حديث: لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة
عَن ابْنٍ عَبَّاسٍ أَن الْفَضْلَ أَخْبَرَهُ أَن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. - عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ أَن عَبْدَاللهِ بنَ مسعود لَبَّى حِينَ أَفَاضَ مِنْ جَمْعٍ، فَقِيلَ: أَعْرَابِيٌّ هَذَا؟ فَقَالَ عَبْدُاللهِ: أَنَسِيَ النَّاسُ أَمْ ضَلُّوا؟ سَمِعْتُ الذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، يَقُولُ فِي هذَا الْمَكَانِ: «لَبَّيْكَ، اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ»؛ رواه مسلم.
تخريج الحديثين: حديث ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه مسلم حديث (1282)، وأخرجه البخاري في "كتاب الحج"، "باب التلبية والتكبير غداة النحر حين يرمي الجمرة والارتداف في السير" حديث (1685)، وأخرجه أبو داود في "كتاب المناسك"، "باب متى يقطع التلبية" حديث (1815)، وأخرجه الترمذي في "كتاب الحج"، "باب ما جاء متى تقطع التلبية" حديث (918)، وأخرجه النسائي في "كتاب مناسك الحج"، "باب التلبية في السير" حديث (3055).
وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه، فأخرجه مسلم حديث (1283)، وانفرد به عن البخاري، وأخرجه النسائي في "كتاب مناسك الحج"، "باب التلبية بالمزدلفة" حديث (3046).
شرح ألفاظ الحديثين:
((جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ)): هي الجمرة الكبرى، وهي آخر الجمرات الثلاث إلى جهة مكة، وهي الوحيدة التي تُرمى يوم النحر.
((حِينَ أَفَاضَ مِنْ جَمْعٍ)): جمع هي مزدلفة كما تقدم، والمقصود أنه لبَّى حين خرج من مزدلفة.
((أَعْرَابِيٌّ)): الأعرابي هو من سكن البادية، وقوله: ((أَعْرَابِيٌّ هَذَا))، والمقصود (أجاهل هذا)؛ لأن الجهل معروف في الأعراب، قيلت لعبدالله بن مسعود رضي الله عنه إنكارًا عليه التلبية يوم النحر حين أفاض من مزدلفة، وفي سنن البيهقي أن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه كان رجلًا أسمرَ اللون له ضفيرتان عليه سحنة أهل البادية، فلما لبَّى صبح يوم النحر اجتمع عليه الغوغاء، فقالوا: يا أعرابي، إن هذا ليس بيوم التلبية إنما هو التكبير.
((سُورَةُ الْبَقَرَةِ)): خصها بالذكر؛ لأن فيها ذكر كثير من أحكام الحج؛ قال ابن مسعود رضي الله عنه ذلك ردًّا على من زعم أن التلبية تنقطع من الوقوف بعرفات.
من فوائد الحديثين:
الفائدة الأولى: الحديثان فيهما دلالة على مشروعية استمرار التلبية حتى ترمى جمرة العقبة.
قال شيخ الإسلام: "ولا يزال يلبي في ذهابه من مشعر إلى مشعر مثل ذهابه إلى عرفات، وذهابه منها إلى مزدلفة حتى يرمي جمرة العقبة"؛ [انظر منسكه ص (46)].
واختلف أهل العلم في وقت قطعها، هل هو بعد الانتهاء من الرمي، وهو قول بعض الشافعية، واختاره ابن حزم، واستدلوا بحديث الباب.
والقول الثاني: أن التلبية تقطع إذا شرع في الرمي، وهو قول الجمهور، وهو الأظهر، والله أعلم.
ويدل عل ذلك:
1- رواية: ((لم يزل يلبي حتى بلغ جمرة العقبة)).
2- أنه إذا بدأ بالرمي شرع له ذكر آخر، وهو التكبير مع كل حصاة ووقت الرمي لا يكفي لغير التكبير مع كل حصاة لتتابع الحصيات.
3- أنه لم ينقل أن النبي صلى الله الله عليه وسلم كان يلبي أثناء الرمي بل المنقول هو التكبير.
4- أن التلبية شعار الحج وإجابة مناديه، وفي الشروع بجمرة العقبة شروع في التحلل والانتهاء من أعمال الحج، فينتهي وقت ومناسبة التلبية؛ [انظر المجموع (8/ 154، 181)]، والمغني (5/ 297)].
الفائدة الثانية: حديث ابن مسعود رضي الله عنه دليل على سعة علم ابن مسعود وحفظه لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|