتهافت عليها تهافت الذباب على الشراب أو تقاتل الكلاب على الجيف، هذه الدنيا لا تساوي شيئا، الإنسان يكون في بيته ولا يدري انه بعد قليل سينهدم به بيته وتزلزل الأرض من حوله، فإذا البينان الشاهق ينهار، وترى الناس بعد لحظات قد ماتوا والعمران قد خرب، والمال قد ضاع هذه هي الدنيا التي نتقاتل عليها، هذه هي الدنيا التي من اجلها تقاطع الأخ مع أخيه، وظلم الأخ أخاه، وسفك الأخ دم أخيه.
جُبِلَتْ على كَدَرٍ وأنت تُريدُها صَفْواً مِنَ الأقذارِ والأكْدارِ
ومَكَلِّفُ الأيامِ ضِدَّ طِباعِها مُتَطَلِّبٌ في الماءِ جَذْوَةَ نارِ
فأين من يتعظ؟ أين من يأخذ الدرس والعبرة من هذا الحدث؟ ويعلم ان الدنيا الدّنيا دَار مَن لا دارَ له، ومالُ مَن لا مال، ولها يجمَع مَن لا عقلَ له. هي الدنيا تقولُ بملءِ فيها ♦♦♦ حذارِي حذاري من بَطَشِي وفَتْكِي
الوقفة الثالثة: تذكر يوم القيامة.
أراد الله تعالى من خلال هذا الزلزال ان ينبه الناس إلى شي عظيم، ان يذكرهم بأمر عظيم، ألا وهو زلزال القيامة قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1-2] زلزال اليابان كان مدته دقيقتين وفعل ما فعل فكيف لو كان نصف ساعة او ساعة ماذا سيكون؟ فكيف بزلزال يوم القيامة ﴿ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الأرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ﴾ إِذَا رُجَّتِ الأرْضُ رَجًّا أي زلزلت زلزالا عنيفا، واضطربت اضطرابا شديدا، بحيث ينهدم كل ما حولها، وما فوقها من بناء شامخ، وطود راسخ، قال المفسرون: ترج كما يرج الصبى في المهد، حتى ينهدم كل ما عليها من بناء، وينكسر كل ما فيها من جبال وحصون.
فالله تعالى أراد ان يذكرنا من خلال هذه الأحداث بيوم الطامة الكبرى بيوم الصآخة، بيوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، مشكلتنا ان القيامة بمعزل عن عقولنا، كأننا مخلدون في هذه الدنيا، وكأن الموت على غيرنا كُتب، ولا نفكر بالآخرة لولا نفكر بلقاء الله، والله لو حملنا فكرة القيامة في عقولنا لاعتبرنا وغيرنا من أحوالنا؟ ولتاب المتكاسل عن الصلاة فحافظ على الجمع والجماعات، ولتاب المرابي والمرتشي والذي يغش في المعاملات، لأصلحنا أنفسنا وطهرنا بيوتنا من المفاسد التي أفسدت الأخلاق، وربينا أولادنا على طاعة الله.. هذا لقمان الحكيم يوصي ولده فيقول له: (يا بني: اثنتان لا تذكرهما أبدا إحسانك إلى الناس وإساءة الناس إليك، واثنتان لا تذكرهما أبدا الموت والدار الآخرة). فما أحوج الأمة ان تتذكر الآخرة، ان تتذكروا ان هناك يوما بانتظارهم يوم لا تخفى فيه خافية، يوم سيقف فيه المظلوم والظالم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
فعلى المسلم ان يعلم ان هذه المصائب من العواصف والأعاصير والزلازل التي يجريها علينا رب العزة والكمال ما هي إلا تنبيه إلى الناس ليستيقظوا من سباتهم ويفيقوا من غفلتهم، فالدرس المهم الذي لا بد للأمة ان تتعلمه من هذه الأحداث هو التوبة من العصيان، من ذنوبهم، من أطماعهم، من شهواتهم، من ظلمهم، ان يولدوا من جديد فكل ابن ادم خطاء وخير الخطائين التوابون.
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يلطف بنا في قضائه وقدره، وأن يذهب عنا شر الزلازل وأن يقينا ما ظهر منا وما بطن وألا يهلكنا بما فعل السفهاء منا.